كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُعزز العمل الخيري في رمضان؟




"رمضان" فرصتنا الذهبية لكل الأعمال الخيرة، اقتداءً برسولنا الكريم، الذي ورد في صحيح البخاري أنه كان أجود الناس، وأنه كان أجود ما يكون في رمضان، وبما أننا في 2025، حيث تتداخل التكنولوجيا مع كل شيء تقريبًا، فكّرنا في كيفية الاستفادة من التقنيات الأحدث وتطويعها في العمل الخيري.
كيف غيرت التقنيات الحديثة تجربة شهر رمضان؟

وجدت قيم شهر رمضان بطريقةٍ ما فضاءًا جديدًا تعبر فيه عن نفسها، يتمثل في التقنية، فقد بات من السهل متابعة أوقات الصلاة والإمساك باستخدام تطبيقات الهاتف الذكي، كما بات من السهل مشاهدة البث المباشرة للدروس الدينية، كما أصبحنا قادرين على التواصل مباشرةً مع علماء الدين عبر وسائل التواصل، بالإضافة إلى الكثير من أشكال استخدام التقنية.
- الموائد الافتراضية:
لطالما كانت جلسات الإفطار العائلية رمزًا دافئًا في رمضان، ولكن قد يضطر أحد أفراد العائلة للاغتراب لسبب أو لآخر، وهنا يأتي دور وسائل التواصل، التي قرَّبت المسافات، وجعلتنا نجتمع لنتناول الإفطار معًا رغم آلاف الأميال التي تفصل بيننا، صحيحٌ أن اللقاءات الرقمية لا ترتقي لمستوى الاجتماعات على أرض الواقع، لكنها أفضل من لا شيء، وذلك بفضل تطبيقات مثل Facebook، وWhatsApp، وZoom، وGoogle Meet، وغيرها.
- موارد دينية على مدار الساعة:
فتحت الهواتف والأجهزة المحمولة الذكية بابًا واسعًا للوصول إلى جميع الموارد الدينية التي قد نحتاجها، لقد بات باستطاعتنا الوصول إلى التلاوات القرآنية، والدروس الدينية، وحتى ختم القرآن أونلاين، وبفضل الكثير من التطبيقات الدينية، أصبحت سبل التقرّب إلى الله بالعبادات أمرًا ميسورًا وأسهل من أي وقتٍ مضى، لمن يملك الهمة.
- تعزيز الأجواء الرمضانية:
نفس منصات التواصل قد تُعزز من الأجواء الرمضانية، بفضل صور موائد الإفطار التي يتم مشاركتها، أو التحديات التي يُطلقها البعض لقراءة القرآن يوميًا، أو الوصفات المناسبة للإفطار والسحور، وغيرها من الأشياء التي تُعزز من روح الشهر الفضيل.
اقرأ أيضًا: أفضل الوجهات لأجواء رمضانية خاصة: عبق روحاني ومتعة الاستكشاف
- الفعاليات والندوات الافتراضية:
تبث بعض المساجد والمؤسسات الخيرية الدروس الدينية ويوميات رمضان عبر مواقعها وصفحاتها، لكي يصل صوتها لكل متابع، وصلاة التراويح، على سبيل المثال لا الحصر، تُبَث مباشرةً، والجميع يستطيع حضورها افتراضيًا طوال أيام رمضان.
تسخير التكنولوجيا لزيادة حجم العطاء في رمضان

بالعودة لموضوعنا الأساسي، سنرى أن التكنولوجيا تُلهم الناس وتساعد في زيادة حجم العطاء خلال شهر رمضان، فبدلًا من الاعتماد الحصري على صناديق التبرع التقليدية وما إلى ذلك، أصبح المجال أوسع والوصول إلى جمهور متنوع أسرع من أي وقت مضى، من خلال:
- منصات جمع التبرعات:
غيّرت مواقع "التمويل الجماعي Crowdfunding" الكثير من القواعد بالنسبة للعمل الخيري، حيث أصبح باستطاعة أي شخص يريد تمويل مشروعه أن يفعل ذلك بسهولة عبر الإنترنت، وذلك من خلال المواقع المذكورة على غرار GoFundMe وJustGiving، وفي هذه المواقع، ينشر الباحث عن التمويل قصته وقصة مشروعه بالتفصيل، ويطلب المبلغ الذي يريده، وغالبًا ما تُستخدم هذه المواقع بكثرة في المناسبات الخيرية، وعلى رأسها شهر رمضان.
- أنظمة إدارة العلاقات مع المتبرعين:
يتطلب العمل الخيري الناجح إدارة ذكية للعلاقات مع المتبرعين، خاصةً إذا كنا نتحدث على نطاقٍ واسع، وهناك أدوات لتحليل البيانات ومنصات مخصصة للجهات غير الربحية، مثل منصة "Salesforce Nonprofit Cloud"، والتي تُمكن الجمعيات من فهم سلوك المتبرعين وتوجيه الرسائل المناسبة للأشخاص المناسبين، فيما يُمكن تتبع تفاعلات كل متبرع وتفضيلاته، ومن ثم تعديل أسلوب التواصل، لتعزيز الثقة وزيادة الإقبال على المساهمة المالية أو التطوعية.
- التبرعات عبر الهواتف والبطاقات الذكية:
بفضل تقنيات مثل الـNFC، أصبحت تبرعات اليوم تُنجَز بلمسة؛ وبعض الجمعيات الخيرية تطوّر تطبيقات مخصصة للهواتف الذكية، تتيح للمتبرعين إمكانية التبرع مباشرة بضغطة زر من خلال التطبيق، دون الحاجة إلى الذهاب لمكان الجمعية أو التعامل النقدي التقليدي، وهناك أيضًا إمكانية الدفع بالبطاقات Contactless Payment، حيث انتشرت في الأماكن العامة (مثل الأسواق، المراكز التجارية، المساجد، الأماكن المزدحمة) أجهزة صغيرة تتيح التبرع الفوري، عن طريق تمرير البطاقة البنكية أمام الجهاز، دون الحاجة إلى إدخال رقم سري، ما يسرع جدًا من العملية.
- الشفافية القائمة على البلوكتشين:
تتيح تقنية "سلسلة الكتل Blockchain" مستوى غير مسبوق من الشفافية، حيث يمكن للمتبرع التأكد من مسار أمواله حتى تصل إلى الجهة المنشودة، وبعض المؤسسات بدأت في استخدام هذه التقنية لكسب ثقة المتبرعين، إذ عندما يعرف الناس أين تذهب أموالهم بوضوح، تزداد فرص تبرعهم.
اقرأ أيضًا: أخطاء غذائية شائعة احذرها في رمضان
- إدارة المتطوعين إلكترونيًا:
مع كثرة الأنشطة الخيرية في رمضان، قد يواجه القائمون على العمل الخيري صعوبةً في تنظيم جداول المتطوعين وتوزيع المهام، وقد سهّلت المنصات الإلكترونية عمليات إدارة القوائم، وتحديد المواعيد، وتوضيح الأدوار المطلوبة، إلخ.
أفكار مبتكرة للصدقة في رمضان

على الرغم من بساطة فكرة التصدّق، فإن توظيف التكنولوجيا في العملية يتيح أفكارًا مبدعة وغير معتادة، تترك أثرًا كبيرًا، وعلى سبيل المثال:
- حملات الواقع الافتراضي:
تستثمر بعض المنظمات في تقنيات الواقع الافتراضي VR، وتوظفها في عرض ظروف المحتاجين بشكلٍ أقرب للحقيقة، فعندما يرتدي الشخص هذه النظارات ويرى المأساة بشكلٍ أوقع، تزداد فرص التبرع.
- المسابقات والتحديات التفاعلية:
منصة مثل "تيك توك" أو "إنستجرام" قد تحتضن تحديًا يهدف لجمع التبرعات لمشروع خيري ما، ويمكن للمشاركين في هذه التحديات أن يكتفوا بنشر فيديوهات مع وسوم Tags محددة يتم التبرع عليها، أو بمعنى آخر استخدامها في الوصول إلى الحملات بسهولة.
- الطهي الجماعي الرقمي:
من أجمل مظاهر رمضان تجمع الناس حول مائدة الإفطار، فلماذا لا نربط هذه الفكرة بالعمل الخيري؟
هذا ما حدث عندما أطلق بعض الشباب مبادرات عبر الإنترنت لتحضير وجبات للمحتاجين، حيث يشارك الناس وصفات صحية وسهلة، ويُحمّلون صور الوجبات قبل إيصالها لمكان محدد يُجمعها ويوزّعها، فيما يتعاون في هذه الوجبات أشخاص من بلدان متعددة، وكلهم يجتمعون على رغبة صناعة الفرق في حياة الآخرين.
- ورش رقمية لصناعة صناديق رمضان:
يُفضل البعض إعداد وجبات للإفطار أو السحور بشكل شخصي وتوزيعها على المحتاجين، وعلى الجانب الآخر، هناك أشخاص يرغبون بالمشاركة، لكنهم لا يعرفون من أين يبدأون، ومن هنا ظهرت فكرة ورش العمل الافتراضية التي يقدمها نشطاء أو طُهاة معروفون على وسائل التواصل، ويشرحون من خلالها كيفية إعداد الوجبات بأبسط الطرق، فضلًا عن كيفية التعبئة وطريقة الحفاظ على جودتها، وقد نجحت الكثير من هذه الورش في إثارة حماس الكثير من المتابعين، وشجعتهم على المساهمة الفعالة في العمل الخيري بشكل مباشر.
في النهاية، يجب التأكيد على أن التكنولوجيا أضافت بُعدًا مميزًا إلى الشهر الفضيل، حيث سهّلت من عملية الوصول إلى المحتاجين وعززت من العمل الخيري بشكلٍ كبير كما رأينا، ولكن يجب أن ننتبه إلى شيء في غاية الأهمية، وهو مراعاة خصوصية المحتاجين وتجنب عدم تحويل هذه الأعمال الخيرية النبيلة إلى مجرد أرقام في تقارير أو حملات سريعة النسيان، وقبل كل ذلك عدم استغلالها بأي شكل مؤذٍ للمشاعر.