المنتجات المملّة هي الطريق الأسرع للنجاح في عالم الشركات الناشئة
نعيش اليوم في عصر مهووس بكل ما هو جديد ومبتكر، حيث تبدو كل شركة ناشئة وكأنها في سباق محموم نحو ابتكارات برّاقة ومبالغ فيها. من الأجهزة المستقبلية التي تؤدي وظائف خارقة، إلى التطبيقات الثورية، فالضغط من أجل ابتكار شيء مدهش لا يتوقف عند أي حدود.
لماذا يتجه رواد الأعمال للمنتجات المملة؟
لكن المفارقة تكمن هنا: كثير من الأفكار اللامعة تتعثر وتفشل تحت وطأة تعقيدها. فالجديد، رغم جاذبيته، ليس دائمًا يأتينا بالمفيد، والأهم من ذلك، ليس دائمًا ما يحتاجه السوق فعلاً.
لهذا السبب، يتّجه عدد متزايد من رواد الأعمال الناجحين نحو ما يمكن تسميته بـ "المنتجات المملّة"، وهي الحلول البسيطة والواضحة التي تعالج المشاكل اليومية بشكل فعّال. لا بهرجة، ولا زخارف، ولا مواصفات خارقة. فقط منتجات ذات فائدة حقيقية تحسّن حياة الناس.
اعتماد هذا النهج ليس نقصًا في الطموح، بل خيار ذكي يؤسّس لاستراتيجية نمو واستمرارية مستدامة.
قد تشكك في صحة هذه الفكرة، لكن هذا المقال سيوضح لك لماذا غالبًا ما تكون المنتجات المملة هي المكان الأذكى للبدء، ولماذا قد يبطئ السعي وراء كل ما هو جديد في وقت مبكر مسارك نحو النجاح.
ابتكار منتج جديد كليًا فكرة مغرية لأي رائد أعمال، لكنها تأتي مع ثلاثة تحديات أساسية: الابتكار، تثقيف السوق وتحقيق الأرباح. الإفراط في الابتكار قد يرهق الموارد ويعقّد الأمور بدلاً من تبسيطها، مما يبطئ التقدم.
في كثير من الأحيان، تُهمل الأفكار العملية والبسيطة لمجرد أنها "مملة"، رغم أنها تحل مشاكل حياتية يومية بفعالية. اختيار منتج بسيط يتيح لرواد الأعمال التركيز على حل مشاكل حقيقية بدلاً من اختراع حاجة جديدة.
مثال على الإفراط في الابتكار هو "جوسيرو Juicero"، التي أنفقت 120 مليون دولار على عصارة بسعر 700 دولار تتطلّب عبوات خاصة، قبل أن يكتشف العملاء أنهم يستطيعون الحصول على نفس العصير بسهولة. النتيجة: ابتكار مبالغ فيه أدى إلى فشل المشروع.
المنتجات المملّة سهلة التقييم، فالمشكلة واضحة للعملاء مسبقًا، ودورك يتمثّل في تقديم حل أفضل وأبسط وأسرع. مثال ناجح على ذلك هو "أوبر Uber"، التي حسّنت تجربة النقل التقليدية بجعل الحجز أسرع وأكثر موثوقية.
الخلاصة: بدلاً من البدء من الصفر، ركّز على تبسيط وتحسين المنتجات المألوفة لتصبح أكثر فائدة وموثوقة، فغالبًا ما تكون هذه هي الطريقة الأسرع والأذكى للنجاح.
سهولة الإطلاق والتطوير
أحيانًا تكون الأفكار الجديدة صعبة التنفيذ لأنك لا تعرف بالضبط ما يجب بناؤه أو كيف سيعمل المنتج. أما المنتجات "المملة" والتقليدية فتحل مشاكل موجودة، مما يسهّل تحديد ما يجب صنعه بالضبط وتحسينه، سواء بجعله أفضل أو أسرع أو أكثر كفاءة، بدلاً من البدء من الصفر.
الشركات الناشئة التي تتبع هذا النهج تستطيع إطلاق منتجاتها بسرعة أكبر، إذ يكون التركيز على التنفيذ الجيد بدلاً من إقناع الناس بالفكرة. بعد ذلك، تصبح ملاحظات المستخدمين عنصرًا أساسيًا لتطوير المنتج وإطلاق نسخ محسنة تلبي الاحتياجات الحقيقية.
مثالان ناجحان هما "بايس كامب Base Camp" و"نوشين Notion"، اللتان بدأت منتجاتهما بحلول بسيطة لمشاكل معروفة، ثم تحسنت تدريجيًا بناءً على ردود فعل المستخدمين. هذا التركيز على التحسين المستمر بدل الابتكار المفرط ساعدهما على النمو بثبات ونجاح مستدام.
اقرأ أيضًا: جيل الميلينيالز يهيمن على إدارة الشركات: تحديات جديدة في القيادة
مخاطر أقل في التوزيع وطرق آمنة للوصول إلى العملاء
عندما تبتكر منتجًا جديدًا لم يره أحد من قبل، يصبح العثور على العملاء وإقناعهم بتجربته صعبًا ومكلفًا، إذ لا يعرف المستهلك قيمته. أما المنتجات "المملة" أو المألوفة، فتسهل التوزيع والوصول إلى العملاء، لأنك تعرف أين تجدهم وكيف تتواصل معهم، سواء كانت أدوات للمحاسبين أو معدات البناء.
حتى لو بدا المنتج غير جذّاب، طالما أنه يساعد الشركات والأفراد على حل مشاكلهم أو تحقيق أرباح، فشركتك ستنمو بسرعة. العديد من شركات البرمجيات الناجحة مثل "سوبر هيومان" و"لوم" بدأت بتحسين منتجات موجودة، بدل خلق سوق جديد، مما وفّر فوائد أكبر للعملاء وعزّز نشاطها التجاري بثبات.
المنتجات المألوفة تمنح الأمان والثقة للمستخدمين. مثال على ذلك "واتساب"، تصميمه بسيط ومباشر، ومع ذلك يستخدمه أكثر من ملياري شخص لأنه موثوق وسهل الاستخدام ويعمل للجميع. التطبيقات التي تركز على الفائدة مثل "دروب بوكس" و"خرائط جوجل" نجحت لأنها تحترم وقت المستخدمين ولا تحاول إبهارهم على حساب الفائدة.
البدء بفكرة "مملّة" لا يعني غياب الطموح، بل التركيز على هدف واضح وسهل الفهم، ما يقلل المخاطر ويُسهل بناء الثقة ونمو العمل. مع قاعدة عملاء ثابتة، يمكنك لاحقًا تجربة أفكار جديدة ومثيرة. مثال ذلك: "ستريب" بدأت بحل مشكلة بسيطة لقبول المدفوعات، "أمازون" بدأت ببيع الكتب، "إير بي إن بي" بدأت بخدمة استئجار أماكن في مدينة واحدة، ومنصّة "فيسبوك" بدأ كشبكة طلابية قبل أن تصبح منصّة عالمية.
المنتجات الجديدة يجب أن تخدم تجربة المستخدم، لا أن تتنافس معها. المنتجات "المملّة" تحل المشاكل بطريقة سلسة، وتوفّر للمستهلك ما يحتاجه، مما يمهّد الطريق للابتكار لاحقًا.
