وداعًا لدراسة الحالة التقليدية: الذكاء الاصطناعي يغيّر وجه ماجستير إدارة الأعمال
لم يعد طلاب ماجستير إدارة الأعمال في جامعة نورث وسترن يعتمدون على دراسة الحالة الورقية التي شكّلت لعقود حجر الأساس في تعليم الاستراتيجية والإدارة، فاليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي هو "المدرّب" الجديد الذي يُعيد صياغة تجربة التعلّم في كلية كيلوج للإدارة، حيث تُستبدل التقارير والجداول الطويلة بمحاورات تفاعلية مع روبوتات دردشة ذكية تُحاكي المواقف الواقعية داخل الشركات والمؤسسات.
منذ أكثر من قرن، اعتمدت كليات إدارة الأعمال على نموذج دراسة الحالة لتعليم الطلاب تحليل الأزمات التجارية وبناء الاستراتيجيات، ولكن وفقًا للأستاذ المشارك سيباستيان مارتن، مبتكر التجربة الجديدة، فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذه الحالات “ليس اختصارًا، بل وسيلة لإبطاء الطلاب وإجبارهم على التفكير العميق والتفاعل التحليلي".
تجربة جامعة نورث وسترن مع الذكاء الاصطناعي
في التجربة التي طُبقت على نطاق واسع منذ مطلع عام 2025، كُلِّف الطلاب بمساعدة منطقة مدرسية تواجه عجزًا بقيمة 50 مليون دولار، ليس عبر قراءة التقارير، بل من خلال سلسلة محادثات مع خمس شخصيات افتراضية أنشأها الذكاء الاصطناعي تمثّل مسؤولي المنطقة التعليمية.
كان على الطلاب استخلاص البيانات والمعلومات من هذه الحوارات، تمامًا كما يفعل المستشارون في الميدان، قبل اقتراح خطة واقعية لتقليص العجز.

ويقول مارتن: "بدأنا نحارب النار بالنار، نستخدم الذكاء الاصطناعي نفسه لتعليم طلابنا كيف يفكرون مثله ويواجهونه في الوقت ذاته".
وأشار إلى أن الطلاب تبادلوا أكثر من 50 رسالة في المتوسط مع كل شخصية افتراضية، مما خلق بيئة محاكاة غنية تُحاكي التحديات الفعلية في عالم الأعمال.
كيف يُغيّر الذكاء الاصطناعي أسلوب تدريس ماجستير إدارة الأعمال؟
منذ إطلاق التجربة، استخدم أكثر من 2000 طالب هذه الحالات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع ازدياد عدد الأساتذة الذين يدمجونها في مقرراتهم.
اللافت أن الذكاء الاصطناعي لم يُستخدم لتسريع المهام أو تبسيطها، بل لعكس ذلك: لتدريب الطلاب على طرح الأسئلة الصحيحة، وتحليل الإجابات المتضاربة، والتعامل مع شخصيات رقمية "جريئة" وواقعية إلى حدّ لافت.
إحدى هذه الشخصيات، مثلًا، هي سائقة حافلة تُدعى ليندا جونسون، تصف يومها بالتفصيل، بينما يرفض المدير المالي للمنطقة مشاركة البيانات إلا بعد معرفة الغرض منها، ما يُجبر الطلاب على استخدام الإقناع والتفاوض.
اقرأ أيضا: الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة التوظيف في مايكروسوفت
قال الطالب أيوش خانا، الذي عمل سابقًا في مجال الاستشارات: "المحادثات مع هذه الشخصيات كانت واقعية جدًا، حتى أن بعض زملائي شعروا بعودة ضغوط الحياة المهنية السابقة، كما لو أننا في مشروع استشاري حقيقي".
وفي حين لا تزال كليات مثل هارفارد للأعمال تُحافظ على صرامة النظام التقليدي، فإن تجارب نورث وسترن وهارفارد على السواء تُظهر أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا أصيلًا من منهجيات التعليم الإداري الجديدة، فبدلًا من أن يُخشى كأداة "غش أكاديمي"، يُعاد توظيفه اليوم كوسيلة لتعزيز الإبداع والتفكير النقدي، وهما مهارتان لا يمكن للآلات بعدُ أن تُتقنهما بالكامل.
