العلم يجيب: كيف يشعر دماغك بالألم عندما يتألم غيرك؟
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من معهد علم الأعصاب الهولندي (Netherlands Institute for Neuroscience - KNAW) بالتعاون مع جامعتي ريدينغ البريطانية وأمستردام الحرة، عن وجود ثماني خرائط جسدية داخل القشرة البصرية للدماغ تعمل بنفس الطريقة التي تنظم بها القشرة الحسية الجسدية اللمس لدى الإنسان.
وأوضح عالم الأعصاب نيكولاس هيدجر من جامعة ريدينغ البريطانية، وعالم الأعصاب توماس كنابين من معهد علم الأعصاب الهولندي وجامعة أمستردام الحرة، أن الخرائط المكتشفة داخل القشرة البصرية تجعل الإنسان "يشعر" جسديًا بما يراه من حركة أو ألم لدى الآخرين.
وأشار الباحثان إلى أن هذا الاكتشاف يفسر ردود الفعل الفورية التي تصدر عن الإنسان عند مشاهدة مشاهد مؤلمة، مثل تغيّر ملامح الوجه أو تحريك اليد لا شعوريًا عند رؤية إصابة شخص آخر، مؤكدَين أن هذه الاستجابة مصدرها مناطق اللمس في الدماغ وليست مجرد تفاعل عاطفي.
ويقول كنابين إن هذه الاستجابة تحدث في أجزاء الدماغ المسؤولة عن اللمس، وليست مجرد تفاعل عاطفي سطحي، مؤكدًا أن الدماغ يعيد ترتيب المشهد البصري ليحاكي التجارب الجسدية التي يمر بها الإنسان فعلاً.
آلية ربط الدماغ بين الرؤية والإحساس الجسدي
اعتمد البحث على تقنية تصوير الدماغ أثناء مشاهدة مجموعة من المتطوعين لمقاطع من أفلام مثل "Inception" و"The Social Network"، وذلك لرصد النشاط العصبي الطبيعي في المواقف الواقعية.
أظهرت النتائج أن القشرة البصرية تحتوي على خرائط مرتبة من الرأس إلى القدمين، تمامًا كما في القشرة الحسية، ما يعني أن الدماغ يوصل بين الرؤية والإحساس الجسدي بطريقة مباشرة.
وتشير الدراسة إلى أن كل خريطة تؤدي دورًا مختلفًا، فبعضها يختص بتحديد أجزاء الجسم، بينما يركّز بعضها الآخر على تحليل الانفعالات ووضعيات الجسد، مما يتيح فهماً أعمق للتفاعل الإنساني.
كيف يساهم فهم التعاطف في تطوير الذكاء الاصطناعي
يرى الباحثون أن هذا الاكتشاف يحمل أهمية كبيرة في مجالات علم النفس والطب العصبي، إذ قد يساعد في تطوير علاجات للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تفسير مشاعر الآخرين مثل مرضى التوحّد.
كما يمكن تطبيق النتائج في تطوير واجهات الدماغ والحاسوب لتصبح أكثر استجابة ودقة في تفسير الإشارات الجسدية. ويؤكد كنابين أن هذه الخرائط تمثل فرصة لتطوير ذكاء اصطناعي يعتمد على الفهم الجسدي للعالم كما يختبره الإنسان، ليقترب بذلك من جوهر التجربة الإنسانية الحقيقية.
