كيف تتجاوز الانفصال دون أن تفقد توازنك النفسي؟
عادةً ما ينهال الدعم العاطفي على المرأة من كل اتجاه بعد الانفصال، لكن ماذا عن الرجل؟ هل تُخفِي صلابته الظاهرية مشاعر الحُزن والغضب في الداخل أم أنّ تأثير الانفصال ليس شديدًا عليه؟
الحقيقة أنّ الرجال قد يتعرّضون لعواقب نفسية أكبر بعد الانفصال، مقارنةً بالنساء، لكن الرجل بطبيعته قد لا يبحث عن دعمٍ عاطفي، ويظنّ أنّ الأمر يمكِن تجاوزه بمرور الوقت.
وسواء تجاوز الرجل صدمة الانفصال بمرور الوقت أم لا، فإن هُناك حاجة حقيقة إلى التعافي بعد الانفصال، بما يتضمّنه ذلك من تقبّل المشاعر السلبية والتعبير عنها في بعض الأحيان، فكيف يؤثِّر الانفصال في الرجل ابتداءً؟ وما خطوات تعافيه بعد الانفصال؟
كيف يؤثِّر الطلاق في الرجل؟
تختلف نتائج الانفصال أو الطلاق من رجلٍ لآخر، إذ لا تتأثّر المرأة وحدها في هذه الحالة، وحسب موقع "Divorce"، فإنّ ضغوطات الانفصال والتحديات المالية والعواطف المرتبطة بإنهاء الزواج، لها آثار طويلة الأمد على أي شخص ينهي الزواج، ولكن الرجال يتعرضون لعواقب قصيرة الأمد، ولكنها أكثر ضررًا على صحتهم بسبب الانفصال، مقارنةً بالنساء.
وحسب دراسة نشرت عام 2013 في دورية "Journal of Men's Health"، فإنّ الطلاق يؤثِّر بشكل مباشر وغير مباشر في صحة الرجل الجسدية والنفسية والاجتماعية وحتى الروحية، بل إنّ معدل الوفيات بين الرجال غير المتزوجين والمُطلقين أعلى بنسبة 250%، من معدل الوفيات بين الرجال المتزوجين.
صدمة ما بعد الانفصال
نادرًا ما يكون إنهاء الزواج أمرًا سهلًا، حتى إذا كانت العلاقة سامة ومُسيئة، ومع ذلك فقد تنشأ صدمة الطلاق بعد الانفصال، وهذه الصدمة قد يكون لها آثار بعيدة المدى، بما قد يسبِّب إجهادًا عاطفيًا وعقليًا وجسديًا.
فالطلاق بالنسبة لكثير من الناس لا يتعلّق فقط بفقدان الشريك، بل يمكن أن يؤثِّر في هوية الرجل وشعوره بالأمان، وقد يؤدي الانفصال إلى تغييرات شخصية كبيرة، مثل:
- الانتقال إلى مكان جديد.
- تقاسُم حضانة الأطفال.
- بدء وظيفة جديدة.
وغالبًا ما يعاني الأشخاص بعد الانفصال مشاعر الفشل والهجر والخيانة، إلى جانب الضغط الناتج عن مواجهة التحديات الأخرى.
ومن علامات المعاناة من صدمة ما بعد الانفصال:
- أفكار سلبية مفرطة عن الذات أو العالم.
- المبالغة في إلقاء اللوم على الذات أو الآخرين.
- انخفاض الاهتمام بالأنشطة.
- الشعور بالعُزلة.
- الانفعال أو العدوان.
- البارانويا "جنون العظمة".
- سلوك محفوف بالمخاطر.
- صعوبة التركيز.
- صعوبة النوم.
ليس هذا فحسب، بل قد يؤدِّي اضطراب ما بعد الصدمة بعد الانفصال إلى عودة ظهور الأعراض، مثل الأفكار أو الأحلام المقتحمة المتعلقة بالانفصال.
وحسب المعالِجة النفسية "توني كولمان": "إذا مرّ الشخص بطلاقٍ مليء بالعداء، طويل الأمد، مكلّف، مستنزف للوقت ومغيِّر لأسلوب الحياة، فقد يؤدي ذلك إلى أعراضٍ إنهاكية من القلق، يمكن أن تتجذّر فيها حالة اضطراب ما بعد الصدمة... وهذه الأعراض هي نتيجة لصدمة الطلاق التي تترسّخ في العقل الباطن لشخص، ومِنْ ثمّ تُرى على شكل مخاوف متكررة وذكريات سيئة".
اقرأ أيضًا: كيف يمكن للرجل الاستشفاء من الطلاق وبدء حياة جديدة؟
هل يعانِي كل الرجال صدمة بعد الانفصال؟
ليس شرطًا أن يتعرّض كل رجل لهذه الأعراض بعد الانفصال، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تُسهِم في ظهور أعراض صدمة الانفصال، كما في الحالات التي تنطوي على إساءة المعاملة أو التعرّض لتهديد.
وربّما كان الرجل مُصابًا من قبل باضطراب ما بعد الصدمة، ومِنْ ثمّ يؤدي الانفصال إلى تفاقُم أعراض الاضطراب، حسب الطبيبة النفسية "سوزان إيدلمان".
كذلك فإنّ الافتقار إلى الدعم الاجتماعي من العوامل التي يمكن أن تزيد خطر تعرّض الرجل لصدمة الانفصال، خاصةً مع عدم الحصول على دعم الأصدقاء والعائلة وغيرهم، بما قد يجعل الرجل يشعر بالعزلة والإرهاق.
خطوات التعافي بعد الانفصال للرجل
مهما كانت الصعوبات التي مررت بها بعد الانفصال، يمكِن التعافي مع الآثار النفسية له، وإن استغرق ذلك بعض الوقت بالطبع، وفيما يلي خطوات ونصائح من شأنها أن تساعدك على التعافي لاستعادة نفسك سريعًا:
1. دور الأصدقاء والعائلة في دعمك بعد الانفصال:
كثيرًا ما يفتقر الرجال إلى الدعم العاطفي، بخلاف النساء؛ إذ وجدت الدراسات الاستقصائية أنّ الرجال أكثر عُرضةً -بنحو الضعف من النساء- لعدم وجود من يلجؤون إليه للحصول على الراحة في الأوقات الصعبة.
وبالنسبة للمتزوجين، فقد تكون الزوجة هي المصدر الوحيد للدعم العاطفي، أمّا في أثناء الطلاق، فقد يكون لدى المرأة دائرة اجتماعية تدعمها عاطفيًا، أمّا الرجال فالعديد منهم قد لا يمتلك أصدقاء مقربين لتقديم الدعم العاطفي الكافي.
لذا فقد يكون الرجل بحاجةٍ إلى دعم عاطفي للتعافي من الصدمة بعد الانفصال، لمشاركة مشاعره وتقليل الشعور بالوحدة.
2. ممارسة الامتنان:
الحياة ليست أبيض أو أسود، والانفصال ليس نهاية المطاف، وقد تتباين مشاعر الرجال بعد الانفصال، وإن كان الغالب الشعور بحزن أو غضب أو ندم، بما يدفع الرجل نحو السلبية بشكلٍ أعمق، فلا يكون متحمسًا للمضي قدمًا وتجاوُز الأمر.
لكن بعض التذكيرات الصغيرة بالأمور الجيدة في حياتك قد يساعد على تجاوز الأزمة الحاليّة، ولذلك يمكنك شراء دفتر مثلًا وكتابة كل الأشياء التي تشعر بالامتنان لها في حياتك، حتى لو كان ذلك بسيطًا، مثل قضاء بعض الوقت مع أصدقائك أو على الأريكة، وعندما يهيمن الحزن عليك مرة أخرى، افتح دفتر ملاحظاتك وذكِّر نفسك بالنِّعم الموجودة في حياتك.
3. تقبّل مشاعرك وعبّر عنها:
قد تظنُّ أنّه من الأفضل تجنب التفكير أو مناقشة ما يُسبِّب لك الضيق، أو ربّما لا ترغب في إثقال كاهل الآخرين بمشكلاتك، وهذا حقك بالطبع، لكن الدراسات تدل على أنّ محاولة قمع الأفكار المؤلِمة تزيد من تواترها، ما يعني أنّ محاولة دفن مشاعرك تجاه الانفصال، قد تجعل التعافي أكثر صعوبة، أو ربّما تؤثِّر في علاقتك القادمة.
بدلًا من ذلك، قد يكون من المفيد الاعتراف بالمشاعر المزعجة، مثل الحزن والغضب والخوف عند ظهورها، وتقبّل تلك المشاعر، دون السماح لها بالتأثير على أفعالك أو سلوكك، فهذا قد يساعد على تبديد المشاعر غير المرغوب فيها.
كما قد يكون من المفيد التحدث مع صديق موثوق به أو متخصص في الصحة النفسية لمساعدتك؛ إذ إنّ تفريغ المشاعر في كلمات قد يساعد في تهدئة نفسك، ومع ذلك لا تسرِف في هذا الأمر، فالشكاوى المستمرة قد يكون لها تأثير معاكس، لذا حاول التحدّث أيضًا عن الجوانب الإيجابية في حياتك.
اقرأ أيضًا: بداية الحياة الزوجية.. أسرار رحلة زواج لا تنتهي بالطلاق
4. لا تنظر للأمر بسلبية:
صحيح أنّ تجربة الانفصال مؤلمة ومدمرة، لكن ليس من الضروري أن تكون سلبية تمامًا؛ إذ يقول بعض الأشخاص أنّهم يفهمون أنفسهم والعالم بشكلٍ أعمق بعد الطلاق، حسب دراسةٍ نشرت عام 2023 في "المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة"، والوصول إلى هذا المفهوم قد يستغرق بعض الوقت كما ينطوي على الألم بالطبع.
ومع ذلك، فإنّ النظر إلى الانفصال كفرصة للنمو الشخصي، يمكن أن يساعدك على التحلِّي بالمرونة رغم التحدّيات، بأن تسأل نفسك عمّا تعلمته من هذه التجربة، لفهم نفسك بشكلٍ أفضل وتحقيق الأهداف التي تصبو إليها
متى يحتاج الرجل إلى مساعدة نفسية متخصصة؟
ختامًا؛ لا تستهِن بالأمر، وإذا كان الانفصال أثره شديدًا عليك، فلا بأس بطلب مساعدة نفسية متخصصة، بل قد يكون ذلك ضروريًا لإدارة الحياة بشكلٍ أفضل بعد الانفصال.
كما يمكن أن يساعدك المُختص النفسي في التغلب على المشاعر السلبية، وتطوير استراتيجيات جديدة، للعودة إلى المسار الصحيح في حياتك وتجاوز صدمة الانفصال، والنظر إلى الحياة بإيجابية أكبر.
