دروس قيادة الأعمال من كبار الرؤساء التنفيذيين: عصارة سنوات من الخبرة

مرَّ القادة والرؤساء التنفيذيون بالكثير من التجارب، التي أكسبتهم خبرات متنوعة، وجعلتهم يحققون نتائج استثنائية في حياتهم.
"ستيف جوبز"، و"جيف بيزوس"، و"وارن بافيت"، و"إيلون ماسك"، وغيرهم الكثير من أثرى أثرياء العالم، لديهم دروسٌ في القيادة يمكن التعلم منها، لتغيير بيئات الأعمال 180 درجة، فما هي هذه الدروس؟
دروس القيادة من أنجح القادة في العالم

ربما تسأل ما الذي يمكن أن نتعلمه من كبار الرؤساء التنفيذيين؟ وهو السؤال الذي تتلخص إجابته في النقاط التالية.
1. كُن مستمعًا جيدًا:
المقصود بالاستماع الجيد هو "الاستماع الفعال Active listening"، أي محاولة استخدام كل جوارحك وأنت تستمع للآخرين، وتتأنى لتفهم ما يقولونه، خاصة إذا كانت أفكارهم مُختلفة عن أفكارك، ويتطلب هذا الأمر درجة كبيرة من التأني حتى تستوعب كل شيء يُقال.
ومن أبرز القادة الذين كانوا يشجعون على هذه المهارة "ستيف جوبز"، وإن كان بشكلٍ غير مباشر، وقد كان "جوبز" عمومًا يمتلك مهارات تواصل استثنائية، وقد كانت مهاراته مُكتسبة وليست فطرية على حد قول "ستيف ووزنياك"، ما يعني إمكانية العمل على اكتساب تلك المهارات كما اكتسبها "جوبز".
فعلى عكس الخطابات الفردية التي يُلقيها القادة، يُشعر الحوار المتبادل الفريق بالتقدير، ويمنح الجميع الفرصة للتعبير عن أفكارهم، مما يجعل الموظفين ينتمون إلى المؤسسة التي يعملون لديها.
2. كن حازمًا، لكن تقبل التكيف:
يُشكل الحزم جزءًا أساسيًا من مفهوم القيادة الفعّالة، لكن هذه الصفة يجب أن تكون مصبوغة بدرجة من المرونة والتكيف، حتى يُكتب لصاحبها النجاح، ويشرح "جيف بيزوس" هذه الفكرة بنفسه من خلال قاعدة "الباب ثنائي الاتجاه two-way door"، حيث يركز على أن الجمع بين الحسم والمرونة يمكن أن يقود المنظمات نحو تحقيق نتائج فعالة.
بمعنى أبسط: يقول "بيزوس" إن هناك نوعين من القرارات:
- قرار "الباب ذي الاتجاه الواحد": وهذا يتطلب الحزم، لأن تكلفة الرجوع فيه تكون باهظة جدًا، كما أنه يتطلب دراسة متأنية وتفكيرًا عميقًا قبل اتخاذه، وكمثال: تشييد مصنع ضخم بتكلفة كبيرة أو الاستحواذ على شركة بقيمة 5 ملايين دولار، هنا يجب عليك أن تكون حازمًا، أي تعرف ما الذي تفعله جيدًا، لأنك تضع 5 ملايين دولار على المحك.
- قرار "الباب ذي الاتجاهين": أما في هذا النوع، فيمكنك أن تكون مرنًا أو تتساهل لدرجةٍ معينة، لأنك لو اكتشفت خطئًا ما ستستطيع أن تُصلحه غالبًا، مثلًا: تجربة تصميم جديد لواجهة موقعك الإلكتروني.
ولكن، من المهم أن نفهم أن المرونة هنا لا تعني اتخاذ قرارات هوجاء أو غير مدروسة، بل تعني الاستعداد لتعديل الخطط والاستراتيجيات باستمرار حسب ما تستوجبه الظروف، وفي العموم، الأمر يتطلب موازنة دقيقة بين الحزم في القرارات، والاستعداد لتغيير الخطط بشكلٍ مرن.
3. كُن مبدعًا وتقبل الفشل:
تحدثنا مرارًا وتكرارًا عن الإبداع في بيئات العمل، وأهمية هذه السمة المحورية في كتابة قصص النجاح المختلفة، ورجل الأعمال الملياردير "إيلون ماسك" يُقدر هذه السمة جدًا، ويعرف أن الفشل قد يكون نتيجة طبيعية لها في بعض الأحيان، لكنه أيضًا يعرف أن بيئة العمل التي تدعم المخاطرة والابتكار تُسهم بشكل ضخم في دفع عجلة النمو، وهذه الفلسفة يتبناها أغنى رجل في العالم، ويجب علينا جميعًا أن نضعها في عين الاعتبار عندما نُقبل على أي تجربة جديدة.
4. عبّر عن أفكارك بوضوح:
من أبرز النماذج التي نجحت بفضل مهاراتها في التعبير عن نفسها وأفكارها، هي الإعلامية الغنية عن التعريف "أوبرا وينفري"، حيث أثبتت أنها تستطيع إيصال أفكارها بأسلوبٍ مُقنع ومؤثر، مما جعلها نموذجًا قياديًا بارزًا في كل مبادرة ارتبطت باسمها منذ بداياتها.
إنّ النجاح في التعبير عن أفكارك وصياغتها بوضوح، وبلغة يفهمها الآخرين، سيحفزهم ليصبحوا جزءًا لا يتجزأ من هذه الأفكار والرؤى، وباختصار، يحتاج القادة الحقيقيون والرؤساء التنفيذيون أن يعبروا عن أفكارهم بطريقة تُلهم الآخرين، وتُشعل الحماس لديهم، حتى يُخرجوا أفضل ما عندهم.
5. قُد بعطف:
هذا النوع من القيادة، الذي يتجلى في نموذج "مايكروسوفت" بقيادة "ساتيا ناديلا" مثلًا، يقوم على فهم المواقف من منظور كل فرد من أفراد الفريق، مع إدراك أهمية مشاعرهم واحتياجاتهم.
ويساهم هذا النهج في خلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالتقدير والاهتمام، وبالتالي يعملون بأفضل ما لديهم، ومع ذلك، من المهم أن تعرف أيضًا أن التعاطف في القيادة لا يعني التهاون في المعايير الأساسية، وإنما مراعاة الموظفين وتقديم أفضل بيئة ودعم نفسي ممكن لهم، عن طريق التحفيز والإلهام، حتى تزداد إنتاجيتهم.
6. تعلم باستمرار:
أصبح التعلم المستمر ضرورة لا رفاهية، خاصةً بالنسبة للقادة والمديرين، فالمشهدين التجاري والاقتصادي يتغيران باستمرار، مما يفرض نهج التعلم المستمر كسبيلٍ وحيد لمواكبة هذه التغيرات، ومن التجارب التي يُحتذى بها في هذا الصدد تجربة الملياردير الأمريكي "وارن بافيت"، والذي يعد مثالًا للإصرار على تطوير الذات عبر المعرفة الدائمة حتى يومنا هذا.
فلم يُحقق "بافيت" ثروته التي تخطت الـ146 مليار دولار بمحض الصدفة، وإنما بتخصيص ساعات طويلة يوميًا للقراءة والاطلاع على مجريات الأسواق وتحليل تقلباتها، وهكذا تحول التعلم المستمر من مجرد عادة إلى ضرورة حياتية، أكسبته وما زالت تُكسبه المليارات.
7. تحلَّ بالنزاهة:
تُعتبر النزاهة بمثابة البوصلة الأخلاقية، التي توجه القادة نحو اتخاذ قرارات تتسم بالشفافية، وجميعنا نعرف كيف يمكن للشفافية أن تخلق إرثًا يُخلّد اسم الشركات والمؤسسات، وإذا كنت تحتاج لمعرفة متعمقة حول أهمية امتثال الشركات للأخلاقيات، فاطلع على التقرير المتعلق بهذا الأمر على منصة "الرجل".
اقرأ أيضًا: لماذا يجب على الشركات أن تمتثل للأخلاقيات؟
أسرار النجاح من كبار الرؤساء التنفيذيين

وبعد أن تعرفنا على دروس القيادة، ماذا عن أسرار نجاح كبار الرؤساء التنفيذيين، هذا ما سوف نتعرف عليه منهم.
1. آمن بفكرتك ومشروعك:
يقول السير ورجل الأعمال البريطاني "ريتشارد برانسون"، إنك إذا لم تكن فخورًا بما تفعله، فلا يجب عليك أن تتوقع من الآخرين ذلك، وفي هذا السياق يشدد "برانسون" على أهمية إيمانك بمدى قوة فكرتك ومشروعك، حتى لو عارضها الآخرون، وإلى جانب ذلك، عندما يكون الشخص مؤمنًا بفكرته، فإنه يكون متحمسًا لها، وعندما يكون متحمسًا لها يستطيع أن يبدع فيها، بل ويصبح الأفضل مجاله.
2. لا تُركز على الأرباح والنمو في البداية:
يُتابع السير "برانسون" ويقول، إن التركيز المفرط على تحقيق الأرباح والنمو في البداية يمكن أن يكون مُضللًا، عوضًا عن ذلك، ينصح بالتركيز على التفرد والإبداع فيما تفعله، مُشيرًا إلى أن النمو والنجاح المالي غالبًا ما يأتيان كنتيجةٍ طبيعية لذلك، وبعيدًا عن العمل، يمكننا أن نعتبر هذه رسالة عامة وشاملة تدعوك لأن تكون فخورًا بأي شيء تقدمه.
3. حدد أولوياتك وفوض أعمالك:
السر الثالث للنجاح يكمن في تحديد الأولويات حسب الأهم من حيث ضرورة الإنجاز، وذلك باستخدام أي طريقة مثل "مصفوفة أيزنهاور"، وبعد ترتيب المهام من حيث أولوية الإنجاز، يجب أن يتم إسناد الأقل أهمية منها للآخرين متى أُتيحت الفرصة، حتى تُركز أنت كقائد على الأشياء الأهم، وطبعًا لا يجوز لك إجحاف موظفيك أو إثقال كاهلهم بعملٍ إضافي، وإذا حتمت الظروف ذلك، فيجب أن تُعوضهم ماليًا على الأقل.
4. درّب الموظفين وتوقع منهم شيئًا:
يقول "آري وينزويج"، المؤسس والرئيس التنفيذي لسلسة Zingerman's للأطعمة الفاخرة: "إن تحديد التوقعات بوضوح، وتوفير أدوات التدريب، هما المفتاح لبناء مستقبل أفضل"، ويُشير ذلك إلى أن توقع بعض النتائج من الموظفين، حتى لو كانت بسيطة، يحفزهم على العمل والإنتاجية، لا سيما إن أُضيف عامل التدريب إلى هذا الأمر.
5. كن لطيفًا:
عندما يكون القائد لطيفًا يبذل فريقه قصارى جهدهم ليساعدوه على تحقيق رؤيته وأهدافه، ربما يكون من المفاجئ أن تعلم أن "مارك كوبان"؛ مالك فريق "دالاس مافريكس Dallas Mavericks" لكرة السلة والمستثمر الشهير ببرنامج "شارك تانك"، هو شخصٌ لطيفٌ ومحبوب، بينما يُعرّف "كوبان" بتجاوزه الحدود من أجل مُعجبيه، وهو بنفسه قال إن كونك لطيفًا ضرورة في مجال الأعمال. عندما يُحبك فريقك ويحترمك، ستزداد درجة تعاونهم ودعمهم لك، ومن المؤكد أن إعمال العقل أفضل من العواطف في مجال ريادة الأعمال، لكن لا يمكن لأحد أن يتجاهل الجانب الإنساني.
استراتيجيات القيادة من الرؤساء التنفيذيين الناجحين

هناك استراتيجيات للقيادة يتبعها عدد من الرؤساء التنفيذيين الناجحين، ومنها:
1. القيادة برؤية:
قُد برؤية، فجوهر نجاح الرئيس التنفيذي يكمن في رؤيته المُلهمة، التي تُحفز فريق العمل بأكمله على التميز وتحقيق الإنجازات، ولا يقتصر هذا النوع من القيادة على امتلاك رؤية مستقبلية فقط، بل القدرة على تجسيدها في كل جوانب العمل، ونستشهد بـ"ستيف جوبز" مُجددًا، لأنه يُعتبر نموذجًا مثاليًا للقائد الذي يمتلك رؤية واضحة.
في أواخر السبعينيات كانت أجهزة الكمبيوتر الشخصية ضخمة جدًا وغير عملية، "جوبز" رأى مستقبلًا مُختلفًا تمامًا، حيث تخيل أجهزة كمبيوتر صغيرة الحجم وسهلة الاستخدام، يمكن للجميع امتلاكها، فتولى مهمة تطوير "الماكنتوش"، الذي أحدث ثورة في عالم التكنولوجيا، بواجهته الرسومية المبتكرة، والفأرة التي كانت أداة جديدة في ذلك الوقت، والبقية تاريخ.
اقرأ أيضًا: القيادة التحويلية.. كيف تُلهم فريقك وتحقق رؤية مؤسستك؟
2. الاعتماد على البيانات في صنع القرارات:
يعتمد الرؤساء التنفيذيون الناجحون على البيانات والتحليلات المتقدمة لدعم عملية اتخاذ القرار، ويستخدم هؤلاء القادة البيانات لفهم توجهات السوق وسلوك العملاء بشكلٍ عميق، فالاعتماد على البيانات في اتخاذ القرارات يُعزز من فرص النمو، ويمنح أصحابه ميزة تنافسية كبيرة، ومن أبرز النماذج التي تُجسد هذه الفلسفة القيادية هي "جيني روميتي"؛ الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "آي بي إم IBM".
قادت "روميتي" عملية تحول الشركة إلى شركة تعتمد على البيانات بشكلٍ أساسي، مُستفيدة من تقنيات مبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وتحت قيادتها أصبحت IBM من رواد هذا المجال، حيث ساعدت العملاء على تسخير مواردهم لمواجهة التحديات المعقدة، ودفع عجلة التحول الرقمي.
3. التواصل الفعال والتعاون مع أصحاب المصالح:
حظيت "ماري بارا"، الرئيسة التنفيذية لشركة "جينرال موتورز General Motors" بتقديرٍ واسع، بفضل درجة الشفافية العالية التي تتمتع بها، فضلًا عن التزامها القوي بالتعاون مع الموظفين والمستثمرين والعملاء على حدٍ سواء، وخلال فترة قيادتها ركزت على تعزيز الثقة والشفافية، حيث أطلقت مبادرات وعقدت اجتماعات دورية مفتوحة، بهدف إبقاء جميع الأطراف المعنية على اطلاع وإشراكهم في الرحلة.
4. المرونة والقدرة على إدارة الأزمات:
من استراتيجيات الإدارة الناجحة أن تكون قادرًا على إدارة الأزمات، فالمدير التنفيذي الناجح يتميز بقدرته على التحلي بالهدوء، والتركيز حتى في أكثر الأوقات المُضطربة، و"وران بافيت" لا يُعد من أشهر وأعظم المستثمرين في التاريخ من فراغ؛ فقد اشتُهر الرجل بفلسفته الاستثمارية التي تُركز على تحقيق القيمة طويلة الأجل، بدلًا من السعي وراء المكاسب السريعة، وهذا ما ساعدته عليه المرونة، وقدرته على إدارة الكثير من الأزمات التي مر بها في مجال الاستثمار.
5. القيادة الأخلاقية والمسؤولية المجتمعية للشركات:
أخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يتمتع القائد الناجح بالنزاهة والشفافية والصدق وكل القيم الأخلاقية، التي يمكن أن تظهر من خلال أفعاله وسلوكياته، وقد قام "دوج ماكميلون"، الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر "وول مارت Walmart" الأمريكية، بتبني مبادرات تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ودعم القضايا الاجتماعية والبيئية، وهذه الأمور لا تُبرز مدى نُبل صاحبها فقط، بل تُكسبه قاعدة وفية وواعية من المستهلكين.
كانت هذه أبرز النصائح والاستراتيجيات المُستفادة من كِبار القادة والرؤساء التنفيذيين حول العالم، وقد شملت عديد من المفاهيم والأشياء التي يمكنها أن تُغير مصير شخصٍ أو مؤسسة بأكملها، بداية من الموازنة بين المرونة والحزم، وليس انتهاءً بالاعتماد على البيانات في اتخاذ قرارات مدروسة، وكل المبادئ المذكورة هنا نابعة عن خبرة عميقة وليست مجرد شعارات رنانة، بل نصائح ذهبية تؤدي إلى نجاحٍ حتمي إن اتُبعت.