سر الإلهام المفاجئ.. لماذا يولّد النوم الجزئي أفكارًا استثنائية؟
تظهر دراسة حديثة أن لحظة الانتقال بين اليقظة والنوم، وهي ما يُسمى بـ"النوم الجزئي" أو "الهبناغوجيك"، يمكن أن تكون مصدرًا رئيسيًا للأفكار الإبداعية. في هذه اللحظات، عندما يكون العقل شبه واعٍ، تبدأ الأفكار المدهشة في التكوين، كما يحدث عند كبار المبدعين والعلماء. في الواقع.
وتشير الدراسات إلى أن حوالي 80% من الأشخاص قد مرّوا بهذه الحالة مرة واحدة على الأقل، فيما يصل حوالي ربعهم إلى تجربة هذه الحالة بانتظام. كما أن النساء قد يمررن بهذه الحالة بشكل أكثر تواترًا من الرجال، وعادة ما تحدث عند بداية النوم أو الاستيقاظ، لكنها قد تحدث أيضًا خلال فترات النهار إذا شعر الشخص بالنعاس، وذلك وفقًا لـ sciencealert.
بول مكارتني وأغنيته "Yesterday"
على سبيل المثال، أغنية "Yesterday" الشهيرة لفرقة البيتلز كانت نتيجة لحالة النوم الجزئي التي مر بها بول مكارتني في عام 1965. وفقًا لمقال نشر في The Conversation، استيقظ مكارتني ذات صباح ليجد لحنًا طويلًا ومعقدًا يدور في رأسه، فهرع إلى البيانو وبدأ بعزف اللحن. سرعان ما اكتشف الأوتار المناسبة وأنشأ بعض العبارات المؤقتة قبل صياغة الكلمات النهائية للأغنية.
رغم شكه في البداية بأن اللحن قد يكون سرقة غير واعية من موسيقى سابقة، تبين لاحقًا أنه ابتكار أصلي تمامًا. ويمثل هذا مثالًا حيًا على كيفية توليد العقل للأفكار الإبداعية في حالة الانتقال بين اليقظة والنوم، حيث تتداخل الذاكرة الباطنة مع تصورات خيالية لتخلق شيئًا جديدًا.
هذا النوع من الإبداع لا يقتصر على الموسيقى فقط؛ فقد توصل الفيزيائي نيلز بور إلى تصور بنية الذرة وهو شبه نائم، متخيلًا الإلكترونات تدور حول النواة كما تدور الكواكب حول الشمس، الأمر الذي ساعده على صياغة أحد أهم اكتشافات القرن العشرين. كذلك، استخدم المخترع توماس إديسون تقنية "الغفوة الواعية"، حيث كان ينام ممسكًا بقطعة معدنية لتوقظه عند بدء النوم، مما أتاح له تسجيل الأفكار الإبداعية فور ظهورها.
الإبداع من مكان غير متوقع
يعتقد علماء النفس أن هذه اللحظات بين النوم واليقظة مثالية لإطلاق الإبداع، لأنها تتيح للعقل تلقي أفكار من العقل الباطن بعيدًا عن التفكير الواعي الصارم. الدراسات الحديثة تشير إلى أن الأشخاص في هذه الحالة يكونون أكثر قدرة على اكتشاف الحلول الإبداعية للمشكلات ثلاث مرات مقارنة بالعقل الواعي العادي، كما يمكنهم دمج أفكار متفرقة لإيجاد حلول مبتكرة.
أحد علماء النفس القدامى، فريدريك مايرز، اقترح أن الأفكار تأتي فجأة من العقل الباطن، حيث يكون العقل الواعي مجرد جزء صغير من الإدراك الكامل. الأفكار قد تنضج لفترات طويلة في العقل الباطن قبل أن تظهر في الوعي، مما يجعلها تبدو وكأنها هبات إلهية أو أفكار "تأتي من العدم".
أهمية الاسترخاء للحصول على أفكار جديدة
يرتبط الإبداع ارتباطًا وثيقًا بالاسترخاء العقلي، حيث تصبح الحدود بين ما هو واعٍ وغير واعٍ أكثر مرونة. في هذه اللحظات، يمكن للعقل أن يولد أفكارًا جديدة دون تدخل التفكير الواعي، وهو ما يفسر أهمية الغفوة، التأمل، واللحظات الهادئة في تعزيز التفكير الإبداعي.
