هل أكل البشر القدامى بعضهم؟ أسرار العظام المكسورة في أوروبا
أزاحت أبحاث علمية حديثة الستار عن فصول قاتمة من تاريخ المجموعات البشرية، التي سكنت الأرض قبل 45 ألف عام، حيث تشير الأدلة الميدانية إلى أن إنسان نياندرتال قد تعرض لممارسات وحشية وصراعات دامية خلال تلك الحقبة السحيقة.
ويُعرف إنسان نياندرتال بأنه أحد أسلاف البشر القدامى، الذين استوطنوا قارتي أوروبا وآسيا قبل اندثارهم منذ نحو 40 ألف عام، وقد تميزوا ببنية جسدية قصيرة وقوية، مع أنوف عريضة وبروز عظمي مميز فوق العينين، وهو ما جعلهم يتكيفون مع الظروف المناخية القاسية قبل أن يواجهوا مواجهات مصيرية أدت إلى تراجع سلالتهم.
واعتمدت هذه النتائج على تحليل بقايا عظام عُثر عليها في كهوف غوييه ببلجيكا، وهي المنطقة التي كانت مسرحًا لصراعات عنيفة بين المجموعات البشرية في العصور القديمة.
سر اختفاء أطفال إنسان نياندرتال
أظهرت التحليلات أن الضحايا الذين عُثر على بقاياهم كانوا ستة أفراد، من بينهم أطفال ونساء شابات، وهو ما أثار دهشة العلماء.
وتبين من فحص العظام وجود علامات قطع وشقوق واضحة، ما يرجح تعرضهم للطهي، وهو سلوك يعكس قسوة الظروف المعيشية أو طبيعة الصراعات في ذلك الوقت.
ورغم أن هوية المعتدين لم تُحسم بشكل نهائي، فإن العلماء يضعون احتمالين، الأول هو هجوم من "الإنسان العاقل"، والثاني وهو الأرجح، وقوع نزاعات دامية بين مجموعات مختلفة من إنسان نياندرتال نفسه.
وأوضحت الباحثة إيزابيل كريفيكور، مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أن استهداف النساء والأطفال تحديدًا لم يكن صدفة، بل كان عملاً متعمدًا لإضعاف المجموعات المنافسة، أو السيطرة على مناطق صيد جديدة.
وقد أثبتت الفحوصات أن هؤلاء الضحايا لم يكونوا من سكان المنطقة المحليين، بل تم جلبهم من مناطق أخرى، وهو ما يؤكد فرضية الصدام بين المجموعات الغريبة عن بعضها البعض.
علاقة البشر المعاصرين بإنسان نياندرتال
استخدم العلماء تكنولوجيا متطورة في تحليل الحمض النووي والنظائر لإعادة بناء صورة دقيقة للضحايا، وتبين أن النساء كنّ قصيرات القامة بشكل ملحوظ، بينما كان بين الأطفال طفل رضيع وآخر يتراوح عمره بين 6 و12 عامًا.
وكشف الفحص عن كسر العظام بطريقة دائرية لاستخراج النخاع العظمي، وهو سلوك كان معروفاً لدى البشر القدامى للحصول على طاقة غذائية عالية في بيئة شحيحة الموارد.
وفي تعليق على هذه النتائج، أكد الباحث باتريك سيمال، أحد المشاركين في الدراسة من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية، أن هذه المكتشفات تقدم تفسيراً جلياً لطبيعة الصراعات التي سبقت اختفاء إنسان نياندرتال، كما تسلط الضوء على كواليس الحقبة التي شهدت توسع الإنسان العاقل وهيمنته على القارة الأوروبية.
ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن إنسان نياندرتال لم ينقرض بالكامل، بل اندمج مع أسلافنا، حيث يحمل البشر اليوم في جيناتهم آثارًا من ذلك الحمض النووي القديم، مما يعني أنهم لا يزالون يعيشون فينا بشكل أو بآخر، رغم تلك الصراعات الدامية التي وقعت قبل آلاف السنين.
