المصور السعودي محمد محتسب لـ"الرجل": أتمنى بناء مهرجان فوتوغرافي لمصوري المملكة
يهوى التصوير منذ نعومة أظفاره، يرى أن تصوير حياة الناس وثقافات الشعوب أوقد بداخله شعلة البحث عن حكايات هذا العالم وأسرار حضاراته، فيما يؤمن بأن الصورة التي يلتقطها مصور يضع فيها لمسة من إبداعه وإحساسه ورؤيته، لا يمكن أن تُصنع من خلال التطبيقات مهما بلغ ذكاؤها، بينما يتمنى أن يكون سفيًرا لبلاده من خلال أعماله، ورفع اسم السعودية وإيصاله بشكل يليق بها في كل محفل، إنه المصور السعودي محمد محتسب، الذي أجرت معه منصة "الرجل" هذا الحوار.
إذا طلبنا منك أن تحدثنا عن نفسك ماذا تقول؟
أنا محمد محتسب، مواطن سعودي، شغوف بالفنون، أشغل حاليًا منصب مستشار في جمعية الثقافة والفنون بجدة، التصوير هوايتي المفضلة منذ الصغر، لذلك أسافر في جولات تصوير حول العالم، والتصوير ليس عملي الرئيسي بل هواية، فأنا رجل أعمال ومستثمر في مجالات التقنية المعلوماتية.
كيف بدأت رحلتك مع التصوير الفوتوغرافي؟
بدأت التصوير بشكل أكثر جدية بعد فترة كورونا، حيث كانت مرحلة الغلق العام التي شهدتها جميع القطاعات فرصة للتعامل الجدي مع التصوير، وبناء تآلف بيني وبين عالم الفوتوغرافيا.
أما فكرة ثقافات الشعوب، فقد بدأت من أول ملتقى شاركت به في مجال التصوير، وهو ملتقى البحرين الفوتوغرافي، وكان متخصصًا في تصوير حياة الناس وثقافات الشعوب، وقد أوقد في داخلي شعلة البحث عن حكايات هذا العالم وأسرار الحضارات.
تجذبني الأماكن ذات الموروث الحضاري الزاخر بالحكايات التي يمكن أن تروى
ماذا عن معرض "ميموريا".. وما الرسالة الأساسية التي أردت إيصالها من خلاله؟
ميموريا كلمة برتغالية تعني الذاكرة؛ وقد أحببت تسمية معارضي بهذا الاسم، لأن الذاكرة صور ومواقف ومحطات يعود إليها الإنسان دائمًا.
أول معرض لي كان برعاية جمعية الثقافة والفنون في جدة؛ البيئة الحاضنة للفوتوغرافيين في المنطقة الغربية، ولا بد أن أشكرهم على ثقتهم بمساهمتي وشغفي في دعم الحراك الفوتوغرافي.
من بعدها خطرت لي فكرة الجولات الفوتوغرافية، والتي تمكنني من نقل معرضي ميموريا بين دول مجلس التعاون الخليجي، والتعريف بالحضارات والبلاد التي زرتها من خلال الصور، وهكذا أقمت معرضي في جدة ثم الكويت ودبي وعمان وقريبًا في قطر والبحرين، ولا بد من الإشارة إلى أن "ميموريا" ملتقى فوتوغرافي وليس معرضًا شخصيًا، فأنا في كل معرض لي في كل دولة أقيم ملتقى وندوات يشارك فيها مصورون سعوديون ومصورون من الدولة المستضيفة.
التقطت صور معرض دبي في 20 دولة مختلفة ما أصعب تجربة تصوير مررت بها خلال هذه الرحلات؟
كل دولة زرتها طبعت في ذاكرتي الكثير والمثير من الحكايات؛ وأحيانا تكمن الصعوبات في إيجاد طريقة سهلة للتواصل مع الآخرين، وأحيانا في ضرورة التقاط الصورة بلحظة معينة، لأن أي تأخير قد يغير من طبيعة المشهد.
ومن أصعب التجارب التي مررت بها في أثناء إحدى رحلاتي، وأنا في طريقي إلى منطقة مرتفعة في دولة قرغيزستان، حيث اضطررت إلي المشي ساعتين ونصف للصعود إلي منطقة مرتفعة، يوجد فيها وديان وشلالات ومعي دليل سياحي، وعندما وصلت إلي هناك وبدأت أصور وانتهيت من التصوير، فجأة انزلقت رجلي طرف الهاوية والمنحدر وسقطت، وفي اللحظة الأخيرة ومن لطف الله أمسك الدليل السياحي بيدي قبل أن أسقط من ارتفاع شاهق.
احكِ لنا قصة صورة لا تزال مطبوعة في ذاكرتك من بين الصور التي التقطتها حول العالم؟
لكل صورة ذكرى خاصة؛ لكن من أكثر الصور التي تعجبت لمحتواها كانت في دولة الإمارات العربية المتحدة، حين زرت إحدى المزارع وعرفت معلومة لا يعرفها حتى أبناء المجتمع الإماراتي من الجيل الجديد، هناك يتم الطهي للأبقار والجاموس، وتعرف هذه الطبخة بـ"المغبرة"، حيث يعدون للدواب أكلة فيها مجموعة من النباتات والمغذيات، وهذه العادة بحسب علمي لا توجد في كل العالم إلا في بلدين وهما سلطنة عمان ودولة الإمارات.
أيضًا من أكثر الصور التي أحزنتني كانت صورة طفلة عمرها لا يتجاوز 5 سنوات، تحمل أخاها الرضيع وعمره أقل من سنة تحت أشعة الشمس في أشد الشهور حرارة، بينما والداها يعملان في إحدى بحيرات تجميع الملح في الهند، والسبب أنه ليس لديهم من يرعى الطفل، لذلك أحضروه معهم و جعلوا أخته تحمله طوال اليوم.
كيف تختار الدول أو المدن التي تزورها لتوثيق حياة الناس؟
تقام جولات التصوير للمصورين بشكل دوري، وفي الغالب يتم إبلاغنا كمصورين، أما عن الاختيار فأنا أحرص على الذهاب إلى الأماكن التي أعلم أن فيها موروثًا حضاريًا زاخرًا وحكايات وعادات شعبية يمكن أن تروى.
اقرأ أيضًا: المصور "عوض الشهري" لـ"الرجل": التنظيمات البيئية في المملكة مبشرة بالخير
اللغة أبرز التحديات التي تواجهني في أثناء رحلاتي خصوصًا في الأماكن النائية
ما أبرز التحديات التي تواجهها في أثناء رحلاتك؟
يعتاد المصور مع الوقت على التأقلم وسرعة البديهة، وقد تكون اللغة هي العقبة بين المصور والطرف الآخر في الأماكن النائية؛ وأيضًا عدم توفر الرعاية الصحية الجيدة في هذه الأماكن لبعدها عن العاصمة والعمران، وكذلك اختلاف نوعية الأطعمة التي تكون متوفرة هناك، والتنقل بين المدن متباعدة الأطراف لتوثيق موضوع معين، كمناسبة متخصصة أو قبيلة تسكن في أطراف نائية من المدن.
كيف ترى تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل التصوير الفوتوغرافي؟
تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل التصوير الفوتوغرافي كبير ومتسارع، ويمكن تلخيصه في عدة جوانب، مثل تحسين جودة الصور تلقائيًا، وإزالة الضوضاء أو العيوب بشكل فوري، وإزالة العناصر غير المرغوب فيها، أو حتى تحويل الصور إلى أنماط فنية معينة بضغطة زر، وهذا يقلل من الوقت والجهد المطلوبين للتحرير التقليدي.
كما أنه يسهل عملية توليد الصور بالذكاء الاصطناعي، وهذا قد يفيد شركات التسويق والإعلانات بشكل ما، لكنه حتمًا لن يلغي دور المصور، فالصورة التي يلتقطها مصور يضع فيها لمسة من إبداعه وإحساسه ورؤيته، ولا يمكن أن تُصنع من خلال التطبيقات مهما بلغ ذكاؤها.
رشحت أعمالك مرتين لجائزة حمدان بن محمد للتصوير الضوئي.. ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟
جائزة حمدان بن محمد واحدة من أهم الجوائز التي انطلقت من المنطقة لتسجل اسمها في العالم، ولذلك فإن المشاركة فيها بحد ذاتها تعد أمرًا مهمًا للمصورين، وفى العادة يشارك مئات الآلاف من المصورين من مختلف دول العالم في هذه المسابقة، وتكون هناك لجنة مكونة من مصورين محترفين دوليين، وعليه عندما يتم ترشيح عمل لك إلى المرحلة النهائية أو ما قبل المرحلة النهائية فيعد ذلك إنجازًا كبيرًا.
كيف تساعدك المسابقات الفوتوغرافية العالمية على تطوير مهاراتك؟
مما لا شك فيه أن كل مصور يحتاج إلى أن يرى ويسمع تقيم جهات محايدة لصوره، ويعرف إلي أي مدى يتطور، والدخول في مسابقات متعددة هو المعيار الذي يساعد المصور ليعلم إلي إي مدى وصلت صوره من الجودة والقيمة الفنية، من خلال نوعية الجوائز التي يحصل عليها، فهذه المسابقات ما هي إلا مؤشرات تبين مقدرة المصور ونقاط قوته وضعفه، يستخدمها في تحسين إبداعاته الفنية والاهتمام بتطوير ذاته.
أعتبر نفسي من الهواة ووجودي بين المحترفين يجعلني أتعامل مع التصوير بجدية
في رأيك كيف يمكن للصور أن تساهم في نشر ثقافة التسامح والتواصل بين الشعوب؟
الاختلاف بين الشعوب لا يعني الخلاف ولا ننسى أن الله خلقنا شعوبًا وقبائل لنتعارف، ففي كل بلد بهذا العالم موروث حضاري وعادات واعتقادات، بغض النظر إن كنت تؤيدها أم لا، فهي تمثل غنى ثقافيًّا ومعرفيًّا لا بد من الاطلاع عليه، ونقل تلك المعارف من خلال الصورة، لبتعرف الناس على بعضهم البعض، ومن هنا يبدأ التعايش السليم على كوكب متنوع الأطياف.
ما الفرق الذي لاحظته بين التصوير في الدول العربية والغربية من ناحية التقبل والحرية؟
لا توجد فروقات وفقًا للجغرافيا؛ بل فروقات لدى الأشخاص في تقبل التصوير، نحن في الخليج والدول العربية لدينا موروث ثقافي وحضاري وديني، ومن ثم لدى أشخاصه تحفّظ تجاه الصورة، وعليه تجابه فطرة تصوير الأشخاص بالرفض في معظم الأحيان، وبالذات من الأشخاص كبار السن، والوضع عكس ذلك في البلدان الأخرى وبالذات المناطق الآسيوية والإفريقية.
برأيك ما الذي يجعل الصورة الفوتوغرافية تنجح في مخاطبة الإحساس الإنساني؟
الصور الحقيقية؛ الحية التي تنقل قصة وسلوكًا أو بيئة كاملة، الصور التي تعرف الناس على حقيقة الآخرين؛ وأن ثمة أشخاصًا في الطرف الآخر من العالم لديهم قضاياهم وهمومهم أيضًا، فكل صورة حقيقية وغير مفتعلة ومركبة عبر البرامج الذكية ستلمس إحساس المتلقي بلا شك.
ما أبرز العضويات التي حصلت عليها؟
أهم العضويات: عضوية اللجنة الاستشارية فى جمعية الثقافة والفنون بجدة، جمعية التصوير الفوتوغرافي الأمريكية (PSA)، الاتحاد العالمي للتصوير الفوتوغرافي، الاتحاد الدولي لفن التصوير الفوتوغرافي (FIAP)، واتحاد المصورين العرب، كما حصلت على ماجستير (M.APS) التميز في جمعية التصوير الرشيقة (APS).
ومن أهم الألقاب التي حصلت عليها: لقب فنان الفياب من قبل الاتحاد الدولي لفن التصوير، ولقب البراعة من قبل الجامعة الأمريكية للتصوير، ولقب افوردايت من قبل اتحاد الفوتوغرافيين الدوليين، ولقب VIP4 من قبل اتحاد الفوتوغرافيين الدوليين، ولقب CR4 من اتحاد المصورين الدوليين، ولقب CR5 من اتحاد المصورين الدوليين، ولقب ZUES من اتحاد المصورين الدوليين.
كما حصلت على المركز الأول في التصنيف الوطني للمملكة العربية السعودية لعام 2024 من الرابطة الدولية للمصورين الفنيين، والجائزة الوطنية في إطار جوائز سوني العالمية للتصوير الفوتوغرافي لعام 2025.
وفيما يخص الجوائز، فقد بلغ عدد الجوائز التي حصلت عليها من العديد من المسابقات من دول مختلفة 850 جائزة دولية، ما بين ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية وأوسمة شرفية.
اقرأ أيضًا: المصورة أماني القحطاني: حصلت على 1297 جائزة عالمية.. وجدتُ نفسي في تصوير حياة الناس والشارع
كيف ترى دور الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة في دعم المصورين؟
هو دور مهم جدًا ومقدر وعظيم في دعم المصورين، والإسهام في الحراك الفوتوغرافي والنهضة الفنية التي تشهدها المملكة؛ والجميع يعرف التفاني والدعم اللا محدود الذي يبذله رئيس الجمعية محمد آل صبيح لتحقيق هذا الهدف؛ وعلى المستوى الشخصي هذا الرجل دعم مشواري الفوتوغرافي بكل احتفاء واحتواء حتى وصلت إلى ما وصلت له، وكان للجمعية دور بارز في احتضان سلسلة مبادرات أطلقتها برعايتهم منها الفني والثقافي والوطني.
ماذا يمثل لك حصولك على لقب "ZEUS" من اتحاد المصورين الدوليين؟
حصولي على لقب “ZEUS” من اتحاد المصورين الدوليين (GPU)، لأكون واحدًا من المصورين العرب والعالميين الحاصلين على هذا اللقب الرفيع، يعني محطة مهمة جدًا في مسيرتي نظرا لأهميته، حيث يتطلب الحصول على هذا اللقب تقديم مشروع فوتوغرافي متكامل لموضوع معين بعدد لا يقل عن 35 صورة، وبعدها يتم تقيم هذا العمل من لجنة مكونة من خمسة مصورين دوليين لتأكيد استحقاقية المصور لهذا اللقب، كما يعد “ZEUS” اللقب الحادي عشر الذي أناله من الاتحاد ذاته، والأول من هذا المستوى الاستثنائي.
لماذا اخترت محطة قطار "دكا" وسط الزحام في بنجلادش كموقع لمشروعك الفوتوغرافي؟ وما الصعوبات التي واجهتها في أثناء تصويره؟
هو مشروع مهم ومجهد في الوقت ذاته، فهو توثيق لحدث ملهم ومليء بالحكايات والالتقاط، اسمه "بيشوا"، وهو اجتماع يقام سنويًا في بنجلاديش في شهر يناير، ويُعد ثاني أكبر تجمع إسلامي في العالم بعد موسم الحج، ولك أن تتخيلي وجودك وسط هذه الجموع المهيبة في مهمة فوتوغرافية.
هذا الحدث العالمي يجمع ملايين المسلمين من مختلف الدول لأداء الشعائر الدينية منذ ساعات الصباح الأولى، حيث تتدفق الحشود من المدن والقرى المجاورة، وحتى من دول بعيدة، مستخدمين القطارات، الحافلات، والقوارب، التي غالبًا ما تكون مكتظة بشكل كبير، حتى تكاد لا تراها بل ترى كتلة بشرية تغطيها.
وفي موقع الحدث قرب نهر توراغ، يصطف المسلمون لأداء الصلوات جماعة في مشهد روحاني مهيب، ومع انتهاء اليوم، يبدأ المشاركون رحلة العودة إلى ديارهم، عبر وسائل النقل ذاتها، بل إن البعض يضطر إلى الركوب فوق أسطح القطارات والحافلات، متحدّين المخاطر من أجل حضور هذا اللقاء السنوي.
أتمنى وجود مهرجان فوتوغرافي لمصوري المملكة ليحتضن الفوتوغرافيين السعوديين
ماذا يعني لك الانضمام إلى نخبة المصورين العرب والعالميين الحاصلين على هذا اللقب؟
على الرغم من أنني ما زلت أعتبر نفسي من الهواة في هذا المجال؛ لكن وجودي بين كوكبة من المحترفين يجعلني أتعامل مع التصوير بحرفية وجدية أعلى من أي وقت سبق.
ما طموحاتك في المستقبل بعد تحقيق هذا الإنجاز الجديد؟
طموحاتي الفوتوغرافية تتلخص فى الحصول على جائزة سمو الشيخ حمدان الدولية (هيبا)، وجائزة المملكة الفوتوغرافية وجائزة المسابقة الإيطالية (سيينا).
وإقامة معرض ميموريا فى السعودية المنطقة الشرقية، وفي الرياض، وفي القاهرة، وفي السويد والدنمارك، كما أطمح أن نجعل الحراك الفوتوغرافي في المملكة محط أنظار العالم، فلدينا الكثير من المصورين والمصورات المبدعين في مختلف مناطق المملكة، وكل منهم يبرع في اتجاه فوتوغرافي معين، أتمنى أن تتوحد الجهود لبناء مهرجان فوتوغرافي لمصوري المملكة ومظلة حاضنة للفوتوغرافيين السعوديين جميعهم.
كيف ترى تأثير الجوائز والإنجازات الدولية على مسيرة المصور الفوتوغرافي السعودي؟
هي دافع مهم للمصور وبمثابة سيرة ذاتية موجزة له، خصوصًا في عالم التصوير، فهذه الجوائز والمسميات والاختصارات يفهمها من يتعمق بهذا المجال أكثر من غيره، كما أنها دافع له للأفضل، أما تأثيرها على المصور السعودي فهذا امتياز مهم يجعلنا خير سفراء لبلادنا من خلال أعمالنا وتمكننا من رفع وإيصال اسم السعودية بشكل يليق بها في كل محفل.
