المصور "عوض الشهري" لـ"الرجل": التنظيمات البيئية في المملكة مبشرة بالخير

"عوض علي الشهري"، مصور فوتوغرافي مميز وناشط بيئي سعودي، جعل من عدسته أداة لنقل جمال الطبيعة، ورسالة للحفاظ على الحياة الفطرية، في منطقة عسير ولد وتربى، حيث ألهمته بتنوعها البيئي والجغرافي، ليبدأ رحلة توثيق الطبيعة والكائنات الحية النادرة، بجانب عمله مصورًا معتمدًا، ومصورًا جويًا.
بالإضافة إلى ذلك، يحمل "الشهري" درجة الماجستير في القيادة والإدارة، بينما يجمع بين شغفه بالتصوير ورسالته البيئية، وقد حصل على جوائز مرموقة، أبرزها جائزة الناشط البيئي المميز لعام 2024، ليواصل جهوده في تعزيز الوعي البيئي، من خلال أعماله الإبداعية ومبادراته البحثية. مع الناشط السعودي أجرت منصة "الرجل" هذا الحوار:
ما الذي جذبك إلى عالم التصوير الفوتوغرافي؟ وكيف ساعدك هذا المجال على تعزيز شغفك بالبيئة والحياة الفطرية؟
تمثل الهوايات جزءًا مهمًّا من حياتنا، إذ تساعد على اكتشاف الذات، وتعزيز القدرات لدينا، وتمثل الشغف نحو ما نحبه ونميل له، وقد كان شغفي بالتصوير الفوتوغرافي نقطة انطلاق حقيقية نحو آفاق أكبر، وعوالم أوسع، وكان للبيئة التي عشتُ فيها طفولتي دورًا كبيرًا في توجيه اهتمامي نحوها، كوني نشأت في إحدى أهم البيئات الطبيعية في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا جنوبها في منطقة "عسير"، والتي تزخر بعدد وافر من المكونات الطبيعية والتنوع الجغرافي والفطري، ما أتاح لي فرصة سانحة لتوجيه عدستي لتوثيق الحياة الطبيعية، مستغلاً معرفتي العميقة بالبيئة المحلية، الأمر الذي ساعدني كثيرًا في الخروج بصور نادرة وفريدة.
الصور تؤدي رسائل سامية وعظيمة
حدثنا عن أكثر الصور التي التقطتها وما زالت عالقة في ذهنك؟
تمثلُ كل الصور لدى المصور ثروة وقيمة فنية كبيرة، فهو لا يلتقط غالبًا إلا الصور التي تهمه وتمثل له قيمة فنية ومعنوية، ولكن تبقى بعض الصور عالقة في الذهن لأسباب عديدة، قد تتمثل في الجهد الكبير المبذول لالتقاطها، أو في القيمة الفنية التي اكتسبتها الصورة لاحقاً، وبشكل عام فإن الصور التي فازت في مسابقات فوتوغرافية، أو تلك التي اكتسبت قيمة فنية فريدة، تأتي في المقدمة، وكذلك الصور التي تمثل جوهر الحياة الطبيعية للطيور عامة، والطيور النادرة بخاصة مثل "العقعق العسيري" و"النسور السمراء"، كونها صورًا لا تحملُ قيمة فنية فقط، بل بحثية كذلك، حيث تقدم معلومات علمية تفيد في مجال الحفاظ على تلك الطيور وحمايتها.
كيف توازن بين الجانب الفني للتصوير وهدفك في توثيق الحياة البرية ونشر الوعي البيئي؟
الصور تحمل رسائل، وقد قيل قديمًا: "رُب صورة أغنت عن ألف كلمة"، فالصور بطبيعيتها جاذبة، وتؤدي رسائل عظيمة للمتلقي أو المشاهد، ولم تعد الصورة عندي تمثلُ عملاً فنيًّا فقط، فقد تجاوزتها لتكون رسالة سامية، ودليلاً علميًّا كذلك يساعد الباحثين في الحصول على معلومة شاردة، يمكن أن تثمر لتكون نواةً لبحثٍ علمي جاد، يؤدي دوره في تقديم ما يفيد البيئة، والحياة الطبيعية التي تعاني مؤخراً في ظل الأنشطة البشرية الهائلة.
ما النصيحة التي تقدمها للمصورين الشباب الذين يرغبون في التركيز على توثيق الحياة الفطرية؟
مع تزايد الاهتمام بتصوير الحياة الطبيعية، والانجذاب نحو السياحة الفطرية، تسعى كثير من الجهات ذات الاختصاص وبعض المنظمات البيئية والفطرية في كثير من البلدان، إلي تنظيم هذا النوع من التصوير، من خلال سن القوانين والتنظيمات، ونشر إرشادات وتوجيهات عامة، وفي رأيي، فإنه لابد من التقدم بشكل أكبر وأسرع من خلال تنظيم هذا الجانب، وإصدار رخص خاصة للمصورين والمرشدين السياحيين البيئيين والفطريين.
وفي العموم فإن نصيحتي الحالية للراغبين في تصوير الحياة الفطرية ترتكز على ضرورة المعرفة التامة بالبيئة، وبالخصائص الحيوية للكائنات الحية المراد تصويرها، وعدم التطفل عليها في بيئاتها، أو إزعاجها، خصوصًا في مواسم تكاثرها وتعشيشها، وعلى المصورين الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات ذات العلاقة ما أمكن، وزيادة الوعي المعرفي بكل ماله علاقة بالتصوير، والأدوات اللازمة التي تساعد على تصوير تلك الكائنات دون التأثير على حياتها أو إزعاجها، والاستفادة من خبرات المتخصصين والمصورين السابقين في ذات المجال.
الراصد البيئي يساعد على حماية الكائنات

ما الدور الذي يلعبه الرصد البيئي في دعم جهود المحافظة على الحياة الفطرية؟
يعتبر منهج الملاحظة من أهم المناهج العلمية في تقصي الحقائق والمعلومات، فالراصد البيئي هو ملاحظ ميداني، يدون ما يراه من سلوك، ويشارك المعلومات التي يرصدها في الميدان أو الحقل مع المختصين أو الخبراء، الذين يختبرون مدى دقة تلك المعلومات، ويحللونها بهدف الوصول إلى فهم أعمق للسلوك، والذي بطبيعة الحال سوف يساعد على فهم المشكلات التي نشأت أو قد تنشأ، وتقديم الحلول التي تساعد في حماية حياة تلك الكائنات.
هل هناك مشاريع بيئية شاركت فيها وتركت أثرًا خاصًّا في مسيرتك؟
بتوفيق من الله، فإنني شاركت في العديد من المشاريع البحثية الخاصة بالحياة الفطرية، مثل البحث الخاص بالنسور السمراء في "محمية الملك سلمان" وفي منطقة "عسير"، وكذلك البحث الخاص بطائر "العقعق العسيري" المهدد بالإنقراض، والذي علمت عليه لفترة طويلة، وكذلك المشاركة في مبادرات تخص الوعي البيئي بشكل عام، ولا يزال لدي الكثير من المشاريع والمبادرات التي أعمل عليها خلال الفترة القادمة.
ما التحديات التي تواجهها أثناء العمل في الميدان، وكيف تتغلب عليها؟
لا يخلو أي عملٍ من وجود تحديات ومعوقات، ولعل من أهم التحديات التي أواجهها غالبًا ما يخص التعارض بين ظروف العمل، وبين الشغف الذي يدفعني للسفر الدائم بهدف مواصلة البحث والتوثيق، ولكن بمزيد من تنطيم الوقت واستغلال مساحات الإجازات يمكن تحقيق تلك الأهداف، بينما يظل حلمي الدائم بالتفرغ للبحث والرصد، والذي آمل أن يتحقق قريبًا بمشيئة الله.
كيف تستخدم الصور والمعلومات التي تجمعها من الرصد البيئي لزيادة الوعي البيئي؟
تعتبر الملاحظات الميدانية أشبه بالمعادن الثمينة، التي يتم اكتشافها للمرة الأولى، ومن ثم فإنها تحتاج إلي صقل وإعادة صياغة، حتى تظهر كجواهر ثمينة لها قيمتها، وكذلك الحديث عن الملاحظات الميدانية، التي تحتاج إلى تحليل واختبار لمدى دقتها، وعليه يمكن الاستفادة منها لاحقًا، لذا يجبُ على الراصد ألا يهمل أي معلومة أو سلوك يلاحظه، فقد يتوصل من خلاله لمعلومات أكثر أهمية وجدوى، ويمكن لاحقًا أن تمثل أهمية كبيرة لدى المختصين والعلماء.
اقرأ أيضًا: الفنان فايز جريس لـ"الرجل": أشجع "الهلال".. وأدعو للإغراق في المحلية
الجوائز دافع لمزيد من العطاء

كم عدد الجوائز التي حصلت عليها؟
حصلت بتوفيق من الله على كثير من الجوائز خلال مسيرتي الفوتوغرافية، ولعل أقربها تحقيقي لجائزة "الناشط البيئي المميز لعام 24"، وكذلك حصول بعض أعمالي على جوائز تميز مثل فيلم "النسور السمراء في عسير"، الذي حصل على المركز الأول في "مسابقة الوعي البيئي" للعام نفسه، وكذلك حصلت على المركز الأول في "مسابقة اكتشف الخبر" خلال العام نفسه، بالإضافة إلى عدد من الجوائز في الأعوام السابقة.
ماذا يعني لك الفوز بجائزة الناشط البيئي المميز؟
تمثل الجوائز الدافع الذي يعطي قدرًا كبيرًا من الرغبة بمزيد من العطاء، مثلما تمنحني الشعور بالرضا، للتقدير الذي يأتي من الآخرين، جهات كانت أو أفرادًا.
ما النصائح التي تقدمها للأفراد والمؤسسات لتعزيز دورهم في حماية البيئة؟
التنطيمات الحالية في المملكة العربية السعودية مبشرة بالخير، في ظل اهتمام سمو ولي العهد -حفظه الله- بالبيئة، ويظهر ذلك جليًا من خلال سنه للتشريعات والتنظيمات الخاصة بالحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية، كما يتجلى في مشروعات المحميات الملكية، التي غطت جوانب كبيرة من أرض وسماء المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى استحداث الكثير من الجهات التنظيمية والوقائية والأمنية، مثل القوات الخاصة بالأمن البيئي، و"المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر"، وغيرها من الجهات التي لم تكن موجودة في السابق، بالإضافة إلى تطوير أنظمة ولوائح الوزارت والهيئات الحالية، بهدف الإسراع بحماية البيئة، وتحقيق الاستدامة وفق رؤية المملكة الطموح 2030.
مشاريع الشهري ومبادراته الخاصة
هل لديك مشاريع أو مبادرات حالية تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية حماية البيئة؟
نعم، في الحقيقة لدي حالياً الكثير من المشاريع والمبادرات النوعية، ولي كذلك بعض المؤلفات الخاصة برصد الطيور، والأفلام التوعوية التي تظهر أهمية البيئة ودور كل الكائنات حولنا، فلسنا الوحيدين على هذا الكوكب، والله سبحانه قد استخلف الإنسان عليه، لذا فدوره كبير في المحافظة على مكوناته، واستدامة توازنه، وهذا الدور ليس منوطًا فقط بالمختصين والباحثين، بل هو دور يقوم به الجميع في كل مكان وأوان.
اقرأ أيضًا: أنطوان خليفة يكشف لـ"الرجل" معايير اختيار الأفلام في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي
كيف ترى تطور التصوير الفوتوغرافي البيئي في المستقبل؟
لم يعد التصوير الفوتوغرافي مجرد هواية، حيث انتقل إلى مستوى أعلى من الاهتمام، يعززه سعي الكثير من الجهات إلى وجود قواعد بيانات خاصة بها، ومن ثم قامت بإنشاء المراكز الإعلامية، التي تهدف إلى تجويد البيانات، بهدف التواصل مع المستفيدين وصناع القرار، وتلعب الصور هنا دورًا كبيرًا في إيصال الرسالة، أيًّا كانت، لذا فإن التصوير الفوتوغرافي واكب ذلك الاحتياج وتنامى معه، فأصبح مطلوبًا لتوثيق وإبراز الجهود والأعمال.
ما الأهداف التي تسعى لتحقيقها في الأعوام القادمة في مجالي التصوير البيئي والرصد الفطري؟
ما أسعى إليه حاليًّا هو مواكبة التطورات الهائلة في مجال التصوير بشكل عام، بالإضافة إلى متابعة ما يستجد في أمور النظم البيئية والفطرية، ومن خلال ذلك يمكنني وضع الأهداف ورسم الاستراتيجيات، التي أسعى لتحقيقها لاحقًا.
هل هناك نوع معين من الكائنات أو الظواهر الطبيعية التي تسعى إلى توثيقها ولم تسنح لك الفرصة بعد؟
أعمل حاليًا على عدة مشاريع خاصة بالطيور في المملكة العربية السعودية، وبالموائل الطبيعية التي أعادت لها التنظيمات الجديدة الحياة من جديد، كما أنني مهتم بالوعي البيئي والفطري، وتقديم ما من شأنه إيصال الرسالة للمجتمع، وزيادة وعيه بأهمية العوالم الفطرية من حولنا.
أسرار الكون التي لم تُكتشف بعد
ما اللحظة التي شعرت فيها أن عملك أحدث فرقًا حقيقيًّا في التوعية البيئية؟
يمثلُ تفاعل المجتمع والمسؤول مع الأعمال التي أنجزها الفرق الحقيقي، إذ تعني تلك اللحظة أن الرسالة وصلت حقًّا، وتلك الغاية النبيلة من كل عمل أقوم به، وهو التأثير في المتلقي.
كيف تجمع بين عملك كمصور محترف وناشط بيئي وعالم فطري؟
أنا بشكل أدق باحث فطري وناشط بيئي، والتصوير هو جزء من هذا العمل، كونه يعني توثيق الأعمال التي أقوم بها، وهو كذلك رسالة يمكن من خلالها التواصل مع الآخرين، لذا فإن أحدهما يكمل الآخر.
ما الكتاب أو الفيلم الذي ألهمك في مسيرتك البيئية؟
لقد مثلت الأفلام الخاصة بالطبيعة والحياة الطبيعية التي تنتجها القنوات العالمية المتخصصة مصدر إلهام لي، وما زلت أرى بأن في هذه الكواكب الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد، والكثير من الحقائق التي يجب البحث عنها، لذا فأنا في تأمل دائم فيما حولي، وبحث مشوق، وأشعر بكثير من المتعة والحماس لما أقوم به دومًا.
البطاقة التعريفية لـ عوض الشهري
- الاسم: عوض علي الشهري
- مكان وتاريخ الميلاد: منطقة عسير - المملكة العربية السعودية - عام 1977م
- الحالة الاجتماعية: متزوج وله ابن
- الهوايات: تصوير الطبيعة والحياة الطبيعية، انتاج الأفلام الوثائقية، باحث فطري وناشط بيئي
- المهنة: مصور ومدرب فوتوغرافي معتمد، ومصور جوي مرخص
- الدراسة والتخصص: ماجستير قيادة وإدارة
- الجوائز: جائزة الناشط البيئي المميز لعام 2024، المركز الأول لأفضل فيلم بيئي لعام 2024، المركز الأول في مسابقة اكتشف الخبر.