من السهر إلى "الساعة البيولوجية": قادة الشركات يعيدون اكتشاف النوم
أعاد قادة الأعمال في مختلف أنحاء العالم النظر في مفهوم النوم، بعد أن كان يُنظر إليه في السابق كعلامة على الكسل أو قلة الطموح في ظل ثقافة "العمل المستمر". أما اليوم، فأصبح يُعتبر ركيزة أساسية لتحسين الأداء الذهني ودعم القرارات الاستراتيجية في أعلى مستويات القيادة.
وبيّن بيتر بارسوم، المدير التنفيذي السابق في "مورغان ستانلي"، في تصريح لمجلة Fortune، أنه اعتاد النوم لأربع ساعات فقط يوميًا خلال مسيرته في القطاع المالي، معتبرًا النوم مضيعة للوقت.
لكنه غيّر قناعاته بالكامل، وأصبح اليوم ينام بين ست إلى ثماني ساعات ويستخدم تطبيق "كالم" Calm ضمن روتينه الليلي.
اقرأ أيضًا: الجبن قبل النوم مرتبط بأحلام مزعجة ونوم مضطرب.. العلم يحسم الأمر
ويأتي هذا التحول في ظل صعود ما يُعرف بـ"اقتصاد النوم"، الذي تجاوزت قيمته عالميًا 500 مليار دولار، مدعومًا بانتشار أدوات وتقنيات مثل الخواتم الذكية، والأسِرّة المتطورة، والأقنعة المانعة للضوء. وقد أصبحت جودة النوم مؤشرًا جديدًا على الرفاه الذهني والقدرة القيادية في أوساط التنفيذيين.
روتين النوم عند كبار رجال الأعمال
أكد عدد من الرؤساء التنفيذيين أن الاهتمام بجودة النوم أصبح جزءًا أساسيًا من استراتيجياتهم القيادية، بعد سنوات من الانغماس في ثقافة "الإنجاز المفرط" التي مجّدت السهر والعمل بلا انقطاع. دانيال رامسي، الرئيس التنفيذي لشركة "ماي أوت ديسك" MyOutDesk، اعترف بأنه كان من بين أولئك الذين تأثروا بتلك الثقافة، لكنه اليوم يراقب نومه يوميًا عبر أجهزة تتبع ذكية، ويعتبر الراحة مفتاحًا لتعزيز قدرته على الاستماع والقيادة من دون تحكّم مفرط.
وأما آريانا هافينغتون، الرئيسة التنفيذية لشركة "ثرايف" Thrive، فوصفت روتينها الليلي بأنه "طقس مقدس"، يشمل شرب شاي الأعشاب وترك الهاتف خارج غرفة النوم، وفي الاتجاه نفسه، شدد توم بيكيت، المدير التنفيذي لمنصة "هيدسبيس" Headspace للصحة النفسية، على أنه يتعامل مع التحضير للنوم بنفس الجدية التي يُوليها لاجتماعات مجلس الإدارة، قائلًا: "عندما يتراجع النوم، يتراجع كل شيء آخر". حتى جيف بيزوس، مؤسس أمازون، شدد في تصريحات سابقة على أهمية النوم، قائلاً: "أنام 8 ساعات يوميًا... وهذا يجعلني أفكر وأتخذ قرارات أفضل".
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة ويندي تروكسيل، الباحثة في مؤسسة "راند" RAND، أن نظرة المديرين التنفيذيين تجاه النوم تغيّرت جذريًا منذ بداية الألفية الجديدة، مشيرة إلى أن "المديرين باتوا اليوم أكثر حرصًا على إدماج النوم كجزء من نظامهم الذهني والأدائي".
أجهزة ذكية لمراقبة النوم وتحسينه
وتزايد الاهتمام بالأدوات الداعمة للنوم، مثل خاتم OURA الذكي بقيمة 300 دولار، والأقنعة المانعة للضوء، والأسِرّة المزودة بتقنيات متقدمة. وتُنفق شخصيات بارزة مثل كايلا بارنز آلاف الدولارات على تحسين بيئة النوم باستخدام تقنيات "الهاك الحيوي".
ولم يقتصر هذا التحوّل على كبار المديرين، إذ يشهد جيل "زين زد" اهتمامًا متزايدًا بـ"النوم المُحسّن"، وتنتشر عبر منصة تيك توك مصطلحات مثل "Sleepmaxxing"، حيث يشارك المؤثرون روتينهم الليلي ومنتجاتهم المفضلة للنوم.
اقرأ أيضًا: هل تؤثر عادات النوم على الإنتاجية بالعمل؟.. دراسة جديدة تكشف مفاجأة
وقالت أمريتا باسين، الرئيسة التنفيذية لشركة Sotira، إنها لم تعد تؤمن بثقافة النوم المؤقت على فرش الهواء في المكاتب، مؤكدة: "إذا كنت تنوي بناء شركة تدوم، فعليك أولًا أن تنام جيدًا"، ورغم ازدهار سوق تقنيات النوم، شددت تروكسيل على أن الأساليب البسيطة لا تزال الأجدى، كالحفاظ على مواعيد نوم منتظمة، وتجنب الأضواء الساطعة والشاشات قبل النوم، والابتعاد عن الوجبات الثقيلة، والنوم في غرفة مظلمة وباردة، وبينما تتسارع الابتكارات، يبقى التحدي الحقيقي هو التوازن: ألا يتحوّل النوم إلى هوس، بل يُستعاد كركيزة صحية تُعزز الأداء والقيادة المستدامة.
