لغز طبي استمر سنوات ينكشف أخيرًا: ما سر الطفرة الجينية القاتلة لخلايا الدماغ؟
كشف باحثون سببًا جديدًا وراء مرض جيني نادر يؤدي إلى تدهور خلايا الدماغ لدى الأطفال، وهو اكتشاف قد يساعد العلماء على فهم كيفية تطور أمراض الدماغ الشائعة مثل ألزهايمر وباركنسون.
وأظهرت الدراسة التي نشرت في موقع cell أن هذا الخلل الجيني يتسبب في موت الخلايا العصبية بطريقة محددة، نتيجة تلف أغشية الخلايا وعدم قدرتها على حماية نفسها.
مرض نادر يكشف أسرار موت خلايا الدماغ
الدراسة قادها فريق من مركز هيلمهولتز ميونيخ للأبحاث في ألمانيا، وركزت على مرض نادر للغاية يُعرف باسم SSMD، وهو اضطراب وراثي يسبب تشوهات شديدة في الدماغ والعظام.
في معظم الحالات، يعاني الأطفال المصابون به من تدهور سريع في وظائف الدماغ، وغالبًا ما تنتهي حياتهم في مراحل مبكرة. ومنذ اكتشاف المرض عام 1980، لم يُسجل سوى عدد قليل جدًا من الحالات حول العالم.
توصل العلماء إلى أن المرض مرتبط بخلل في جين مسؤول عن إنتاج إنزيم مهم لحماية الخلايا العصبية. هذا الإنزيم يعمل عادةً كدرع واقٍ يمنع تلف الخلية من الداخل.
لكن عند حدوث الطفرة الجينية، يفقد الإنزيم قدرته على أداء وظيفته، ما يجعل الخلايا العصبية ضعيفة وسهلة التلف.
عند اختبار هذه الطفرة في فئران المختبر، لاحظ الباحثون أن خلايا الدماغ بدأت تموت تدريجيًا وبطريقة منتظمة.
وظهرت نفس النتيجة تقريبًا عند دراسة خلايا دماغ بشرية نُميت في المختبر من خلايا جلد مرضى يحملون الطفرة نفسها. هذا التشابه دفع العلماء للاعتقاد بأن الآلية ذاتها قد تكون موجودة في أمراض دماغية أكثر شيوعًا.
وأشار الباحثون إلى أن هذا النوع من موت الخلايا يشبه ما يحدث في أمراض الخرف، حيث تتعرض الخلايا لتلف بطيء ومستمر حتى تفقد قدرتها على العمل.
وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن الخرف ينتج فقط عن تراكم بروتينات ضارة في الدماغ، تُظهر هذه الدراسة أن تلف غشاء الخلية نفسه قد يكون السبب الأول لبدء المرض.
لماذا هذا الاكتشاف مهم؟
أوضح العلماء أن إيقاف هذا المسار من موت الخلايا في التجارب ساعد على إبطاء تدهور الخلايا العصبية، سواء في الفئران أو في خلايا المختبر. وهذا يعني أن التدخل المبكر لحماية الخلايا قد يكون له دور مستقبلي في علاج أمراض الدماغ أو تأخير تطورها.
ورغم أن الخرف غالبًا ما يُربط بكبار السن، إلا أن هناك حالات نادرة يبدأ فيها تدهور الذاكرة والإدراك في سن الطفولة، نتيجة أمراض وراثية يولد بها الأطفال. وتساعد دراسة هذه الحالات المؤلمة الباحثين على فهم أوسع لكيفية تلف الدماغ، حتى في الحالات الأكثر شيوعًا.
وأكد فريق البحث أن الوصول إلى هذا الاكتشاف استغرق أكثر من 14 عامًا من العمل المتواصل، مشددين على أهمية دعم الأبحاث طويلة الأمد لفهم الأمراض المعقدة. ويرى العلماء أن هذه النتائج قد تمهّد الطريق لتطوير طرق جديدة لحماية خلايا الدماغ في المستقبل.
