حاسوب Colossus الخارق: عملاق إيلون ماسك الذي قد يغيّر شكل المستقبل

يعرف الجميع أن الملياردير إيلون ماسك ليس رجلًا عاديًا، ولكن أن يأتي هذا الاعتراف من جنسن هوانج، رئيس ثاني أكبر شركة في العالم حاليًا "إنفيديا" (بقيمة تتخطى 3 تريليونات دولار)، هو شيء مختلف بكل تأكيد، فقد وصف "ماسك" بأنه "إنسان خارق Superhuman"، وذلك في أعقاب نجاح شركة الأخير للذكاء الاصطناعي xAI في بناء الحاسوب العملاق "كولوسيس Colossus" أو العملاق طبقًا للترجمة الحرفية عن اللغة الإنجليزية.
لقد نجح ماسك في بناء هذا الحاسوب بالاعتماد -في البداية فحسب- على 100 ألف شريحة من شرائح Nvidia H100 المتطورة، في غضون 19 يومًا فقط؛ وهي مهمة عادةً ما تستغرق شهورًا أو حتى سنوات لإنجازها.
وبعيدًا عن المدة، فقد أُنفِقَ على شرائح إنفيديا المذكورة وحدها حوالي 2.5 مليار دولار، فما بالك بتكلفة الحاسوب الإجمالية؟
لكن السؤال الأهم: ما الهدف من بناء حاسوبٍ كهذا؟ هل يستحق كل هذا العناء والمال؟
حاسوب Colossus ما الذي يجعله مميزًا؟

في 5 يونيو 2024، تم الإعلان أن حاسوب Colossus الخارق سيكون متمركزًا في مدينة ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية، والحاسوب، وفقًا لما وصفته الشركة المسؤولة عنه والتابعة لإيلون ماسك xAI، هو "أضخم حاسوب عملاق في العالم"، وقد تم تقديم هذا النظام بالكامل في غضون 122 يومًا فقط، متجاوزًا بذلك كل التقديرات الأولية.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث قامت الشركة -بالتعاون مع شركتي Dell وSupermicro- بمضاعفة قدراته في غضون 92 يومًا، ليصل إلى 200 ألف وحدة معالجة رسومية، مؤكدةً أن هذه "ليست سوى البداية".
التوقعات الأولية كانت تُشير إلى أن المشروع سيستغرق 24 شهرًا، غير أنه أُنجز في غضون 4 شهور فقط، ففي سبتمبر من العام الماضي، أُطلق الوحش رسميًا في المدينة المذكورة، واتخذ من منشأة تصنيع سابقة تابعة لشركة Electrolux بنيةً تحتية له.
إنجاز الحاسوب الخارق في وقت قياسي
بدأ الحاسوب الخارق Colossus العمل بـ 100 ألف وحدة رسومية من طراز Nvidia H100، وهو ما جعله فورًا أحد أبرز منصات تدريب الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، لا سيما وأن هذه الوحدات نُشرت في 19 يومًا فقط كما أشرنا في المقدمة.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تهيئة مثل هذه البنية التحتية واسعة النطاق تستغرق عادةً أشهرًا، بل وربما سنوات، فإن سرعة عملية النشر نفسها قد نالت اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام وقطاع مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وقد أتاحت هذه المرحلة الأولية تحقيق مستويات معالجة فائقة، مما مكن xAI من التعامل مع نماذج الذكاء الاصطناعي شديدة التعقيد بسرعات متطورة.
مواصفات حاسوب Colossus الخارقة

في نوفمبر 2024، أي بعد إطلاق الحاسوب الخارق بشهرين فقط، أفصحت شركة xAI عن خططها لمضاعفة قدرات Colossus ورفع إجمالي عدد وحدات المعالجة الرسومية إلى 200 ألف شريحة؛ منها 50 ألفًا من طراز H200 القائمة على معمارية Blackwell، والتي تُكلّف الشريحة الواحدة العادية منها حوالي 30 ألف دولار.
وبالفعل؛ حققت الشركة هدفها المرجو مؤخرًا، حيث بات الحاسوب يتألّف من 200 ألف وحدة معالجة رسومية، تعمل جميعها ببطاريات Megapack من تسلا.
ويستهلك Colossus الآن 150 ميجاواط من الشبكة العامة لمدينة ممفيس، مع تطلعات من ماسك لمضاعفة هذا الرقم قبل نهاية العام الحالي.
وإذا أردت تتخيل مدى حجم هذه الطاقة، فدعنا نُخبرك بأنها تكفي لتزويد 300 ألف منزل بالكهرباء، وهو ما أثار مخاوف بشأن ما إذا كانت طاقة المدينة نفسها قادرة على هذا العطاء أم لا؟!
ولا يقتصر تميز الحاسوب العملاق Colossus على قدرته الحاسوبية الخام فحسب، حيث يمتلك بنية تحتية مُصممة خصيصًا للذكاء الاصطناعي وتدريب النماذج المتقدمة على نطاقٍ واسع، إذ تمت هندسة هذا النظام لاستيعاب مجموعات بيانات ضخمة، وتنفيذ خوارزميات متوازية بدرجة عالية، مُلبيًا بذلك المتطلبات الفريدة لأعباء عمل الذكاء الاصطناعي الحديثة.
ويستخدم Colossus منظومة تبريد سائلة مخصصة (Supermicro 4U Universal GPU Liquid-Cooled system)، تختلف كليًا عن أنظمة التبريد التقليدية لتبديد الحرارة المهولة التي تنتج عن متطلبات الجهاز ومعالجاته الرسومية.
لكن المشكلة أن ماسك يسعى بطريقة أو بأخرى لزيادة عدد المعالجات الرسومية إلى مليون وحدة وذلك لسحق منافسيه، مثل شركة Oracle، والتي تُشير التقديرات إلى امتلاكها ما لا يقل عن 131 ألف وحدة معالجة رسومية.
وبما أن الطاقة التي يستهلكها Colossus مهولة بالفعل، فمن المهم أن نذكر أن شبكة الكهرباء في ممفيس لم توفر له سوى 7 ميجاواط في البداية، ولتوفير المزيد من الطاقة لاحقًا، اضطُرت شركة xAI إلى استخدام مولدات تعمل بالغاز الطبيعي، وهو ما أثار شكاوى السكان المحليين، وهذه واحدة من أبرز التحديات التي تقف أمام مستقبل المشروع، لكن نعاود السؤال: ما الهدف من كل ذلك؟
اقرأ أيضًا: تحالف جديد يقود سباق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بمشاركة xAI وإنفيديا
تأثير حاسوب Colossus على مستقبل التكنولوجيا

الهدف من حاسوب Colossus وغيره من الحواسيب الخارقة، هو إعادة تشكيل مستقبل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وذلك ليس باختصار الزمن اللازم لبناء تقنيات ذكاء اصطناعي جديدة فحسب، بل بناء أنظمة معقدة للغاية أيضًا بطرق لم تكن ممكنة في السابق.
من البديهي أن تركيز Colossus سيكون منصبًا على النموذج اللغوي الكبير Grok التابع لشركة xAI، لكن الطموحات لن تتوقف عند تحسين النماذج اللغوية عمومًا، حيث سيتم اقتحام مجالات بحثية جديدة، كان العمل عليها مُقيدًا بسبب محدودية الموارد الحاسوبية، وتؤكد على ذلك رؤية ماسك نفسها لـGrok، حيث يعتبره أداة لـ"فهم الكون" حسب وصفه، ما يعني أنه وسيلة وليس غاية.
استخدامات حاسوب إيلون ماسك في الذكاء الاصطناعي

احتاج نموذج Grok 2 إلى حوالي 20 ألف وحدة معالجة رسومية من طراز H100 لتدريبه، بينما استخدمت xAI أكثر من 100 ألف وحدة معالجة رسومية لتدريب Grok 3، وهذا يُفسر الفجوة الكبيرة في قدراتهما.
كما تلاحظ، تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGrok وغيرهما موارد ضخمة في عملية التدريب، لا سيما في الإصدارات المتقدمة منها، وهناك فيزيائي يدعى "يان لو دو" أراد أن يحسب الطاقة التي تستهلكها 100 ألف وحدة H100، فوجد أنها تعادل 7% من طاقة مفاعل نووي!
وخلال شهر واحد، تصل الطاقة المُستهلكة إلى حوالي 181 تريليون جول، وهو ما يعادل تقريبًا 10 آلاف ضعف الطاقة التي يستهلكها الدماغ البشري على مدار 30 عامًا.
في النهاية، إذا كنت لا تعرف كيف سينعكس هذا الأمر على البشرية من الناحية العملية، فلا بد أن تفهم أن الهدف من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي هو تحسين قدرته على التفكير، وكلما كانت النماذج مُدربة بشكلٍ جيد، انعكس ذلك بشكل مباشر على جودة المخرجات، وبالتالي على القطاعات الحساسة وغير الحساسة التي يدخل الذكاء الاصطناعي، الذي بات جزءًا أساسيًا من معظم إن لم يكن من كل المجالات المحورية تقريبًا.
ووجود حواسيب خارقة مثل Colossus وغيره مهمٌ لمستقبل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وبالتبعية مستقبلنا، ولكن تظل الطاقة التي تتطلبها هذه الحواسيب تطرح أسئلة وتفرض معضلات أخلاقية علينا أن نفكر فيها بجدية، أهمها: هل نُكمل في طريقنا الحالي ونؤثر على البيئة والكوكب؟ أم نؤجّل التطور قليلًا إلى حين إيجاد البدائل؟