من قلب التحول السعودي: الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء السعودية Burak Cakmak يكشف عن رؤيته لمستقبل الأزياء

في قلب التحول الإبداعي الذي تعيشه المملكة، يتصدر بوراك شاكماك مشهد الأزياء السعودية كشخصية ريادية تحمل رؤية متجددة، لا ترى في الأزياء مجرد مظهر لصيحة عابرة، بل جوهر حيّ يُعاد اكتشافه وتشكيله بحرفية عالية، بوصفها خطابًا ثقافيًّا نابضًا بالتجدد ومتجذرًا بالهوية. ومن واقع كونه الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء، فهو لا يدير مؤسسة فحسب، بل يسهم في تشكيل ملامح مشهد تتقاطع فيه الخيوط بين التراث والابتكار، وبين الأصالة وروح التجديد.
شاكماك ليس وافدًا على عالم الأزياء، بل أحد صانعيه. مسيرته التي امتدت من كبريات دور الأزياء العالمية إلى أروقة التعليم العالي في كلية "بارسونز"، شكّلت رؤية متكاملة توازن بين الحرفية والفكر، وبين التعليم والتغيير، وبين الأصالة والمسؤولية البيئية. يرى في الاستدامة جوهرًا لا مجرّد توجه، وفي كل تصميم حكاية قادرة على تجاوز الحدود.
في هذا الحوار الحصري مع منصة الرجل، يكشف بوراك شاكماك، الذي نشأ في عائلة تقدّر جماليات التصميم وبراعة الحرفية، عن مفاتيح رؤيته، وعن شغفه المتقد بالتفاصيل، وعن السعودية كمصدر إلهام متجدد. هو حديث عن الأزياء، نعم، لكنه أيضًا عن المعنى، والانتماء، والطموح الذي لا يهدأ، فإلى التفاصيل.

البدايات والدوافع
ما الذي قادك إلى عالم الأزياء؟ هل كانت هناك لحظة فارقة؟
لم تكن مسيرتي في مجال الأزياء مفاجئةً ولا وليدة المصادفة؛ بل كانت عملية تدريجية مدروسة بعناية، تطورت على مدار سنوات عديدة.
اتجهت في البداية إلى قطاعات بدت غير مرتبطة بمجال الأزياء، إلا أنني كنت أكتشف باستمرار أن المبادئ التي تحكم الإبداع والتصميم والتواصل الإنساني هي مبادئ عالمية. لقد انجذبت إلى مجال الأزياء لأنه يعبر عن الهوية بأسلوبٍ مرن، كما يسرد في طيّاته قصصًا مؤثرة، ويشكل الخطابات الثقافية عبر المجتمعات.
شغفتُ منذ حداثة سني بالكيفية التي يمكن بها للملابس والتصميم أن تكون رموزًا دالة على القيم الفردية والمجتمعية السامية. وكما أن الفنون والآداب قادرة على تجسيد المشاعر والرؤى الفكرية، كذلك تمتلك الأزياء أسلوبها المتفرّد في التقاط روح العصر والتعبير عنه. ومع انغماسي في دراسة ثقافاتٍ شتى ومجالاتٍ إبداعية متنوعة، أيقنتُ أن الأزياء تتجاوز البعد الجماليَّ البحت؛ فهي لغةٌ تعبيرية نابضة تعكس النسيج الاجتماعي المتغير وتطورَه، ولا تقتصر على كونها مجرد صيحات رائجة أو تغيرات موسمية؛ بل هي حوارٌ حيويٌّ متجدد بين التراث والمعاصرة، وبين الأصالة والتجديد. ففي طيات كل نسيجٍ، وكل غرزة إبرة، وكل تصميم، تكمن حكايةٌ تنتظر من يرويها، سردٌ يعكس هويتنا ويرسم ملامح مسيرتنا. وهذا الحوار المتواصل هو ما يذكي جذوة شغفي بهذا المجال ويجدد إلهامي فيه.
كما شهدتُ عن كثبٍ تأِثير التفاصيل التصميمية المرهفة في السلوك، وطريقتها في استثارة استجابات وجدانية عميقة. وسواء تجلى ذلك في التوظيف المُحكَم للون أو الخامة أو القَصّة، فإن كل خيار تصميمي كان كفيلًا بأن يلامس وترًا شخصيًّا لدى الفرد. وبسبب هذا الإدراك، بدأتُ أنظر تدريجيًا إلى عالم الأزياء لا باعتباره مجرد مسعى تجاري، بل كمنصة جوهرية للنقد المجتمعي وصون الموروث الثقافي.
لقد شغلت مناصب قيادية في شركات ومؤسسات عالمية كبرى، ما هي التحولات التي ميّزت مسيرتك المهنية؟
يقود #بوراك_شاكماك، الرئيس التنفيذي لـ #هيئة_الأزياء في السعودية، ثورة حقيقية في مجال الأزياء، حيث يعيد تعريف مفاهيم الموضة في المملكة. في حوار حصري مع مجلة "#الرجل"، يشارك شاكماك رحلته الفريدة التي بدأت في أكبر دور الأزياء العالمية وصولًا إلى ما يراه "فرصة استثنائية" لقيادة هذا… pic.twitter.com/UY3Q6WwPco
— الرَّجل (@ArrajolM) April 25, 2025
على امتداد مسيرتي المهنية، كان عملي مع العلامات التجارية الفاخرة بمثابة نافذة أطلعتني على فهمٍ دقيقٍ لأهمية الإرث، وبراعة السرد القصصي، وجماليات الحرفية اليدوية المتقنة. وأدركتُ حينها أن خلف كل منتجٍ فاخرٍ، يوجد نسيجٌ ثريٌّ من التقاليد العريقة، والتزام راسخ لا يحيد عن بلوغ أرقى درجات الامتياز.
غير أن عملي ضمن المجالس الاستشارية العالمية كشف لي عن تحديات هيكلية تستدعي اهتمامًا عاجلًا، مثل المسؤولية المناخية، وحقوق العمالة، وشفافية سلاسل التوريد. وقد أحدثت هذه التجارب تحولاً في فهمي لمفهوم القيادة في عالم الأزياء؛ فبدأت أنظر إلى هذه الصناعة ليس فقط باعتبارها شكلاً من أشكال الفن، بل بوصفها منظومة مترابطة قادرة على إحداث تغيير اجتماعي هادف.

جاذبية الرياض
كيف أثّرت فترة عملك في كلية بارسونز على رؤيتك للأزياء؟
لم تقتصر كلية "بارسونز" للتصميم على كونها مجرد مؤسسة تعليمية، بل كانت بيئة خصبة لإنتاج الأفكار ومركزاً حيوياً للابتكار الذي يسعى لتحدي الأعراف السائدة. لقد تميزت تجربتي في أروقتها بالتقصي المعرفي العميق، والسعي الدؤوب نحو التجريب، والإصرار الراسخ على تخطي الآفاق المعهودة للإبداع. وهناك، في قلب هذا المناخ المحفز، بزغت في ذهني لأول مرة قناعة بأن للأزياء القدرة، بل الواجب، لأن تكون وسيلة لإحداث تغيير اجتماعي حقيقي.
إن البيئة السائدة في كلية "بارسونز" تحفز الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء على مساءلة الأعراف التقليدية الراسخة، واستكشاف سرديات بديلة، وتصور مستقبل ترتبط فيه الموضة ارتباطًا جوهريًا بالاستدامة والممارسات الخُلقية. لقد أعادت هذه الفترة التحويلية تشكيل فهمي لتعليم الموضة والقيادة في هذا المجال. إذ أكدت على أهمية المزج بين التقاليد والتجريب، وعلى ضرورة دمج الاعتبارات الخلقية في صميم عملية التصميم، وهو نهج شمولي ما زلت أتبعه في عملي حتى اليوم.
ما الذي جذبك لقيادة هيئة الأزياء؟
عندما عُهد إليّ بمسؤولية قيادة هيئة الأزياء، وجدتُها فرصة استثنائية في مرحلة تاريخية مفصلية للمشاركة في صياغة مستقبل هذا القطاع الحيوي. فالمملكة، بتاريخها الثقافي الثري وتقاليدها المتجذرة، تمتلك أيضاً موارد إبداعية وفيرة تتجلى في منسوجاتها الإقليمية وحرفها الفنية الأصيلة وتقنيات تصميمها المتوارثة. ويتزامن ذلك مع تحول وطني عميق تشهده البلاد، تقوده مبادرات استراتيجية طموح تهدف إلى تنويع الاقتصاد وإثراء الثقافة ودفع عجلة الابتكار.
إن تولي منصب الرئيس التنفيذي لم يمكّنني فقط من قيادة التغيير على الصعيدين الإبداعي والصناعي، بل من المساهمة بشكل ملموس في التنمية الاقتصادية الأوسع نطاقًا أيضاً. وبفضل الاستثمارات الكبيرة في قطاعات الثقافة والسياحة والتعليم، تتمتع هيئة الأزياء بمكانة فريدة تؤهلها لتكون بمثابة حافز أساسي يرسخ مكانة المملكة العربية السعودية كمركز عالمي للصناعات الإبداعية. لقد استهواني تحدي المزج بين أساليب الإنتاج الحديثة والتصميم المبتكر والأصالة الثقافية، مع الحرص التام على أن تعكس كل مبادرة نطلقها إرث المملكة المتفرد وطموحاتها المستقبلية.

التحديات والتحولات
كيف تصف مشهد الأزياء عند وصولك؟ وكيف تطوّر؟
عندما قدمتُ إلى المملكة العربية السعودية لأول مرة، وجدتُ مشهدًا إبداعيًا مفعمًا بالحيوية، ولكنه يحتاج إلى الترابط. كان المصممون المحليون يمتلكون موهبة كبيرة وشغفًا عظيمًا، إلا أن البنية التحتية الضرورية لرعاية مواهبهم وتنمية أعمالهم وتوسيع نطاقها كانت قاصرة. والفجوة بين الإمكانات الإبداعية الكامنة لدى الأفراد والموارد اللازمة لترجمة هذه الإمكانات إلى واقع ملموس على الصعيدين المحلي والعالمي اتسمت في الاحتياج إلى مرافق عصرية للإنتاج، وتَوَافُر برامج تعليمية متكاملة، وإتاحة شبكات محكمة للتوجيه والإرشاد.
ومنذ تولي مهام منصبي الحالي، شهدنا تحولًا ملحوظًا في منظومة الأزياء السعودية. فقد أسهمت المبادرات التي أُطلقت تحت مظلة هيئة الأزياء في توحيد هذا القطاع وتحويله إلى مجتمع متلاحم ذي رؤية مستقبلية. وباتت الفعاليات الرائدة مثل أسبوع الرياض للأزياء، بمثابة محطات ثقافية بارزة تُبرز تراثنا الأصيل وتستقطب الأنظار العالمية. كما أسهم تطوير استوديوهات الإنتاج، وإطلاق برامج الاستدامة، وعقد الشراكات التعليمية، في ردم الهوة بين المواهب الإبداعية الواعدة وتوفر أعلى المعايير المهنية عالمياً.
ما هو التحدي الأكبر الذي واجهته في بداية عملك؟
كان التحدي الأكبر في البداية هو التعامل مع النطاق الهائل لعملية التحول الضرورية لبناء منظومة أزياء متكاملة الأركان. لم يقتصر هدفنا على دعم المصممين الأفراد فحسب، بل امتد ليشمل تأسيس بنية تحتية شاملة تغطي التعليم، والأنظمة، والإنتاج، والتجزئة، والاستثمار، والإعلام. وتَطَلَّبَ تحقيق ذلك رؤية قادرة على المنافسة عالميًا، وفي الوقت ذاته، متجذرة بعمق في التقاليد السعودية العريقة.
ومن خلال دوري كرئيس تنفيذي، ركزتُ جهودي على بناء شراكات عابرة للقطاعات تجمع بين الجهات الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، والمستثمرين من القطاع الخاص، والمحترفين في المجال الإبداعي. وتمثل أحد التحديات الأساسية في ردم الهوة بين مختلف هذه الأطراف المعنية، لضمان تكامل وتناغم جميع العناصر، بدءًا من التصميم والإنتاج، وصولًا إلى الأنظمة والتشريعات والتجزئة. وقد أتاح لنا هذا التحدي فرصة سانحة لمواءمة مبادراتنا مع الأهداف الاستراتيجية الأشمل للمملكة. فمن خلال المزج بين الأصالة الثقافية والابتكار التقني والممارسات المستدامة، فإننا لا نُحدث تحولاً في القطاع فحسب، بل نتواءم مع التوجه الوطني الأوسع للمملكة، المتمثل في التقدم والتنويع.

اقرأ أيضًا: "David Tedeschi" المدير الإقليمي لدار هوبلو: عشقي للساعات بدأ منذ الطفولة.. واليوم أقود توسع هوبلو عالميًّا
الاستدامة والإنجازات
كيف تعمل على تعزيز الاستدامة في قطاع الأزياء السعودي؟
تشكل الاستدامة جوهر استراتيجيتنا في هيئة الأزياء. ومن واقع كوني الرئيس التنفيذي، أتطلع إلى إحداث تحول جذري في المفهوم السائد، بحيث لا تُعد الاستدامة مجرد قيمة مضافة، بل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها جميع عملياتنا. ويتجسد هذا الالتزام في مبادرات مثل مبادرة "الإحرام المستدام" الرائدة. إذ تهدف هذه المبادرة وهي الأولى من نوعها في العالم، لتحويل ملابس الإحرام التقليدية إلى منتجات صديقة للبيئة، ما يُسهم في الحد بشكل كبير من النفايات والحفاظ على الموروث الثقافي في آن واحد.
ما هي أبرز إنجازات هيئة الأزياء حتى الآن؟
منذ تولي مهام منصبي، حققت هيئة الأزياء العديد من المحطات الفارقة، أبرزها:
أسبوع الرياض للأزياء: انطلق هذا الحدث عام 2023 وسرعان ما تطور ليصبح محطة ثقافية بارزة ومنصة رئيسة لاستعراض المواهب الإبداعية السعودية. وهو يستقطب المشترين ووسائل الإعلام والمؤثرين الدوليين، مقدماً في الوقت ذاته سرديةً مؤثرة تمزج بين الأصالة والمعاصرة.
ذا لاب (The Lab): تأسس عام 2024 كمنشأة إنتاج مزودة بأحدث التقنيات، ويعمل على الربط بين التصميم المبتكر والتصنيع المستدام. فمن خلال توفير أحدث الأدوات للمصممين المحليين، يُسهم المختبر في تقليل الاعتماد على الإنتاج خارج المملكة ويعزز الاكتفاء الاقتصادي الذاتي للقطاع.
الشراكات التعليمية: أثمرت الشراكات المتينة مع مؤسسات تعليمية مرموقة عن برامج تدريبية متخصصة تعمل على صقل المواهب الواعدة وإعدادها للمنافسة في السوق العالمية.
مبادرات الاستدامة: يُعد إطلاق أول "إحرام مستدام" و"جائزة كيرينغ جينيريشن للاستدامة" إنجازات رائدة عززت مكانة المملكة العربية السعودية بوصفها دولة رائدة في مجال الابتكار في الأزياء المستدامة.
تندرج هذه المبادرات والأعمال ضمن رؤية أشمل تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة في قطاعي الأزياء الإبداعية والمستدامة، بما ينسجم تمامًا مع أهداف التنمية الاستراتيجية للمملكة.

الشباب والجاذبية
كيف يتجاوب المصممون الشباب مع جهودكم؟
استجابتهم إيجابية إلى حد كبير. فالمواهب الصاعدة ترى المبادرات التي أطلقتها هيئة الأزياء بمثابة اعتراف حقيقي بإمكاناتهم الإبداعية. إذ تمنحهم المنصات مثل أسبوع الرياض للأزياء، وبرامج الإرشاد المحلية، والمشاريع التعاونية، الحضور والدعم اللازمين لتحقيق النجاح والازدهار.
ما الذي يجعل السوق السعودية مميزة وفريدة في مجال الأزياء؟
يتميز السوق السعودي بكونه نقطة التقاء حيوية تجمع بين أصالة التقاليد المتجذرة وحداثة الابتكار. فهو ساحة تمتزج فيها الحرفية المتوارثة عبر قرون مع أحدث ممارسات التصميم المستدام وتقنيات الإنتاج المبتكرة. حيث يعيد المصممون السعوديون صياغة العناصر التقليدية كالتطريزات الدقيقة، والمنسوجات المحلية، والزخارف ذات الدلالات الثقافية العميقة، بأساليب مبتكرة تلامس أذواق الجمهور المحلي والعالمي على حد سواء.
ويتعزز هذا المزيج الفريد بوجود قاعدة استهلاكية شابة وواعية، تُقدّر الجودة العالية، وتحرص على القصص الكامنة وراء المنتج، وتعتز بالأصالة. وقد شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا في انتشار العلامات التجارية السعودية عالميًا، حيث تُعرض مجموعاتها اليوم في كبرى المتاجر العالمية المرموقة، مثل "غاليري لافاييت" و"برنتان" في باريس. وبفضل الدعم الحكومي الاستراتيجي والرؤية المستقبلية الطموحة، تبرز الأزياء السعودية اليوم على الساحة العالمية، متميزة بثراء ثقافتها وحيويتها الاقتصادية.
ما النصيحة الذهبية التي تقدمونها لرواد الأعمال السعوديين في مجال الأزياء؟
لكل رواد ورائدات الأعمال الطامحين في قطاع الأزياء، أود أن أقدم هذه النصيحة المهمة والبسيطة: حافظوا على صدق نياتكم وتمسكوا بموروثكم الثقافي واعتزوا به. ففي قطاع تتغير فيه التوجهات بسرعة كبيرة، تُعد أصالتكم ووضوح رؤيتكم أثمن ما تمتلكون.
ابنوا علامتكم التجارية على أُسس من النزاهة، واستثمروا في التعلم المستمر، وأحيطوا أنفسكم بمرشدين قادرين على تحفيزكم وتحديكم لتحقيق النمو والتطور. احرصوا على فهم جميع جوانب عملكم التجاري، بدءًا من التصميم والإنتاج، ووصولًا إلى الاستدامة والتواصل الفعال مع العملاء. قد تكون رحلتكم مليئة بالتحديات، ولكن تمسككم بهويتكم الأصيلة مع تبنيكم للابتكار هو ما سيصنع الفارق ويميزكم في ساحة الأزياء السعودية التنافسية.

الأزياء ريادة وحكاية
كيف تعكس الموضة الهوية السعودية المتجددة؟
تعبّر الأزياء اليوم في المملكة العربية السعودية عن هوية الوطن المتجددة بأبلغ الطرق، إذ تمثل مزيجًا فريدًا يجمع بين الإرث العريق والطموحات العصرية. فالمصممون اليوم يستلهمون من عبق التاريخ، ويعيدون صياغة الأزياء التقليدية، ويمزجونها بعناصر تصميم عصرية وممارسات مستدامة. وهذه العملية الإبداعية الحيوية تعكس التحول الشامل الذي تشهده المملكة، حيث يتم الاحتفاء بالمحافظة على التراث الأصيل والابتكار الحديث على حد سواء.
ومن خلال كوني الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء، لمستُ عن قرب كيف أصبحت الأزياء وسيلة فاعلة لسرد حكاية الوطن. فكل مجموعة أزياء هي بمثابة حكاية، شهادة حية على عراقة الإرث السعودي، وفي الوقت نفسه، هي تعبير جريء عن مستقبل واعد، قوامه الإبداع والقيم المُثلى.
كيف يمكن للأزياء أن تساهم في الاقتصاد الإبداعي ومسيرة التحول الوطني؟
لا تقتصر أهمية الأزياء على كونها مجرد تعبير إبداعي، بل هي محرك أساسي للنمو الاقتصادي ورافد مهم للدبلوماسية الثقافية. فهذا القطاع يولد فرصًا واعدة في مجالات خلق الوظائف، ودعم ريادة الأعمال، وتنشيط السياحة، وتعزيز التجارة الدولية. ومن خلال الاستثمار في المواهب المحلية وتأسيس بنية تحتية متكاملة تدعم جميع حلقات سلسلة القيمة، تُسهم هيئة الأزياء في بناء اقتصاد إبداعي واسع النطاق، ينسجم مع الأهداف الوطنية الرامية إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والإثراء الثقافي.
ما الذي يجذب المستثمرين لقطاع الأزياء السعودي؟
تكمن جاذبية قطاع الأزياء السعودي للمستثمرين في إمكاناته الواعدة التي لم تُستغل بالكامل بعد، ومزيجه الفريد الذي يجمع بين الحرفية التقليدية والابتكار الحديث، والزخم القوي الذي تولّده المبادرات الوطنية الاستراتيجية. فأصالة التصاميم السعودية وتفردها، مقترنةً بالدعم الحكومي القوي والقاعدة الاستهلاكية المتنامية، كلها عوامل تخلق بيئة خصبة للاستثمار المستدام وطويل الأمد.

اقرأ أيضًا: سكوت أونيل الرئيس التنفيذي لـ LIV Golf: علاقتي بالسعودية قصة حب تتجدد.. وPIF شريك لا مثيل له عالميًّا
ابحث عن الإلهام
من هو بوراك شاكماك خارج العمل؟ ما الذي يلهمك بعيداً عن حياتك المهنية؟
بعيدًا عن العمل، أعد نفسي باحثاً شغوفاً عن الإلهام، سواء كان ذلك من خلال الحوارات المثرية أو الأسفار أو في سحر الطبيعة الأخاذ. وقد أثرت إقامتي في المملكة العربية السعودية في حياتي بصورة لا مثيل لها. فدفء أهلها وكرمهم، وعراقة تقاليدها الثقافية، وسحر مناظرها الطبيعية الآسرة، بدءًا من صحاريها الشاسعة وصولًا إلى مدنها النابضة بالحياة، كل ذلك يجدد روحي الإبداعية باستمرار ويعزز من التزامي وشغفي تجاه مستقبل هذا القطاع الواعد.
هل لديك اهتمامات فنية أو هوايات قد لا يعرفها الناس؟
لطالما تملّكني شغفٌ بالتصوير الفوتوغرافي، هذا الوسيط الفني الذي يتقاطع مع عالم الأزياء في تجسيده للتفاعل الأخّاذ بين الضوء والتكوين والمنظور. ومن خلاله، نتعلم كيف نلمح الجمال الكامن في تفاصيل الحياة اليومية، ونقدّر قيمة اللحظات الخاطفة التي قد تغيب عن أعيُننا لولا سحر العدسة.
ولا يقل عن ذلك اهتمامي العميق بالهندسة المعمارية، لا لجمالياتها الظاهرة فحسب، بل لقدرتها الفائقة على صياغة التجربة الإنسانية ولمس الوجدان. إن هذه الاهتمامات معًا تُشكل روافد تثري رؤيتي باستمرار، وتعزز صلتي الوثيقة بحدسي الإبداعي.

أحب كرم الضيافة الأصيل
ما أكثر ما تحبه في الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية؟
إن الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية هي بمثابة احتفاء متجدد بالأصالة والترابط المجتمعي وروح التقدم. وما يلهمني باستمرار هو كرم الضيافة الأصيل الذي يتميز به أهلها، والنسيج الثقافي الثري الذي يجمع بين مختلف مناطقها، والطاقة الحيوية التي تعمّ كلاً من مراكزها الحضرية وقراها الوادعة. كما أن الشعور بالتفاؤل والإحساس بالهدف لدى الناس هو بمثابة تذكير دائم بقدراتنا الجماعية الكامنة على بناء مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً.
هل يشاركك أحد في عائلتك شغفك بالأزياء؟ من يختار عادةً ما ترتديه؟
على الرغم من أن شغفي بعالم الأزياء يندرج ضمن إطار عملي المهني، فإنني نشأتُ في عائلة تقدّر بعمق جماليات التصميم وبراعة الحرفية. وأسلوبي الشخصي في الأزياء يعكس القيم التي أعتز بها: البساطة، والجودة، والأصالة. لذا، أختار ملابسي بعناية فائقة، لأتأكد من انسجام كل قطعة مع رؤيتي الشخصية ومع الرواية الأوسع التي تجسّد الاعتزاز بالإرث الثقافي.

عيني على العالمية
ما هي رؤيتك لصناعة الأزياء السعودية في السنوات الخمس إلى العشر القادمة؟
أتطلع إلى أن تبرز المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر أسواق الأزياء حيوية وتأثيرًا على مستوى العالم، وأن تبدو كمنارة تشع بالإبداع والاستدامة والأصالة الثقافية. وخلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، أتوقع ألا تقتصر العلامات التجارية المحلية على استقطاب الاهتمام العالمي فحسب، بل أن تسهم أيضاً في رسم ملامح التوجهات المستقبلية عبر المزج المتقن بين الإرث الأصيل والتصميم المبتكر. ومع استمرار الاستثمار في الإنتاج المستدام وتطوير التعليم، فإن منظومة الأزياء السعودية مهيأة لتصبح محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي والثقافي، بما يتماشى كلياً مع أهداف التنمية الاستراتيجية للمملكة.
وقد أرست التطورات الأخيرة التي تحققت تحت إشرافي، الأساس المتين لهذا التحول المنشود. إذ يجري العمل حالياً على مبادرات جديدة تهدف إلى دمج أحدث تحليلات التوجهات العالمية مع تقنيات التصنيع الذكية، ما يضمن تقليل الهدر والحد من الأثر البيئي. وعلاوة على ذلك، تواصل العلامات التجارية السعودية توسيع حضورها على الساحة الدولية، حيث تُعرض مجموعاتها اليوم في كبرى المتاجر العالمية المرموقة، مثل 'غاليري لافاييت' و'برنتان' في باريس. ومن شأن هذه التطورات أن تضمن بقاء الأزياء السعودية في دائرة المنافسة العالمية، مع التأكيد مجدداً على التزامنا الراسخ بالاستدامة والحفاظ على الأصالة الثقافية.

اقرأ أيضًا: رجل الأعمال أحمد العبيكان لـ"الرجل": منذ 22 عامًا لم أفطر في منزلي.. التجارة مع الله هي الربح الحقيقي
الرسالة والمفاهيم
ما الرسالة التي تود مشاركتها مع كل شاب سعودي يحلم بمستقبلٍ في عالم الأزياء؟
إلى كل شاب وشابة سعودية يحملون حلمًا في عالم الأزياء، أقدم هذه الرسالة لكم: إن إبداعكم ورؤيتكم هما الأساس الذي يُبنى عليه مستقبلنا. تمسكوا بإرثكم الثقافي، وتحلّوا بجرأة الابتكار، وأدركوا أن رحلتكم تزخر بفرص لا حدود لها. استثمروا في تطوير ذواتكم، واسعوا لطلب التوجيه والإرشاد، وكونوا مقدامين في تحقيق طموحاتكم. فأصالتكم ليست مجرد ميزة تنافسية لكم، بل هي جوهر إسهامكم في إثراء قطاع الأزياء السعودي والمشهد الإبداعي العالمي ككل.
كلمة أخيرة، بماذا تختم حديثك لجمهور الرجل؟
كل جانب من جوانب رحلتي، يؤكد مجددًا إيماني العميق بأن الأزياء قوة مؤثرة قادرة على إحداث التغيير. إن عملنا، الذي يستمد قوته من بيئتنا المحلية وطموحاتنا الوطنية، هو شهادة حية على ما يمكن إنجازه عندما تتلاقى مفاهيم الإبداع والاستدامة والاعتزاز بالإرث الثقافي.
أدعوكم جميعاً للانضمام إليّ في هذه الرحلة الملهمة. فمعًا، ومن خلال الابتكار، والتمسك بإرثنا الثقافي، ورؤيتنا المشتركة للمستقبل، سنبني قطاعاً يعكس أفضل ما فينا، ويمثل وطناً شامخاً، مبدعاً، ومستعداً لقيادة العالم نحو حقبة جديدة من التفوق الإبداعي.

TEAM CREDITS
Creative Director: Ninorta Malke
Photographer: Hayat Osamah
MUA: Miryam Ibrahim
Groomer: Ahmed Haitham Katamesh
Producer: Kawthar Alrimawi
Production Assistant: Ahmad AlOmar