عبدالإله الفارس لـ"الرجل": كل حجر في آثارنا يحكي قصة سعودية عظيمة

الموثق ومصو الآثار عبدالإله الفارس، تخصص في الآثار القديمة، يقدم محتوى يهدف إلى التوعية والتثقيف بالتراث الثقافي والإرث الحضاري، من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
نشأ الفارس بمنطقه غنية بالآثار، مما ساعده على زيادة وعيه بها، فيما يؤمن بفرادة المواقع الأثرية السعودية، وأن توثيقها تجربة علمية وثقافية مميزة تُسهم في حفظ الهوية الوطنية، ومن ثم تنقل بين الصحاري والجبال ليوثق أكثر من 1000 موقع أثري وتراثي، ومعه كان هذا الحوار الذي بدأه بتعريف نفسه لقراء مجلة "الرجل" قائلًا:
تخرجت في جامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض، وتخصصت في الآثار القديمة، وأنا عضو بالجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وبالجمعية السعودية التاريخية، فيما أقدم محتوى توعويًا تثقيفيًّا من خلال منصات التواصل الاجتماعي، يركز على التراث الثقافي والإرث الحضاري بالمملكة، حيث التعريف بالمواقع الأثرية ومواقع التراث العمراني في وطني الغالي، فكل حجر في آثارنا يحكي قصة سعودية عظيمة.
كيف بدأت رحلتك مع الآثار وما الذي ألهمك لخوض هذا المجال؟
نشأت بمنطقة غنية بالآثار، وقد ساعد ذلك على زيادة الوعي لدي بالآثار، وألهمني للخوض بهذا المجال والتوسع فيه، من مختص ودارس لعلم الآثار إلى مصور لتلك الشواهد القديمة، التي تحمل في طياتها عبق تراثنا القديم.
ما الذي يميز المواقع الأثرية بالمملكة عن غيرها من المواقع في المنطقة؟
المواقع الأثرية في السعودية تتميز بعدة جوانب تجعلها فريدة مقارنة بغيرها، ومن أبرز هذه الميزات: التنوع الزمني والحضاري، موقعها الجغرافي كمفترق طرق للحضارات، مع مواقع فريدة في عديد من المدن والمواني القديمة، يضاف إلى ذلك الطابع العربي والإسلامي العميق، والانكشاف المتأخر والتطور السريع في التوثيق، والتكامل بين الأثر الطبيعي والتاريخي.

كيف ترى العلاقة بين التراث والهوية الوطنية؟
التراث ليس مجرد بقايا من الماضي، بل أحد أعمدة الهوية الوطنية الثقافية، فمن دون فهم وحماية التراث تصبح الهوية هشّة معرضة للذوبان في العولمة، أو التفكك الداخلي، أما حين يُحترم التراث ويُحتفى به، يصبح قوة توحد وتلهم وتدفع نحو المستقبل بثقة.
وثقت أكثر من ألف موقع أثري في المملكة، ما أبرز المواقع التي تركت أثراً خاصاً في نفسك؟
تزخر المملكة العربية السعودية بالعديد من المواقع الأثرية، التي تحمل في طياتها بصمات لإرث حضاري وثقافي، أما عن أهم المواقع الأثرية التي تركت أثرًا خاصًّا في نفسي، ولا يزال البعض منها حاضراً باعتباره معلماً من المعالم المهمة، فهي على سبيل المثال: موقع الحجر بمدينة العُلا - مغائر البدع أرض مدين - الدرعية التاريخية - البلدة القديمة في جدة التاريخية - قرية رجال ألمع في منطقة عسير - قرية ذي عين في منطقة الباحة- بئر هداج الأثري بتيماء - سور تيماء الشهير - قصر الرمان التاريخي - قلعة تبوك الأثرية - قصر المصمك - مواقع التاريخ الإسلامي بالمدينة المنورة ومكة المكرمة - مواقع حمى الثقافية بنجران - قرية علقان التراثية - قصر الحمراء بتيماء - قصور نجران التراثية، وغيرها الكثير.
فالمملكة تمتلك مخزونًا هائلًا ومهمًا من المواقع الأثرية، التي لا يمكن حصرها في سطور قليلة، ولا يخفى أن للمملكة 8 مواقع مسجلة بالتراث العالمي اليونسكو.
حدثنا عن تجربة توثيقك لموقع كلوه داخل محمية الملك سلمان؟
تجربة توثيق موقع "كلوه" بمحمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تُعد تجربة علمية وثقافية مميزة، تُسهم في حفظ الهوية الوطنية، وفهم التاريخ العميق للمنطقة، فتوثيق هذا الموقع ليس مجرد عمل أثري، بل هو رحلة في الزمن، تربط بين التاريخ القديم الذي يعود للعصور الحجرية والطبيعة، وتُسهم في بناء سردية وطنية غنية بإرث ثقافي فريد.

ما التحديات التي واجهتك خلال تنقلاتك بين الصحاري والجبال والوديان لتوثيق هذه المواقع؟
التنقل بين الصحاري والجبال والوديان لتوثيق المواقع الأثرية هو تجربة غنية، لكنها مليئة بالتحديات، من أبرزها الظروف المناخية القاسية، وصعوبة التضاريس، ونقص البنية التحتية، ونقل المعدات والأدوات، والحفاظ على سلامة الفريق، إضافة إلى الجهد البدني والنفسي للحفاظ على الموقع الأثري نفسه.
ما أهمية استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي بالتراث؟
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي بالتراث أصبح أداة فعالة وأساسية، خصوصًا في ظل توجه العالم الرقمي وتنامي تأثير هذه المنصات على الأفراد.
اقرأ أيضاً: الشاعرة السعودية سكينة الشريف: الرجل في كل أدواره جذوة إلھام للمرأة
كيف ترى تفاعل الجمهور مع المحتوى الأثري والثقافي الذي تنشره؟
تفاعل الجمهور يشهد في السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا ومشجعًا، وأرى ذلك من خلال عدة أمور، أهمها الفضول والإعجاب بالمحتوى البصري والتفاعل عبر التعليقات والمشاركة.
ما المبادرات التي تراها ناجحة في إشراك المجتمع -خصوصاً الشباب- في الحفاظ على التراث؟
هناك مبادرات كثيرة: عيش السعودية، ومبادرة تطوع التراث، وسجل أنت الراوي، ومبادرات رقمية شبابية، ومسابقات التصميم والفن المستوحى من التراث، والأنشطة المدرسية والجامعية.
برأيك كيف يمكن للمملكة أن تستثمر مواقعها الأثرية في دعم السياحة التاريخية؟
المواقع الأثرية ليست مجرد حجارة صامتة، بل رواية تاريخية ثرية حية، يمكن أن تُشكل قلب السياحة الثقافية في المملكة، ولعلنا نتطرق لأهم النقاط التي قامت بها المملكة لاستثمار مواقعها الأثرية، ومنها فتح مواقع الآثار للسياح والزوار من الداخل والخارج، وتحويل المواقع الأثرية إلى وجهات سياحية متكاملة، والترويج الذكي عبر الإعلام والسوشيال ميديا، والاستثمار في البنية التحتية حول المواقع، وتشجيع السياحة التعليمية والثقافية، ودعم الحِرف المحلية والأنشطة الثقافية المرتبطة بالتراث.
اقرأ أيضًا: الفنان التشكيلي السعودي صالح الشهري لـ"الرجل": أطمح أن يكون اسمي راسخًا في تاريخ الفن العالمي
ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الباحثون مثلك في الترويج للسياحة الداخلية؟
لدينا دور محوري ومهم في الترويج للسياحة، فنحن نعتبر جسرًا يربط بين التراث العملي والسياحة الثقافية، ومن أبرز هذه الأدوار، تحويل نتائج الأبحاث إلى محتوى جاذب، والمشاركة في إعداد المسارات السياحية وقيادة جولات معرفية، وبناء الجسور مع المجتمع المحلي، ونشر التراث عبر المحافل الدولية والمشاركة في مؤتمرات عالمية عن الآثار.
ما رؤيتك المستقبلية للحفاظ على التراث السعودي؟
رؤيتي مستمدة من رؤية المملكة 2030، حيث يُنظر إلى التراث –سواء المادي أو غير المادي– ليس فقط كعنصر من عناصر الهوية الوطنية، بل كرافعة تنموية وثقافية أيضاً، وهذه الرؤية ترتكز على عدة محاور متكاملة، تُشكّل ملامح المستقبل، والتوعية والتثقيف بمواقع التراث الثقافي، والحماية والتوثيق الرقمي الشامل، وإشراك المجتمع في صون التراث، وتحويل التراث إلى مورد اقتصادي، والتكامل بين التراث والهوية الوطنية، وتمثيل التراث السعودي عالميًا، مع تشريعات وأنظمة فعالة لحماية المواقع الاثرية.

هل هناك اكتشافات أو مشاريع حالية يمكن أن تغيّر فهمنا للتاريخ السعودي؟
نعم، هناك عدد من المواقع الأثرية التي نعمل على دراستها حاليًا، وقد تسهم نتائجها في إعادة النظر في بعض المفاهيم التاريخية، بخاصة فيما يتعلق بتسلسل الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، فهذه المشاريع ما زالت في طور التوثيق والبحث، ونأمل أن تسهم في إثراء الرواية الوطنية.
ما أكثر موقف لا تنساه مر بك خلال رحلتك البحثية؟
من أبرز المواقف التي لا تُنسى هو اكتشافي لموقع أثري غير مسجل مسبقًا، كانت لحظة مميزة اختلطت فيها مشاعر الدهشة بالمسؤولية، فمثل هذه الاكتشافات تتطلب دقة كبيرة في التوثيق، والتعامل مع الجهات المختصة.
ماذا تقول لمن يظن أن الآثار مجرد حجارة صامتة؟
الآثار ليست مجرد حجارة، بل هي شواهد على حضارات عظيمة، من ينظر إليها بعين المعرفة يجد فيها سردًا بصريًا لحياة من سبقونا، ومن يؤمن بقيمة الإنسان وتاريخه يدرك أن لكل أثر حكاية تستحق أن تُروى.
لو لم تكن باحثًا في الآثار ماذا كنت تتوقع أن تكون؟
ربما كنت سأتجه إلى مجال قريب من الروح والهوية، ككتابة القصص التاريخية أو التصوير الوثائقي، فلطالما كان شغفي يتمحور حول التعبير عن المكان وتاريخه بأسلوب فني وإنساني.
متى بدأت مشوارك في التصوير؟ وكيف تطورت مهاراتك؟
بدأت عام 2009 كهواية، ثم تطورت بشكل تدريجي مع الممارسة والدراسة، وبدعم من المتخصصين والمشاركات الميدانية، فكل موقع كنت أزوره كان مدرسة بحد ذاته، أتعلم فيه شيئًا جديدًا عن الضوء، الزاوية، والرسالة.
ما الذي دفعك لتصوير المواقع التراثية كمجال تخصص؟
رغبتي في أن أكون صوتًا بصريًا يعرّف الناس بتراثهم، وأن أُسهم في حفظ ذاكرة المكان من خلال عدستي، فالتصوير هنا ليس توثيقًا فقط، بل رسالة وجدانية وجمالية في آنٍ واحد.
كيف ساهم تخصصك في الآثار والمتاحف في رؤيتك كمصور؟
تخصصي منحني منظورًا أعمق في قراءة التفاصيل البصرية للموقع الأثري، وفهم السياقات التي وُجدت فيها هذه الآثار، الأمر الذي انعكس على أسلوبي في التصوير، حيث أصبحت الصورة وسيلة لنقل المعنى، لا مجرد لقطة جميلة.

كم عدد المواقع التراثية التي قمت بتصويرها حتى الآن، وما أبرز موقع قمت بتصويره وترك أثرًا فيك؟
قمت بتوثيق وتصوير أكثر من 150 موقعًا، وهذا الرقم في تزايد مع كل رحلة ميدانية، ومن أكثر المواقع التي أثّرت في شخصيًا ومهنيًا "مدائن صالح" فعمقها التاريخي، وتفاصيلها المعمارية، وهدوءها الروحي يجعل من زيارتها تجربة لا تُنسى.
هل واجهت تحديات أثناء تصويرك للمواقع؟ وكيف تعاملت معها؟
نعم، التحديات موجودة سواء من حيث التضاريس أو الظروف الجوية أو حتى التصاريح، لكن بالتنسيق المسبق مع الجهات المختصة، وبالتحلي بالصبر والمرونة، تجاوزنا الكثير منها وخرجنا بنتائج نفتخر بها.
اقرأ أيضًا: المصور السعودي محمد محتسب لـ"الرجل": أتمنى بناء مهرجان فوتوغرافي لمصوري المملكة
حدثنا عن مبادرة "قصة مكان" التي أطلقتها عام 2013؟
هي مبادرة شخصية خرجت من الإيمان بضرورة إيصال تراثنا الوطني بأسلوب بسيط وشيّق، وقد سَعيتُ من خلالها إلى المزج بين الصورة والمعلومة، لتكون وسيلة جذب وتوعية في آنٍ واحد، وهي مستمرة في النمو بفضل دعم المتابعين والمهتمين.
إلى أي مدى وصلت مبادرتك؟ وهل هناك نتائج ملموسة؟
المبادرة لاقت صدى واسعًا داخل المملكة وخارجها، وساهمت في نشر العديد من المعلومات والمواقع المجهولة.

كيف ترى دور وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة التراث؟
أصبحت وسائل التواصل أداة فاعلة في نقل التراث وتعريف الأجيال به، بخاصة حين تُستخدم بطريقة مسؤولة وواعية، فهي منصة للتفاعل والحوار وبناء علاقة مستمرة مع الموروث.