الشاعرة السعودية سكينة الشريف: الرجل في كل أدواره جذوة إلھام للمرأة

تصف نفسها بأنها متأملة في رحلة الإنسانیة، عاشت طفولة ثریة بالإلھام، وشھدت مراحل سابقة لأوانھا من النضج، بما جعلها تعتبر نفسها من الأجیال المخضرمة رغم حداثة عمرها، فيما ترى أن الشعر زكاة الصمت البالغ نصابه، كما أن لها فيه مآرب حدودھا السماء.
إنها سكينة الشريف، أول شاعرة سعودیة یُوثَّق اسمھا وسیرتھا وقصائدھا في موسوعة الشعر العربي "الدیوان"، والتي كان لمنصة "الرجل" هذا الحوار معها.
- في البدایة عرفینا بنفسك؟
متأملة في رحلة الإنسانیة، ورغم الألف میل أرّقتني آلافُ الأسئلة، وطوت دروبي دوامات الاستفھامات المتواترة، ونجواي تُعبد ترددي وتھَذبُ رؤاي وتؤنسُ غربتي.
- كیف بدأت في رحلة الشعر وما الذي ألھمك؟
ولدتُ وجانبي الإیقاعي یوقع بي كثیرًا، فطالما أخبرتني أمي بأني كنت في طفولتي المبكرة أدندنُ بكلمات ذات إیقاعات متناسقة.
لي طفولة ثریة بالإلھام، شھدت خلالھا مراحل سابقة لأوانھا من النضج، ویبدو أنني من الأجیال المخضرمة، التي عاصرت كل شيء باستثنائیة لافتة، فقد تنقلت بین القرى والمدن، وتجرعت التجارب حلوھا ومرھا، ولم أنسَ خلال ذلك أن أحیا طفولتي الجمیلة، وكل ھذا وأكثر كان من شأنه دعم ومؤازرة موھبة الفن والشعر عندي.
وعندما كبرت وكبرت معي مساحات الھموم، ترجل صمتي عن صھوته مفسحًا المجال لھذا البوح العارم، فالشعر زكاة الصمت البالغ نصابه، وثورة الكلمات على ضجیج المادیات، ولي في الشعر مآرب حالمة حدودھا السماء.
- حدثينا عن شعورك بكونك أول شاعرة سعودیة یُوثق اسمھا وسیرتھا وقصائدھا في موسوعة الشعر العربي "الدیوان"؟
تنفسّت شاعریتي الصعداء منذ أن تواصل معي موقع الموسوعة، شعرت أني في حلم أشبه بالخیال، أعلم بأن شعري جیدٌ للحد الذي یجمع حولي الكثیر من رفاق الحرف الصادق والجمیل، ومن عشاق الشعر الأصیل، لكن لم یخطر ببالي أن یوثق شعري بھذه السرعة القیاسیة، التي جعلته یختصرُ الكثیر من المراحل، خلال الفترة التي قررت فيها نشر محاولاتي للكتابة، وھذه المرحلة سنوات بسیطة تُعد على أصابع الكف الواحدة.
لذلك فإن شعوري بالفخر لا یوصف، وشكري بالغ لإدارة الموسوعة وجمیع القائمین علیھا، كما أدین بالفضل لھذه الأرض العظیمة والولّادة للمبدعین، أرض السعودیة الخصبة والواعدة، ولا أنسى جھود وزارة الثقافة الجبارة في الاحتفاء بالشعراء والتشكیلیین المتمیزین، والتي برزت وأثمرت بفضل رؤیة 2030 وفارسها النبیل سمو الأمیر محمد بن سلمان بن عبد العزیز.
- كیف ترین دور موسوعة "الدیوان" في دعم الشعراء والشاعرات العرب؟
موسوعة الدیوان العربیة باتت خريطة لمن ینشدون الحرف الأصیل، ویطربون للعزف العربي الشامخ والنبیل، ومرجعیة كُبرى تضم معظم شعراء العرب المعروفین قدیمًا وحدیثًا.
أراھا عكاظنا الجدید، الذي لعب دورًا إعلامیًا حاذقًا في جمع شعر وشعراء العصور باختلاف مدارسھم وعصورھم، بطریقة منسقة ومنظمة، تُسھل على الباحث الوصول لوجھته الأدبیة، وذلك من شأنه تقدیم فرص سانحة للشعراء لوصول رسائلھم وأفكارھم وقصائدھم للمتلقین.
- برأیك ما العناصر التي جعلت شعرك یستحق التوثیق في ھذه الموسوعة العریقة؟
"أشدوا بلحن الصدق لحنًا آسرًا.. فالصّدق كالسحر المُطَلسمِ في فمي"، أرى أن الصدق حتى في تمویه الخیال له عمق یلامس الأرواح التي تتأمله وتناجیه، فالفن مع متلقیه وعشاقه كتلة لا تتجزّأ، ومنظومة متسقة ومنسجمة، لذلك المتلقون ذوائقھم شفافة وانتقائیة، تعرف من یعزف على أوتارھا بانسیابیة واحترافیة وحب.
ولا بد أن انتشار شاعریة شاعر ما في الأوساط الأدبیة والإعلامیة المعنیة بالأدب، من شأنھا لفت ذوائق أصحاب الشأن الأدبي في أية منصة إعلامیة، بما فیھا الموسوعة العربیة للدیوان.
- كیف ساھم دمجك بین الشعر والفن التشكیلي في تمیّز أعمالك وإبرازھا على الساحة الأدبیة والفنیة؟
كلاھما فن، ونادرا ما یبرع مبتكرھما في النجاح بالتحكم في أزمتھما معًا، فلا بُد من فلسفة حقیقیة ینتھجھا الفنان، ورسائل صادقة لإنسانیته وتأمله، الذي یشارك الناس به من خلالھما.
أحیانًا كنت أرسم لوحة لأعزف بلغة مختلفة، سریالیة أو تجریدیة تحتاج إلى تفكیك رموزھا، رغم أن الرموز ھي ما تشد الذوق الجمال للمتلقي، إلا أن بعض الغموض قد یزینه غموض آخر یباغت المتلقي ویرقي لمستوى ذكائه وفكره، وإني وإن كنت مقلة في تواجدي الفني التشكیلي، إلا أن لي منجزات في ھذا المجال أفخر بھا، دیواني (مغمورة بفن) قائمة فكرة كتابته عن الدمج بین الإثنین.
- ما الإنجاز الذي تعتبرینه الأھم في مسیرتك، سواء في مجال الشعر أو الفن التشكیلي؟
رغم كل ما حققته وأكرمني ﷲ به من نعم جمة في مجال التكریم وفروسیة الشعر والفن، إلا أنني سأھمس لكم بحقیقة ما أعتبره أھم إنجازاتي في مسیرتي القصیرة حتى الآن، ألا وھو أني بقیت حائمة حول حمى صدقي وعفویتي.
- ما الذي یلھمك لكتابة القصائد أو ابتكار لوحات تشكیلیة؟
أحیانًا یستفزني سبب وجیه فأنطلق في دنیا الكتابة أو التشكیل بلا توقف حتى تبلغ غایتي منتھاھا، وأحیانًا مجرد تبني حدث خیالي یجعلني أعیشه فأكتب أو أعبر عنه كأني في قلبه، ينبض التأمل بطاقة عبور الفنان إلى سبر عوالمه الفریدة والآسرة.
وأنا الیوم أعترف أن الأفكار المبھرة ھي ولیدة المواقف الجبارة، وابنة التحدیات المتوالیة والكبیرة، ورغم أن بعضھا قد یأتي مباغتًا للتوقعات؛ فینمو نتیجة تبني العابر من الأفكار، لكنھا تأتي على غیر العادة مفاجئة ومبتكرة .
- ما ھو الأسلوب الذي تفضلینه في الشعر؟ وھل ترین أن الغموض في الشعر ضروري لإبراز جمالیات النص؟
لا بد من التجدد حسب وتیرة المناسبات والأحداث المُلھمة، فما توشحه السریالیة بالجمال، قد تلبسه الواقعیة ثیاب الملل، وما قد توشیه الكلاسیكیة بزمرد الفخامة والإباء، قد یخدش كبریاءه تعنت الحداثة، أرى الفكرة أحیانًا حرّة مجرّدة من سلطة الداخل؛ ففي الشعر الأفكار تكون ولیدة الموقف، رغم أنھا حین تولد تمتد كسیلٍ عارمٍ، أحیانًا قد یؤول إلى فیضانٍ أو قد تتلقفه السدود المنیعة.
وأنا الیوم أعترف أن الأفكار الباھرة ھي ولیدة المواقف الجبارة، وابنة التحدیات المتوالیة والكبیرة، ورغم أن بعضها قد یأتي مباغتًا للتوقعات؛ فینمو نتیجة تبني العابر من الأفكار لكنھا تأتي على غیر العادة مفاجئة ومبتكرة.
الحداثة تناسبني كثیرًا رغم حنیني للكلاسیكیة والأصالة القدیمة، حيث أرى في الحداثة مجالات فضفاضة ومناھضة لقیود الكلاسیكیة، التي قد یمل منھا المتلقي، ومعظم مدارس أعمالي التشكیلیة حداثیة، فھي إما تأثیریة أو سریالیة أو تجریدیة أو تكعیبیة أحیانًا.
اقرأ أيضًا: مصممة الأزياء أميمة عزوز: صنعت هويتي من التراث.. وأزيائي لرمضان تحتفي بالأنوثة والحشمة
- كیف ترین العلاقة بین الشعر والفن التشكیلي؟ وھل یضیف كل منھما بُعدًا مختلفًا للآخر؟
ھناك جاذبیة روحیّة بین الطبیعة والانطلاق، بین الخیال والتفاصیل، بین الیَقظة واتساع المعنى، فلا حدود تقف بین مُتجاذبین، فكلاھما جزء لا یتجزأ من الآخر، ويتكامل في ظل الآخر وینمو ویثمر في أرضه الخصبة.
- كیف تسھم قصائدك في التأثیر على المتلقین وملامسة أرواحھم؟
أرى في القصائد مھما كانت حُلتّھا التي ترتدیھا أمام المتلقین، سواءً عمودیة أو نثریةّ أو حرّة، أنھا یجب أن تكون بطاقة الشاعر للعبور لأرواح الآخرین، ولن یتأتى ذلك ما لم یبث فیھا من تطلعات وآماله وآلامه، حتى تلك التي یحملھا نیابة عنھم.
- ما المشاریع المستقبلیة التي تعملین علیھا لتعزیز حضورك الشعري والفني؟
أسعى للاحتفاظ بھویتي التي جعلتني ما أنا علیه، حتى إذا اكتفیت بما وصلت إلیه حتي الآن، فطموحي یرسمه جناح السمو بالذات والقیم التي تكتنفھا في عالم الفن الصادق والحقیقي.
ففي الحقیقة لست طموحة لتعزیز تواجدي وحضوري الشعري والفني في الساحات الأدبیة والفنیة، بقدر ما أنا طموح لترك بصمتي الصادقة.
ومن ھذا المنطلق، فأنا أكتب وأفكر بحرص وجھد یستحقه المتلقي، حتى وإن كان ممن یتابعني على منصات التواصل الاجتماعي فقط، فيكفي أن يكونوا ممن يقدرون جماليات الفن شعرًا كان أو تشكيلًا.
- كیف تسعین لتطویر مواھبك وفتح آفاق جدیدة في عالم الشعر والفن؟
الثقافة والاطلاع والعمل والتدريب المكثف هي من أبرز أولوياتي حاليًا، فالثقافة ھي وقود المبدعین والوجه اللافت لمتعاطیھا مھما كانت مكانته الأدبیة والاجتماعیة، فالثقافة مثل سلمّ نرتقیه ولا نعود منه أدراجنا أبدًا، ودرجات الثقافة تزداد ولا تقلّ؛ وھي سلاح نحصّن به أحادیثنا وعقولنا ونروي به عطش عروقنا للاطلاع والمعرفة، فتلك جبلة في نفس الأحرار وضالةّ ینشدھا الإنسان المتأمل في ھذه الحیاة؛ لذلك فحصیلتي اللغویة والثقافیة لم تخذلني فوفاؤنا متبادل.
- ھل ھناك فكرة لدمج الفن التشكیلي مع الشعر في مشاریعك القادمة بطریقة جدیدة ومبتكرة؟
ربما لأنهما يجتمعان عندي كملكة تغذيها إعادة التشكيل، فالدمج بينهما لا يشكل تكلفًا أو ضرورة لابتكارات شاقّة، طبيعة التشكيلي تميل للتجديد وإعادة الصياغة والابتكار، فلا فن بلا ابتكار ولا إعادة صياغة.
وديواني الأخير من الشواهد على هذا الدمج، وربما في المستقبل أخرج بجديد ومناسب للجمع بين الاثنين في مخرج فني أدبي مختلف بإذن الله.
- من كان له التأثیر الأكبر في دعم مسیرتك الشعریة والفنیة؟
كوني زوجة وأمًّا محبة لأسرتي الصغیرة، التي كانت وما زالت بعد توفیق ﷲ تمھد لي دروب المجد والإبداع، فھم مرآة أفكاري وأنا امتداد ثقتھم وعطاء قلوبھم؛ محبتي لعائلتي جذوة إلھام لا تنطفئ بإذن ﷲ.
- برأیك، كیف یمكن للرجال أن یدعموا المرأة المبدعة في المجتمع السعودي؟
بما أن الرجل ھو جذوة إلھام للمرأة، فھذا ھو سرّ الشرارة الأولى للتكامل بین الاثنین، وھذا مستمد من إبداع الخالق في جعلھما وجھين یتكاملان في مرآة واحدة.
الرجل أب وأخ وزوج وابن، وفي كل أدواره وحالاته رمز عطاء وأمان، وحاجة ملحة في حیاتھا، لذلك أرى المثقفین من رجالنا آخذین بأیادي نسائھم نحو الثریا بفخر.
- ھل ھناك شخصیة رجالیة تعتبرینھا مصدر إلھام لك في مشوارك الإبداعي؟
سيبقى زوجي وشريك أيامي وفني بلا منازع، فقد شكّل لي بشخصیته الفریدة وقلبه النابض بالوفاء والحب وشاعریته التي لا یشق لھا غبار ملاذًا ووطنًا ولدت في حنیاه طفلة لم تكبر قط، فھو معیني في الحب والفن والشعر، وھو المستشار الأول والداعم خلف الكوالیس.
- كیف أثرت البدایة على مواقع التواصل الاجتماعي في بناء قاعدة جماھیریة لأعمالك؟
أثرت كثیرًا، فمثل ھذه التقنیة شكلت قنوات سریعة لانتشار المبدعین بصفة عامة، ویري المثقف في منصة مثل (X) مثلًا وجھته الأولى في نشر نص أدبي أو مقالة، لاسیما بعد إتاحة المجال لزیادة مساحة الأسطر، لكن تبقى عقبة التوثیق وسرقة الأفكار واردة دائمًا، وتلك من سلبیات النشر عبرھا.
- ما أبرز التحدیات التي واجھتك في الجمع بین الشعر والفن التشكیلي؟
معضلة الجمع بین أمرین بصفة عامة ھي ھاجس الإتقان، لذلك تجاوزت عبء الھواجس للعمل بوتیرة عفویة لا یقیدھا ترقب الآراء، بقدر ما یعنیھا جودة الطرح.
- كیف ترین تأثیر الشعر والفن في تعزیز الذوق الجمالي لدى الجمھور؟
الذوق الجمالي منظومة متكاملة، بین الفنان وصُنّاع الجمال، وبین متلقیه ومتذوقه وبین سندیان الناقد أو حذاقة تلقیه، وأخيرًا الفن التشكیلي والأدبي وجھة حضاریة یسعى إلیھا الإنسان في رحلة سموّه وتسامیه.