باولو كويلو يكتب لـ «الرجل» : كما لو كانت المرة الأولى
أود أن أوْمن بأنني سأنظر إلى هذا العام الجديد وكأنها المرة الأولى التي تتكشف فيها 365 يومًا أمام عينيّ. أن أنظر إلى الأشخاص من حولي بدهشة وانبهار، سعيدًا لاكتشاف أنهم إلى جانبي يشاركونني ذلك الشيء الذي يُذكر كثيرًا ونادرًا ما يُفهم، والذي يدعى الحب.
سأركب أول حافلة تأتي دون أن أسأل عن وجهتها، وسأنزل بمجرد أن أرى شيئًا يلفت انتباهي.
سأمر بجوار متسول يطلب مني القليل من المال. ربما سأعطيه شيئًا، وربما سأظن أنه سينفقها على الشراب وسأمضي قدمًا، سأسمع شتائمه وسأفهم أن هذه هي الطريقة التي عليه التواصل بها معي.
سأمر بجوار شخص يحاول تحطيم كشك الهاتف. ربما سأحاول إيقافه، وربما سأتفهم أنه يفعل ذلك لأنه لا يوجد أحد على الطرف الآخر من الخط ليتحدث إليه، وأن هذه هي طريقته لنبذ الوحدة.
في كل يوم من هذه الأيام الـ 365، سأنظر الى كل شيء وكل شخص كما لو كانت المرة الأولى، وبخاصة الأشياء الصغيرة التي لم أعتدها والتي نسيت سحرها. مفاتيح حاسوبي، على سبيل المثال، التي تتحرك بطاقة أعجز عن فهمها. الورقة التي تظهر على الشاشة ولم تتحول إلى شكل مادي منذ زمن طويل، على الرغم من أنني أعتقد أنني أكتب على ورقة بيضاء حيث يسهل إجراء التصحيحات بمجرد الضغط على مفتاح.
بجانب شاشة الحاسوب، توجد بعض الأوراق التي لا أملك الصبر الكافي لترتيبها، ولكن إذا ما انتابني إحساس بأنها تخبئ شيئًا جديدًا، فستكتسب كل هذه الرسائل، والمذكرات وقصاصات الصحف والإيصالات حياة خاصة بها، وستروي لي قصصًا غريبة عن الماضي والمستقبل. الكثير من الأشياء في العالم، الكثير من الطرق التي سلكتها، الكثير من المداخل والمخارج في حياتي.
سأرتدي قميصًا ألبسه كثيرًا، وللمرة الأولى سأنتبه إلى الملصق الموجود وإلى طريقة حياكته، وسأبدأ بتخيل الأيادي التي صممته والآلات التي حولت هذا التصميم إلى شيء مادي ومرئي.
حتى الأشياء التي اعتدتها، مثل قوسي وسهامي، وكوب قهوة الصباح، والحذاء الذي أصبح امتدادًا لقدمي من كثرة ارتدائه، ستُغطى بهالة من الغموض المصاحب للاكتشاف.
اقرأ أيضًا: باولو كويلو يكتب لـ «الرجل» : مسار الرماية أهمية تكرار الشيء نفسه الفعل هو فكرة تتجسد.
فليكن كل ما تلمسه يداي، وتراه عيناي، ويتذوقه فمي، مختلفًا الآن، على الرغم من أنه ظل كما هو لسنوات عديدة. بهذه الطريقة، لن تعود هذه الأشياء لوحات ساكنة، بل ستبدأ في كشف سر بقائها معي كل تلك المدة الطويلة، وستظهر لي معجزة التواصل مجددًا مع مشاعر أنهكها الروتين.
أريد أن أنظر إلى الشمس للمرة الأولى، إذا ما ظهرت غدًا، أو إلى الطقس الغائم إذا كان الغد ملبدًا بالغيوم.
فوق رأسي سماء قدمت لها البشرية جمعاء -على مدى آلاف السنين من المراقبة- سلسلة من التفسيرات المنطقية. حسنًا، سأنسى كل ما تعلمته عن النجوم، وستتحول مجددًا إلى ملائكة أو أطفال، أو أي شيء آخر أرغب في تصديقه في تلك اللحظة.
لقد حول الزمن والحياة كل شيء إلى أمر مفهوم تمامًا، وأنا بحاجة إلى الغموض، إلى الرعد الذي هو صوت إله غاضب، وليس مجرد تفريغ كهربائي بسيط يحدث اهتزازات في الغلاف الجوي. أريد أن أملأ حياتي مرة جديدة بالخيال، لأن إلهًا غاضبًا هو، بلا شك، أكثر إثارة للفضول وللخوف وللاهتمام من مجرد ظاهرة فيزيائية.
وأخيرًا، دعني أنظر إلى نفسي في كل واحد من هذه الأيام الـ 365 كما لو كانت المرة الأولى التي أتواصل فيها مع جسدي وروحي. دعني أنظر إلى هذا الشخص الذي يمشي، ويشعر ويتحدث مثل أي شخص آخر. دعني أندهش من أبسط حركاته، مثل التحدث إلى ساعي البريد، أو فتح مراسلاته، أو تأمل زوجته النائمة بجانبه، متسائلًا عما تحلم به.
وبهذه الطريقة سأظل ما أنا عليه وما أحب أن أكونه: مفاجأة دائمة لنفسي. هذا "الأنا" الذي لم يُخلق بوساطة والدي أو والدتي، ولا مدرستي، بل بوساطة كل ما عشته حتى الآن، وفجأة نسيته، وها أنا أكتشفه من جديد.
