هل تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في الأفكار؟ دراسة تحسم الجدل
كشفت دراسة حديثة أن الذكاء الاصطناعي والإبداع لا يزالان يسيران في مسارين مختلفين، وأن النماذج التوليدية لم تنجح بعد في تجاوز البشر من حيث القدرة على إنتاج أفكار مبتكرة أو مفيدة. الدراسة التي أعدها باحثون من جامعة تيلبورغ الهولندية وجامعة آرهوس الدنماركية، اعتمدت على تحليل ميتا شمل 17 تجربة علمية منشورة بين يناير 2022 ويناير 2025، قارنت بين جودة الأفكار التي يولدها الإنسان وتلك التي تقدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي.
أوضح الباحثان في الدراسة المشورة عبر منصة OSF، ألون دي رووي ومايكل موس بيسكجار أن نتائج الدراسات السابقة بدت متباينة؛ بعضها أظهر تفوقًا للذكاء الاصطناعي في بعض المهام، بينما أخرى أكدت تفوق البشر، فيما لم تكشف دراسات أخرى عن أي فروق تذكر. لكن عند تجميع البيانات عبر التحليل الإحصائي، تبين أن الفوارق الطفيفة لم تكن ذات دلالة إحصائية. بمعنى أن أي تفوق ظاهر للذكاء الاصطناعي قد يكون مجرد تباين عشوائي وليس نمطًا ثابتًا.
اقرأ أيضًا: سام ألتمان والأبوة.. نقطة تحول في مسيرته مع الذكاء الاصطناعي
واعتمدت الدراسات على مقاييس أساسية لقياس الإبداع، مثل الابتكار والجدوى والإبداع الكلي، باستخدام مهام سيكولوجية شهيرة كـ "الاستخدامات البديلة" التي تطلب ابتكار استخدامات غير مألوفة لأشياء بسيطة مثل الطوب أو مشابك الورق. وقد تم تقييم الأفكار من دون معرفة مصدرها، سواء كانت من بشر أو آلات، لتقليل أي تحيز.
قيود الذكاء الاصطناعي
رغم قدرة النماذج التوليدية مثل GPT-3 وGPT-4 على تقديم أفكار سريعة ومتقنة لغويًا، يرى الباحثون أن هذه النماذج تعتمد على أنماط من البيانات التي تدربت عليها، ما يجعلها قادرة على "محاكاة" الإبداع أكثر من ابتكاره. فالفكرة التي تبدو مبتكرة قد تكون مجرد تكرار لما وُصف سابقًا بالإبداع في البيانات التدريبية.
أما الإبداع البشري، فهو أعمق وأشد ارتباطًا بالتجربة الشخصية والقيم الثقافية والحدس العاطفي، وهي عناصر لا يمتلكها الذكاء الاصطناعي. فالبشر، عند توليد الأفكار، يستندون إلى خبراتهم الحياتية وإلى سياقات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، وهو ما يضفي على الإبداع طابعًا شخصيًا ومعنويًا لا يمكن تقليده بسهولة.
اقرأ أيضًا: مايكروسوفت تدخل سباق الذكاء الاصطناعي بنماذج مطوّرة داخليًا.. تعرف على المميزات
ورغم هذه النتائج، لا ينفي الباحثون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مهمة لتعزيز الإبداع البشري. فالتركيز لا ينبغي أن ينحصر في سؤال: "من الأكثر إبداعًا؟" بل في كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في سير العمل الإبداعي. يمكن لهذه الأدوات أن تعمل كشركاء أو محفزين للأفكار، تساعد البشر على إعادة صياغة المشكلات أو النظر إليها من زوايا جديدة.
كما أوصت الدراسة بضرورة توسيع نطاق الأبحاث المستقبلية لتشمل أدوات أخرى مثل مولدات الصور والموسيقا، بالإضافة إلى تجارب التشارك بين الإنسان والآلة في مشاريع طويلة الأمد، وهو ما قد يكشف إمكانات جديدة غير متاحة عبر المقارنات المباشرة فقط.
خلص الباحثون إلى أن الأدلة المتوافرة حتى الآن لا تدعم فكرة أن الذكاء الاصطناعي قد تفوق على البشر في الإبداع. ومع أن الآلة تستطيع إنتاج أفكار تُقيَّم على أنها مبدعة، إلا أن الإبداع الإنساني يظل مرتبطًا بسياقات حياتية وثقافية لا يمكن محاكاتها آليًا. ومن ثم، فإن المستقبل لا يقوم على منافسة بين الإنسان والآلة، بل على تكامل يثري التجربة الإبداعية للطرفين.
