المؤثرون الافتراضيون.. بين وهم الجمال وخطر الاكتئاب والوحدة
في زحام الصور والقصص اليومية التي تزخر بها منصة إنستغرام، لفتت الشابة الإسبانية "أيتانا لوبيز" الأنظار بإطلالتها الساحرة من حفل Oasis في ملعب ويمبلي، فيما علّقت قائلة: "تتحول فترة ما بعد الظهر هذه إلى واحدة من تلك الفترات التي لا تُنسى".
كلمات "لوبيز" بدت حقيقية، وصورها أقرب إلى الكمال، ولذلك نالت إعجاب الآلاف، فيما انهمرت تعليقات المعجبين الذين عبروا عن افتتانهم بحياتها المثالية، دون أن يدركوا الحقيقة الصادمة: "أيتانا" ليست إنسانة وليست حقيقية!
إنها واحدة من أوائل المؤثرات التي أنشأها الذكاء الاصطناعي بالكامل، كتحفة رقمية تبدو حقيقية، حيث تعيش حياة مثالية على الإنترنت، تُغري العيون وتلامس احتياجات البعض، وتستدرج مشاعر من لا يُدرك أن خلف تلك الابتسامة لا يوجد سوى كود برمجي.
لكن من ابتكروها، من المتوقع أن يكسبوا المال من استخدامها، حتى مع المخاطر النفسية لوجود مثل هؤلاء المؤثرين الافتراضيين وتصاعُد هذه الظاهرة، فما الذي يجذب الناس لهم؟ وكيف يلبِّي هؤلاء الاحتياجات البشرية النفسية؟وما مخاطر المتابعة المستمرة لهؤلاء الافتراضيين؟
من هم المؤثّرون الافتراضيون "AI Influencers"؟
هي شخصيات أُنشئت بوساطة الكمبيوتر، وتستخدم الذكاء الاصطناعي للتفاعل مع الجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد صُمِّم هؤلاء المؤثِّرين الافتراضيين لمحاكاة السلوك البشري والمظهر، وحتى الاستجابة العاطفية.
وعلى عكس المؤثِّرين التقليديين، الذين هم أشخاص حقيقيون لديهم متابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ المؤثرين الافتراضيين شخصيات غير حقيقية تمامًا، ومع ذلك فإنّ قدرتهم على التفاعل مع المتابعين وإنشاء المحتوى كبيرة جدًا.
ولكي نرى مثل هؤلاء المؤثرين، يستخدم المطورون نماذج متقدِّمة للتعلّم العميق، لمساعدة هذه الشخصيات الافتراضية على تقليد السلوكيات البشرية، مثل تعبيرات الوجه، لغة الجسد، أساليب المحادثة الطبيعية، وفي الوقت نفسه، يعمل مصمِّمو الجرافيك على مظهرهم، والتأكّد من جاذبيتهم للجماهير.
وبمجرد أن تصبِح جاهزة، تنتقل هذه الشخصيات الرقمية إلى منصات التواصل الاجتماعي وتتفاعل مع المتابعين وتنشئ المحتوى، تمامًا مثل الشخص الحقيقي.
كيف يلبِّي المؤثِّرون الافتراضيون الاحتياجات البشرية النفسية؟
رغم أنّ المؤثِّرين الافتراضيين غير حقيقيين البتة، لكن ثمّة حاجات نفسية يستطيعون تلبيتها للبشر، وهو ما قد يجعل لهم الكثير من المتابعين، رغم زَيف وجودهم، وتضمّ هذه الجوانب النفسية، حسب موقع "Ai influencer company":
1. الانتماء:
من الغريب أنّ متابعة أحد المؤثرين الافتراضيين، يوفِّر إحساسًا بالارتباط؛ إذ تحاكِي قصصهم على مواقع التواصل الاجتماعي ونبرتهم الحوارية، علاقة الصداقة مع الآخرين، ولدى البشر حاجة متأصّلة للترابط مع الآخرين، ومِنْ ثمّ فإنّ المؤثرين الافتراضيين قد يلبّون هذا الاحتياج لبعض الناس.
2. تحقيق الرغبات:
كذلك فإنّ أنماط حياتهم الباذخة تسمح للجمهور أيضًا بعيش هذه الحياة بشكلٍ غير مباشر؛ إذ يستمتع الناس بتصوّر أنفسهم في هذه الصور الرمزية الساحرة التي يطلّ منها المؤثّرون الافتراضيّون، مما يوفّر لهم هروبًا مؤقتًا من الواقع.
اقرأ أيضًا:أداة ذكاء اصطناعي تكشف أسرار الأمراض العصبية وطرق العلاج
3. الهروب من الواقع:
بالمثل، فإنّ وجودهم الخالي من الهموم، يمثِّل ملاذًا لبعض الناس من ضغوطات العالم الحقيقي؛ إذ يعِد المؤثّرون المصنوعون بالذكاء الاصطناعي بتوفير مساحة مؤقتة خالية من تعقيدات الحياة، وهو أمر جذّاب بلا شك للبشر المُتعبِين.
4. الفضول:
لا شكّ أنّ المؤثّرين الافتراضيين هؤلاء يمتلكون غموضًا، بشأن أصولهم ومنشئهم، ومِنْ ثمّ فإن هذا قد يثِير فضول بعض الناس لمتابعتهم، سعيًا وراء كشف حقيقة هذه الشخصية الافتراضية.
5. جاذبية الجديد:
يحاول الناس متابعة كل ما هو جديد في أي شيء؛ حيث يوفر التفاعل مع شيء جديد ومتطوّر تحفيزًا ذهنيًا، والمؤثرون المصنوعون بالذكاء الاصطناعي هم شيء جديد على منصات التواصل الاجتماعي، لم يفقد بريقه بعد.
المخاطر النفسية لظاهرة المؤثّرين الافتراضيين
رغم قدرة المؤثرين المصنوعين بالذكاء الاصطناعي على تلبية بعض الاحتياجات النفسية عند كثيرٍ من الناس، فإنّهم قد يُشكِّلون خطرًا على الصحة النفسية للبشر الحقيقيين، بما قد يُسهِم في الاكتئاب أو القلق، بل حتى الانتحار، وفيما يلي تفصيل ذلك، حسب موقع "Medium":
1. وهم الكمال:
أحد أهم المخاطر الناجمة عن متابعة المؤثرين الافتراضيين، يكمن في المحتوى الذي يُنتجِونه، والذي يتم اختياره بعناية؛ إذ من خلال الخوارزميات وتحليل البيانات، يُقدِّم هؤلاء المؤثرون نسخة مثالية من أنفسهم، مكتملة بمظهر لا تشوبه شائبة، وأنماط حياة فاخرة، ومعايير ناجحة تبدو مستحيلة في الواقع.
والبشر يقارنون أنفسهم باستمرار بهذه الإبداعات الرقمية، بل حتى مع غيرهم من البشر الحقيقيين، بما قد يؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة وانخفاض احترام الذات، وربّما الاكتئاب أيضًا.
اقرأ أيضًا:كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي في وضع نظام غذائي صحي مخصص؟
2. العزلة والوحدة:
إنّ التواصل مع المؤثرين الافتراضيين بدلًا من العلاقات الإنسانية الحقيقية، يمكِن أن يؤدِّي إلى الشعور بالعزلة والوحدة، بل قد يقضي بعض الأشخاص وقتًا أطول في التفاعل مع هذه الشخصيات الافتراضية، بدلًا من تكوين علاقات حقيقية مع أشخاصٍ حقيقيين.
وقد يؤدي هذا الانفصال عن التفاعلات الإنسانية الحقيقية، والاقتصار على المؤثِّرين الافتراضيين، إلى تفاقُم مشاعر الوحدة، وأيضًا مشكلات الصحة النفسية.
3. تضخيم معايير الجمال غير الواقعية:
قد يتسبّب مؤثري الذكاء الاصطناعي في تضخيم معايير الجمال غير الواقعية، بما ينعكس سلبًا لا على النساء فحسب في صورة عدم الرضا عن شكلهن أو أجسامهنّ، بل أيضًا على معايير جمال المرأة عند الرجال التي تصير غير واقعية، ويصعب العثور عليها في الحياة الحقيقية.
4. غرف الصدى والاستقطاب:
صُمِّمت خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات المستخدِمين بناءً على تفضيلاتهم وتفاعلاتهم السابقة، وهذا يخلق غرف صدى، بمعنى أن تتعرّض فقط للمعلومات التي تتوافق مع معتقداتك وآرائك الحالية، ونتيجة لذلك قد يُسهِم المؤثّرون الافتراضيون في زيادة انقسام المجتمعات، والصراعات عبر الإنترنت، وتعزيز القلق والتوتر بين المستخدمِين.
5. عدم وجود تواصل عاطفي حقيقي:
رغم المظهر والشخصية الشبيهة بالإنسان، فليس هناك تعاطُف أو مشاعر حقيقية في قلب هذه الشخصية الافتراضية، فعندما يتفاعل المستخدِمون مع هذه الشخصيات الافتراضية، فإنّهم في النهاية يواجِهون فراغًا عاطفيًا، وهذا النقص في الدعم العاطفي الحقيقي، قد يؤدي إلى زيادة مشاعر الوحدة والاكتئاب والقلق.
اقرأ أيضًا:هل تُغيّرنا الصدمات؟ وكيف تؤثر التجارب القاسية على أدمغتنا ووعينا النفسي؟
هل يستبدل المؤثرون الافتراضيون المؤثِّرين الحقيقيين؟
ليس من المرجح أن يحلّ المؤثرون المصنوعون بالذكاء الاصطناعي محل البشر بالكامل، صحيحٌ أنّهم قادرون على تقليد السلوك البشري، إلا أنّهم يفتقرون إلى المشاعر الحقيقية والتجارب الشخصية، فهُم في النهاية ليسوا بشرًا.
