المصرفي السعودي مدحت الزاير: أبحث عن الأثر قبل الألقاب.. وعن الثقة قبل الأرباح
مدحت أحمد الزاير، مدير أول ورئيس إقليمي لإدارة الثروات في شركة "أرباح المالية"، جمع بين أناقة الضيافة ودقة الأرقام، وبين خبرة المصارف ورؤية المستثمر. بخطوات ثابتة عبر أكثر من ربع قرن انتقل من كبرى فنادق العالم إلى كبرى البنوك، يحمل برصيده بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة أركنساس ودراسات عليا بإدارة الضيافة من كورنيل، من السعودية إلى دبي ولندن، بنى علاقات راسخة مع عملائه، واضعًا ثقتهم قبل أرباحه ومؤمنًا أن الثروة الحقيقية تترك بالقلوب بصمة وبالسوق قيمة. ما يميّزه فلسفة عمل تقوم على الصدق والنزاهة، وإيمان عميق بأن الأثر الإنساني هو أعظم استثمار، والتالي نص الحوار:
من هو مدحت الزاير الإنسان والاقتصادي؟
مدحت الزاير، إنسان قبل أن يكون اقتصاديًّا أوْمن بأن النجاح المهني لا يكتمل دون جذور إنسانية عميقة، ولدت وتربّيت على قيم الأصالة وتحملت مسؤوليات مبكرة دفعتني للتسلّح بالعلم والعمل. جمعت بين شغفي بالضيافة والاقتصاد، ودرست إدارة الضيافة بجامعة كورنيل. خضت تجربة مصرفية ثرية ببنوك محلية ودولية جعلتني أمتلك نظرة شمولية لإدارة الثروات. أحرص على أن أبقى الإنسان الذي لا ينسى فضل عائلته، ولا يتنازل عن احترام الآخر ومساعدته.
القيم ليست شعارات
ما هي القيم أو المبادئ التي نشأت عليها ولا تزال ترافقك بحياتك المهنية؟
القيم التي نشأت عليها لم تكن شعارات، بل ممارسة يومية أهمها: الأمانة، والنزاهة، والحرص على مصلحة العميل قبل مصلحة المنشأة. لا أسعى وراء الربح وحده، بل أضع ثقة العميل بمقدمة أولوياتي، خاصة حين أتعامل مع أموال واستثمارات وجهد عمر.
كيف توازن بين العمل المكثف بالقطاع الاقتصادي وحياتك الأسرية والاجتماعية؟
أبذل قصارى جهدي للحفاظ على توازن صحي بين عملي وحياتي الأسرية والاجتماعية. فرغم طبيعة عملي ، أقضي وقتًا نوعيًا مع أسرتي، أكون فيه حاضرًا بكل كياني، أخصص وقتًا للتواصل مع والدي وإخوتي وأصدقائي، لكن بصراحة الوقت ليس كافيًا، وهو أمر يؤرقني، وأعلم أنّ النجاح لا يُقاس فقط بإنجازات بل بعُمق العلاقات التي نحافظ عليها.
النجاح ليس ضربة حظ
شخصية أثرت بمسيرتك بشكل خاص؟
والدي مدرسة في الصبر والاجتهاد، ومصدر إلهام، علّمني أن الكفاح طريق للكرامة والنجاح. ورغم أنني لا أملك صبره الهادئ، فإنني أحاول جاهدًا السير على خطاه بما يليق بما بذله لأجلي، كان قدوتي بتحمل المسؤولية والاتزان وسط العواصف.
ما العادات اليومية التي تلتزم بها وتراها سرًّا من أسرارك؟
النجاح ليس ضربة حظ، بل نتاج عادات صغيرة تُمارَس باستمرار، أبرزها ممارسة الرياضة، وطعام صحي يمنحني طاقة ذهنية وجسدية، ومحاولتي الدائمة أن أحيط نفسي بأشخاص إيجابيين يُحفزونني ويدفعونني للأمام. الإيجابية معدية، لذلك أبتعد قدر المستطاع عن الطاقات السلبية لأن الاستمرارية بالنجاح تتطلب بيئة صحية من الداخل والخارج.
القوة الناعمة
ما دور المرأة في حياتك؟
دور المرأة محوري، أمي نبع الحنان الأول، غرست فيّ القيم، أما زوجتي فهي سندي الحقيقي وشريكتي، وقفت بجانبي، دعمتني بصبرها وحكمتها، وواجهنا معًا تقلبات الحياة، كما أنها بطلة برياضة التايكوندو، حازت الحزام الأسود دان ٢. انضباطها وإصرارها ألهماني، ببساطة المرأة بحياتي القوة الناعمة التي تصنع الفارق.
كيف تصف رحلتك المهنية من العمل بالبنوك والفنادق إلى رئاسة إدارة الثروات؟
رحلتي المهنية لم تكن تقليدية مليئة بالتحولات التي صقلتني، بدأت من عالم الضيافة وعملت مع كبرى شركات الفنادق حول العالم، ودرست إدارة الضيافة، تعلّمت كيف تكون خدمة العملاء فنًا حقيقيًّا. هذا المفهوم ظلّ معي حتى بعد انتقالي للقطاع المصرفي، وشكّل اهتمامي بتجربة العميل فارقًا واضحًا بمجال إدارة الثروات، أتعامل مع الجميع بنفس الاهتمام والرعاية.
ما أبرز التحديات التي واجهتها؟
أبرز التحديات تتعلق بطبيعة قطاع الضيافة: يأتيك العميل وهو بمزاج جيد، مستعد لقضاء وقت ممتع، أما بالقطاع المالي فأنت تتعامل مع قرارات حساسة تتعلق بأموال الناس ومدخراتهم، وهذا يتطلب دقة عالية وحذرًا بالغًا أيضًا، بجانب تحديات مرتبطة باستقرار بعض البنوك العالمية التي عملت بها، حيث اضطررت للبحث عن فرص جديدة بسبب إغلاق بعض الفروع أو التغييرات التنظيمية. رغم كل ذلك تعلّمت التكيّف، واعتبرت كل تحدٍ خطوة جديدة بطريق الخبرة والنمو.
اقرأ أيضًا: الحسن بن رزق لـ"الرجل": حولت شغفي إلى براءة اختراع في "الناقل الذكي للأدوية"
بيئة العمل السعودية
ما الفرق بين بيئة العمل بالسعودية ودبي ولندن؟
لكل بيئة عمل طابعها الخاص وثقافتها التنظيمية، اكتسبت خبرات كثيرة بدبي ولندن، لكن بكل صدق، بيئة العمل بالسعودية لا تضاهيها بيئة أخرى، هناك رُقي بالتعامل وطيبة أصيلة بالنفوس وكرم بأسلوب العمل. السعوديون يتميزون بالاحترام والالتزام وروح المبادرة، وهو ما يجعل بيئة العمل هنا أكثر دفئًا وإنسانية وانتماء، والأفضل من حيث العلاقات والرؤية المستقبلية والدعم المؤسسي.
كيف ترى تطور ثقافة الاستثمار الإسلامي اليوم ودورك بهذا المجال؟
أصبح العملاء أكثر وعيًا وإلمامًا بالتفاصيل الشرعية والمالية لاستثماراتهم، هناك طلب متزايد على المنتجات المتوافقة مع الشريعة ليس فقط بدافع ديني، بل أيضًا لثقة الناس بشفافية هذا النوع من الاستثمارات. شركتنا تؤدي دورًا حيويًّا بهذا المجال من خلال توفير حلول استثمارية مبتكرة وملتزمة بالضوابط الشرعية، إلى جانب تثقيف العملاء ومساعدتهم باتخاذ قرارات مدروسة تحقق لهم العائد وتضمن لهم راحة البال.
العقارات أسلوب حياة
ما الذي دفعك لتأسيس مكتب عقاري بالسعودية ودبي؟ وهل لا تزال تدير المشاريع؟
شغفي بالعقار بدأ من لحظة وقوعي بحب التفاصيل الجمالية للمباني والتصاميم، وأرى العقار أكثر من مجرد سلعة بل تجربة وطموح وأسلوب حياة. شغفي قادني لتأسيس مكاتب وساطة عقارية بالسعودية ودبي، وتعاونت خلالها مع كبريات شركات التطوير العقاري.
حاليًّا توقفت المشاريع كمكاتب مستقلة، ولكنني ما زلت أمارس نشاط الوساطة العقارية من حين إلى آخر، كونها شغفًا حيًّا لا ينطفئ.
ما نوع العملاء الذين تستهدفهم بالعقار؟ وكيف تختلف استراتيجيتك بين السوقين الخليجي والبريطاني؟
عملائي بالمجال العقاري غالبًا من فئة المتقاعدين أو المهنيين الذين يبحثون عن منزل للراحة والاستقرار أو استثمار طويل الأجل، بعضهم يرغب بسكن ثانٍ بدبي، وآخرون يستهدفون لندن لأسباب تعليمية أو استثمارية. الاختلاف في الاستراتيجية بين السوقين يتمثل بطبيعة التوقعات والثقافة الاستثمارية. السوق الخليجي يميل إلى العقارات الحديثة والتسهيلات التمويلية، بينما السوق البريطاني يتطلب فهمًا للأنظمة والضرائب والاستثمار طويل الأمد.
أنصح بالصدق والثقة
كيف ساعدتك تجربتك في Samba وRiyad Bank على بناء رؤيتك المهنية الحالية؟
تجربتي في بنك سامبا كانت المحطة الأهم بتشكيل شخصيتي المصرفية، قضيت سنوات من العمل المكثف في بيئة احترافية عالية، تعلّمت الانضباط والدقة وكيفية التعامل مع العملاء من مختلف الخلفيات المالية، افتتحت فروعًا مهمة وتحملت مسؤوليات كبرى، ما جعلني أنضج بسرعة، وأفهم العلاقة بين المستشار والعميل. أما تجربتي ببنك الرياض فقد كانت مبكرة بعد الثانوية العامة، وقبل انتقالي للولايات المتحدة للدراسة الجامعية. كانت تجربة قصيرة لكنها فتحت لي الباب لاكتشاف شغفي بهذا القطاع.
بصفتك مديرًا إقليميًا لثروات، ما الصفات التي تعتقد أنها أساسية لبناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء؟
الصفة الأولى والأهم الصدق، ثم الثقة وهي لا تُمنح بل تُكتسب مع الوقت من خلال الالتزام والتعامل الراقي، وأخيرًا النزاهة: أن تضع مصلحة العميل فوق كل اعتبار، وأن تنصحه كما تنصح أقرب الناس إليك.
هل ترى أن القطاع المالي السعودي يمضي بخطى متسارعة نحو التحول الرقمي؟ وما دوركم بذلك؟
القطاع المالي بالمملكة يشهد تحولًا رقميًّا غير مسبوق، وأصبح الأسرع نموًّا بالعالم من حيث التحول التقني، وأسعى دائمًا لمواكبة التغيير، من خلال تحسين المنصات الرقمية، وتقديم أدوات ذكية تساعد العملاء باتخاذ قرارات استثمارية أسرع وأدق.
فن خدمة العملاء
لو أُتيحت لك فرصة العمل بمجال مختلف تمامًا، ماذا كنت ستختار؟ ولماذا؟
أختار أن أؤسس شركة تدريب متخصصة لتعليم فن خدمة العملاء، كون هذا الفن مفقودًا أو يُستهان به أحيانًا. لدي شغف حقيقي بنقل هذا المفهوم للأجيال القادمة، لأن رضا العميل هو الضمانة الأولى للاستمرار.
ما طموحاتك المستقبلية؟
طموحي الحقيقي ليس محصورًا في منصب أو رقم، بل في أثر أتركه ورائي، وأتطلع أن أرى أولادي متخرجين في الجامعات، ناجحين وسعداء. أطمح أن أنتقل إلى دور استشاري، أشارك خبراتي مع من يحتاج إليها، أريد أن أعيش بتوازن أكبر، وأن أُخصّص وقتًا للسفر والتأمل واكتشاف العالم بروح أكثر هدوءًا.
البطاقة التعريفة
الاسم : مدحت أحمد الزاير
الحالة الاجتماعية : متزوج
العمر : 57
الدراسة : - بكالوريوس ادارة اعمال من جامعة أركنساس في لتيل روك- الولايات المتحدة الأمريكية 1997
- دراسات عليا في إدارة الضيافة من جامعة كورنيل- الولايات المتحدة الأمريكية-1999
العمل الحالي : أرباح المالية
المدير الأول، والرئيس الإقليمي لإدارة الثروات
الخبرات والسيرة المهنية
• رئيس إقليمي لإدارة الثروات – شركة أرباح المالية، السعودية (2021 – حتى الآن)
• عضو مجلس إدارة – صندوق الأحساء للبنية التحتية، وصندوق السيولة اليومية – أرباح المالية (2023 – حتى الآن)
• مدير عام/رئيس تنفيذي – السعودية – ريجس (2016 – 2017)
• مدير تنفيذي – شركة Fiducia Capital، مركز دبي المالي العالمي (2017 – 2018)
• مدير تنفيذي للطرح والتأسيس – البنك الأوروبي الإسلامي للاستثمار/ لندن (2011)
• مدير فرع أرامكو السعودية و فرع دبي، الإمارات العربية المتحدة لمجموعة سامبا المالية (2003 – 2011)
• خبرة في تأسيس وإدارة الأعمال العقارية والفندقية (1998 – 2017)
