صدمات الطفولة تغيّر كيمياء الجسم مدى الحياة.. دراسة تكشف
أظهرت دراسة حديثة أن الصدمات النفسية في الطفولة قد تترك آثارًا طويلة الأمد على الجسم، حيث اكتشف الباحثون أن البالغين الذين تعرضوا لصدمات في مراحل مبكرة من حياتهم، يظهرون نمطًا ثابتًا من التغيرات في الكيمياء الدموية، والتي يمكن أن تستمر لعقود وتزداد حدتها مع شدة الصدمة.
ونُشرت النتائج في مجلة Biological Psychiatry، مشيرة إلى وجود رابط بيولوجي بين تجارب الطفولة المؤلمة وزيادة المخاطر الصحية النفسية والجسدية لاحقًا.
التغيرات الأيضية الناتجة عن التوتر
ركز فريق البحث على الميتابولوم، وهو مجموعة من الجزيئات الصغيرة في الجسم، المعروفة باسم المستقلبات، بما في ذلك السكريات، الأحماض الأمينية، الدهون، وغيرها من المركبات الكيميائية الناتجة عن عمليات الهضم، معالجة الأدوية، أو الوظائف الروتينية للجسم.
ويُعرف هذا النشاط الكيميائي الحيوي باسم الأيض (التمثيل الغذائي)، وهو العملية التي يحوّل فيها الجسم الطعام إلى طاقة ويستخدم المواد الكيميائية لبناء الخلايا وإصلاح الأنسجة وتنظيم وظائف الجسم الحيوية.
وتعد المستقلبات بمثابة بصمات كيميائية تعكس حالة الجسم في وقت محدد، ما يتيح التنبؤ المبكر بالمخاطر الصحية والاضطرابات الناتجة عن التوتر.
وقد استخدم الباحثون بيانات نحو 3,000 بالغ من دراسة طويلة الأمد في هولندا، حيث تم جمع عينات دم مرتين على مدى ست سنوات، وتحليل أكثر من 800 مستقلب.
كما تم تقييم الصدمات النفسية في الطفولة من خلال مقابلات، شملت التعرض للإساءة العاطفية والجسدية والجنسية أو الإهمال العاطفي قبل سن 16، مع منح كل مشارك درجات حسب نوع وعدد الصدمات وشدتها.
ووجدت التحليلات 18 مستقلبًا مرتبطًا بالصدمات، نصفها بزيادة مستوياتها ونصفها بانخفاضها، مع علاقة واضحة بين شدة الصدمة وحدّة التغيرات الأيضية.
وشملت المستقلبات المرتفعة مركبات مرتبطة بتحلل الدهون وبعض الأحماض الأمينية، مثل كارنيتين 2-ميثيل بيوتيريل وبروبيونيل كارنيتين، ما يشير إلى تغييرات في قدرة الجسم على معالجة الدهون والبروتينات، وربما ضعف كفاءة الميتوكوندريا.
والميتوكوندريا هي عضيات دقيقة داخل خلايا الجسم تُعرف غالبًا باسم "محطات توليد الطاقة"، إذ تلعب دورًا أساسيًا في إنتاج الطاقة اللازمة للقيام بالوظائف الحيوية المختلفة للخلية.
تأثير الصدمات النفسية المبكرة على الأيض
وأظهرت الدراسة أيضًا انخفاض مستويات هرموني الكورتيزول والكورتيزون لدى المشاركين الذين تعرضوا لصدمات طفولية، وهما جزء من نظام المحور الوطائي-النخامي-الكظري (HPA axis)، المسؤول عن تنظيم الاستجابة للتوتر، وقد ترتبط هذه التغيرات طويلة الأمد بمشكلات صحية جسدية وعاطفية.
اقرأ أيضًا: دراسة تربط الاعتلال النفسي بكراهية الحيوانات.. ما العلاقة؟
وبعض المستقلبات المحددة، مثل ستاكيدرِين و1-ستيارويل-GPC، سبق ربطها بأمراض القلب والاكتئاب، بينما أظهرت ستة مستقلبات تأثيرات فريدة، ما يشير إلى أن الصدمات قد تؤثر على الجسم بطرق لا يمكن تفسيرها فقط بالحالات النفسية.
وتمت مراعاة تأثير العوامل المرتبطة بالصحة مثل الوزن واستخدام الأدوية، مع بقاء النتائج مستقرة، ما يعزز مصداقية العلاقة بين الصدمات الطفولية والتغيرات الأيضية.
كما بينت المقارنات مع بصمة الأيض المرتبطة بالاكتئاب، أن الصدمات النفسية المبكرة تُحدث تغييرات فريدة ومستقلة، ما يفتح آفاقًا لفهم أفضل للآليات البيولوجية لمخاطر التوتر والصحة المستقبلية.
