"رهبة التراجع".. لماذا نُصرّ على المسار الأصعب رغم وجود طريق أقصر؟
كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي عن ظاهرة عقلية غير معروفة سابقًا تُدعى "رهبة التراجع" (Doubling-Back Aversion)، وهي ميل الناس لتجنّب التراجع عن قراراتهم أو خطواتهم السابقة حتى لو كان ذلك يوفّر وقتًا وجهدًا أكبر للوصول إلى الهدف.
قاد الدراسة المنشورة في ي مجلة Psychological Science، كل من كريستين واي. تشو (Kristine Y. Cho)، طالبة الدكتوراه، والبروفيسور كلايتون كريتشر (Clayton R. Critcher)، أستاذ الأعمال، وكلاهما من جامعة كاليفورنيا في بيركلي (University of California, Berkeley).
اقرأ أيضًا: دراسة تكشف: هذه الأنشطة أفضل من الأدوية في علاج الأرق
وتتجاوز هذه الظاهرة مفاهيم معروفة مثل "تحيّز الوضع القائم" ، لأن الظرف هنا لا يتعلّق بالبقاء في خيار حالي بل الاختيار بين طريقين جديدين، أحدهما يتطلب العودة عن خطوات سابقة.
أُجريت أربع تجارب على أكثر من 2,500 مشارك أمريكي، بدءًا من محاكاة تنقّل افتراضي باستخدام واجهة واقع افتراضي، وصولًا إلى مهام ذهنية مثل توليد كلمات تبدأ بحروف معينة. في التجربة الأولى، فضّل معظم المشاركين طريقًا أطول بدلًا من التراجع خطوات قصيرة إلى الوراء لأخذ اختصار. وفي تجربة الكلمات، تراجعت نسبة من اختاروا الانتقال إلى مهمة أسهل حين تم وصفها بأنها "بداية من جديد" بدلًا من "استمرار بتعليمات جديدة".
الغريب أن المشاركين كانوا على دراية بأن الطريق البديل أقصر، ما يعني أن القرار لم يكن نتيجة سوء تقدير زمني، بل تأثرهم النفسي بفكرة "محو الخطوات السابقة"، ما جعلهم يشعرون أن مجهودهم ضاع هباءً.
ما هي ظاهرة رهبة التراجع؟
وفسّر الباحثون ذلك بأن الأفراد يُعطون قيمة كبيرة للجهد السابق، ويكرهون الإحساس بأنهم بدأوا من الصفر، حتى لو كان الطريق البديل أنجح. الخوف من "فقدان التقدّم" يجعل المستقبل يبدو أكثر مشقة. وكان التأثير أكثر وضوحًا عندما جُمعت فكرتا "إلغاء التقدم" و"إعادة العمل كاملًا".
أشارت الدراسة إلى أن تجاوز هذا الانحياز يتطلب إعادة صياغة الطريقة التي يُعرض بها التراجع، بحيث يبدو وكأنه قرار ذكي وموفّر للوقت، وليس تراجعًا مؤلمًا.
وختمت تشو بقولها: "نتائجنا تُظهر أن التقدّم ليس دائمًا في الدفع للأمام، بل أحيانًا في التراجع قليلًا لاختيار الطريق الأفضل"، مضيفة أن هذا التحيّز ربما يكون أقوى في مواقف الحياة المعقّدة مثل تغيير الوظائف أو العلاقات أو المشاريع الطويلة، وهو ما يستدعي المزيد من الأبحاث المستقبلية.
