فوائد "التنوع والشمول".. كيف تمهد طريق مؤسستك نحو النجاح؟
أظهرت أبحاث عديدة أن التنوع والشمول في مكان العمل يعودان بالنفع على الأفراد والمؤسسات، وبالتبعية المُجتمع، فعادةً ما تكون الشركات التي تمتلك فِرقًا مُتنوعة أكثر ابتكارًا وقدرةً على الاستجابة لاحتياجات السوق، وإذا كانت تُراعي الشمول، فهذا يعني أن موظفيها سيشعرون بالانتماء ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل نجاح الشركة التي ينتمون إليها، وليس لمجرد نجاحهم الشخصي.
"التنوع Diversity، شيء والشمول Inclusion شيء آخر، ولكنهما كثيرًا ما يلتقيان تحت مظلةٍ واحدة يُشار إليها بـ"التنوع والشمول" أو "Diversity and Inclusion (D&I)"، ويعود ذلك إلى أن التنوع دون شمول يمكن أن يؤدي إلى بيئة غير فعالة، نظرًا لعدم شعور الأفراد بالتقدير، والشمول دون تنوع قد يعني نقصًا في الابتكار.
وفي هذا التقرير سنتعرف معًا على أهمية التنوع والشمول في مكان العمل، ودورهما في الابتكار، بالإضافة إلى كيفية بناء بيئة عمل شاملة ومتنوعة.
ما الفرق بين التنوع والشمول؟
قبل أي شيء علينا أن نعرف على الفرق بين مُصطلحي التنوع والشمول:
- التنوع: يُشير إلى اختلاف الأفراد في العِرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الدين، إلخ، عندما تُراعي الشركات التنوع وتضعه شرطًا أساسيًا في عملية التوظيف، فإنها بذلك تُثري المواهب، وتعزز من التعددية الثقافية، ما يؤدي في النهاية -غالبًا- إلى زيادة الابتكار.
ويُوظف مكان العمل المتنوع الأشخاص ويرقيهم دون تمييز، وهذا يعود عليه بالنفع بأكثر من طريقة، منها احتفاظه بالمواهب لأطول فترة ممكنة، بالإضافة إلى مزايا أخرى سنتحدث عنها لاحقًا.
- الشمول: من الخطأ الخلط بين الشمول والشمولية، لأن الأخير مُصطلح سياسي، فهو مُصطلح يشير إلى البيئة التي يشعر فيها الجميع بالترحيب والتقدير بغض النظر عما بينهم من اختلافات.
إذا تحدثنا عن مفهوم الشمول عمومًا، وليس عن بيئة العمل الشاملة، فسنرى أنه يضمن ألا يُحرم أي فردٍ -بقصد أو من دون قصد- من التعليم، أو الموارد، أو الفرص، أو أي شيء آخر لمجرد أنه مختلف.
بالعودة إلى بيئات العمل، فسنرى أن بناء بيئة عمل شاملة يحتاج إلى تفكير مُسبق، ومن الناحية العملية، لا يُشترط على الشركات أن تكون شاملة، ولكنها إذا أرادت تحقيق أكبر قدر ممكن من الفوائد، فعليها أن تُصبح كذلك.
كيف يعزز التنوع والشمول نجاح الأعمال؟
نأتي الآن للحديث عن أهمية التنوع والشمول للشركات والمؤسسات، بغض النظر عن نشاطها:
1. زيادة الربحية:
تُظهر الشركات التي وصلت لمراحل متقدمة من تحقيق هذين المُصطلحين، أن هناك العديد من الفوائد الاقتصادية للتنوع والشمول. وبحسب تقريرٍ صدر عن شركة الاستشارات "ماكينزي McKinsey" في 2015، فإن الشركات الأكثر تنوعًا على المستوى الثقافي، لديها فرص أكبر بنسبة 35% لتحقيق أرباح أعلى من متوسط أرباح الشركات التي تعمل في صناعتها نفسها.
أما الشركات ذات التنوع الواضح بين الجنسين، فكانت أكثر ميلًا بنسبة 15% لتحقيق أرباحٍ استثنائية، وبالإضافة إلى ذلك، وجد التقرير أن زيادة درجة التنوع العرقي في مجالس الإدارة بأمريكا، يُسهم في رفع الأرباح قبل الفوائد والضرائب (EBIT) بنسبة 0.8%، وهذه النسبة تصل إلى 3.5% في الشركات البريطانية.
2. تعزيز ثقافة الشركة وصورتها:
للتنوع والشمول في مكان العمل تأثير إيجابي كبير على ثقافة الشركة وصورتها العامة، ولا يمكن إنكار مدى إنسانية المُصطلحين اللذين نتحدث عنهما، وبالتالي فمعظم الشركات التي تتبنى التنوع والشمول في استراتيجيات التوظيف الخاصة بها، سيُنظَر إليها بشكلٍ إيجابي.
إذًا، يمكن أن يعزز اهتمام الشركات بالتنوع والشمول من قيمتها في السوق، ويجذب العملاء والشركات التي تسعى هي الأخرى وراء المسؤولية الاجتماعية والقيم الإنسانية، وإذا فكرنا في الأمر سنرى أن الفائدة تعم على الجميع.
3. تحسين الأداء:
عندما يشعر الموظف أنه آمنٌ في بيئة عمله وأنه مُرتاحٌ ومُرحبٌ به، يُصبح أكثر انفتاحًا ومشاركةً، وبالتالي يكون أكثر قدرة على الإنتاجية وتحمل المخاطر إن استوجبت الظروف، وإحدى الفوائد الرئيسة لتنوع القوى العاملة هي تنوع الأفكار، ومن المعروف أن الفرق المتنوعة تولّد المرونة وتحث الجميع على الإنتاجية، وتحسن من الأداء في العموم.
4. تعزيز الابتكار:
يأتي الابتكار من خلال التنوع؛ التنوع الذي يتم تعزيزه بالشمول، وبالتالي فالابتكار والإبداع يستوجبان قدرًا من التنوع والشمول، ووفقًا لدراسة أجرتها شركة "BetterUp" في 2021، فإن الفرق التي تضم مجموعة متنوعة من القادة، لديها مستوى أعلى بنسبة 90% للابتكار الجماعي، وأداء أعلى بنسبة 140%.
وإذا نظرنا لأي مجال، وليكن التسويق، سنرى أن التنوع يُمَكنك من فهم احتياجات العملاء بشكلٍ أفضل، وبالتالي تطوير استراتيجيات تسويقية أكثر فعالية، طبّق ذلك على جميع الصناعات والمجالات، وسترى الفوائد الكبيرة.
5. استقطاب المواهب والاحتفاظ بهم:
البيئة التي تُشجع موظفيها على أن يكونوا أنفسهم، ويتعاملون على طبيعتهم تخلق شعورًا بالراحة والانتماء، وهو ما يعزز من المرونة والتكيف، وفي المقابل، نجد أن الموظفين الذين يشعرون بأن عليهم إخفاء هويتهم الحقيقية، والتصرف بطريقة مُعينة، أو التظاهر بطبعٍ ليس فيهم، يعانون من ضغوط نفسية أكبر، وتزداد لديهم فرص الاكتئاب والاحتراق الوظيفي.
ووفقًا لدراسةٍ أخرى قامت بها شركة BetterUp في 2021، فإن التنوع والشمول يقللان من معدلات "الدوران الوظيفي Turnover" (نسبة الموظفين الذين يغادرون الشركة خلال فترة زمنية معينة)، بالإضافة إلى ذلك، فإن فرصة بقاء الموظفين الذين يشعرون بمستوى عالٍ من الأمان في شركاتهم أكبر بنسبة 34% ممن لا يشعرون بالانتماء.
اقرأ أيضًا: للمديرين التنفيذيين.. نظريات مشهورة تختصر خبرات الإدارة لاعتلاء قمة النجاح
كيفية بناء بيئة عمل شاملة ومتنوعة
إن بناء بيئة عمل شاملة ومتنوعة ليس مجرد هدف قصير المدى، وإنما استثمار طويل الأجل، في سبيل نجاح المؤسسات أو الشركات، وفيما يلي بعض النصائح والاستراتيجيات العملية، التي يمكن للمديرين تطبيقها لتعزيز التنوع والشمول في بيئات العمل:
استراتيجيات لتعزيز التنوع والشمول في مكان العمل:
1. تثقيف الموظفين بشأن التنوع:
لكي يتبنى القادة والفرق التنوع والشمول في مجال العمل، يجب أن يتم تثقيفهم وتوعيتهم بأهمية هذين المصطلحين، وقد يشمل التثقيف توفير برامج تدريبية وورش عمل مُخصصة، وقد يشمل حضور دورات تدريبية أو قراءة كتب ومقالات متخصصة، إلخ.
يجب أيضًا التأكد من أن قرارات الشركة وخططها تتماشى مع مبادئ التنوع والشمول، مثل التوظيف العادل، وتمثيل مختلف الفئات، كذلك يُفترض أن يتم تشجيع الحوارات المفتوحة داخل فرق العمل حول قضايا التنوع، وخلق بيئة آمنة تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم وتجاربهم.
2. مراعاة الموظفين:
هناك أكثر من طريقة لمراعاة الموظفين بهدف زيادة التنوع والشمول، وعلى سبيل المثال، يمكنك تعديل جدول الإجازات بحيث يلائم مناسبات الجميع وأعيادهم، وإذا لم يكن هذا الأمر ممكنًا، فعلى الأقل حاول أن تقدم حوافز إضافية للموظفين الذين يعملون في الأعياد والمناسبات الخاصة بهم، حتى يشعروا بشيء من التقدير.
3. دمج التنوع والشمول بقيم الشركة:
لكل شركة مجموعة من القيم الأساسية، فحاول أن تدمج هذه القيم بحيث تلمس مفاهيم التنوع والشمول، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون الاحترام المتبادل، والعدالة والمساواة، وغيرهما، من القيم الأساسية للشركة، وفي الوقت نفسه تتقاطع مع مفهومي التنوع والشمول.
4. تحدي التحيز اللاواعي:
شئنا أم أبينا، يمتلك الكثير من المديرين تحيزات لاواعية تتنافى مع قيم التنوع والشمول، ويمكن أن تؤدي إلى عدم المساواة، وانخفاض الإنتاجية، وفقدان المواهب، والكثير من المشكلات الأخرى.
من حسن الحظ أن هناك طرق وأساليب لتقليل تأثير هذه التحيزات، أولها وأهمها هو الوعي بوجودها، ويمكن أيضًا التغاضي عن المعلومات الشخصية أثناء عملية التوظيف، فبدلًا من تقييم شكل الشخص وبيئته، يجب تقييم كفاءاته ومهاراته وغير ذلك من التقييمات الموضوعية.
5. وضع سياسات صارمة ضد التمييز:
إن التركيز على تعزيز التنوع والشمول في بيئة العمل هو خطوة في غاية الأهمية لبناء مكان عمل صحي ومُنتج، ولكنه لا يكفي لضمان استمرارية هذين المفهومين لأطول وقت ممكن، لذا يجب على المسؤولين أن يضعوا نظامًا وسياسات واضحة وصارمة للعواقب التي تترتب على السلوكيات غير الشاملة والتمييزية، وعلى سبيل المثال، من يخالف هذه السياسات يتم تحذيره ثم يُخصم من مرتبه، وفي المرة الثالثة قد يصل الأمر للفصل من العمل نهائيًا.
6. الاستماع إلى الموظفين:
واحدة من أهم استراتيجيات التنوع والشمول في مكان العمل، فالموظفين يمثلون البوصلة التي تعرف من خلالها كصاحب عمل ما إذا كنت تسير على الطريق الصحيح أم لا.
قم باستطلاع آراء الموظفين باستمرار، خاصة الفئات الأكثر عرضة للتهميش، واعرف مقترحاتهم لتحسين التنوع والشمول، واستخدم منصات الاستبيان التي يمكن أن تساعدك على جمع المعلومات، وفي نفس الوقت تضمن الخصوصية.
7. دعم الموظفين الذين يعملون عن بُعد:
تعتمد الكثير من الشركات الآن على موظفين يعملون عن بُعد، يمكن أن يكون تأثيرهم أكبر بكثير ممن يعمل من مقر الشركة نفسها، لكن هناك ما يُسمى "بالتحيز عن قُرب proximity bias"، وهو مُصطلح يُطلق على المواقف التي يُفضل فيها المديرون الموظفين الموجودين معهم في المكان نفسه، على الذين يعملون عن بُعد أو بنظام العمل الهجين hybrid، ويمكن لهذا التحيز أن يُفقدك المواهب، ويؤدي إلى خفض الابتكار، ويزيد الصراعات بين الموظفين، فتجنبه.
القيادة الشاملة: فوائد التنوع في القيادة
يتجه قادة المؤسسات بشكلٍ متزايد نحو تبني الشمول كاستراتيجية أساسية لجذب المواهب، والاحتفاظ بالموظفين لأطول فترة، وتحفيز الإبداع والابتكار في الأداء، وتُشير الإحصائيات إلى أن المؤسسات التي تُطبق ممارسات شاملة تتمتع بميّزات تنافسية قوية في عدة جوانب، على سبيل المثال:
1. تمتلك المنظمات الشاملة فرصًا أكبر بنسبة 73% لتحقيق إيرادات من الابتكار، حيث يؤدي هذا المفهوم إلى تطوير أفكار جديدة ومنتجات مُبتكرة.
2. يُعزز الشمول من فرص المنظمات، ويجعلها أكثر قدرة بنسبة 70% لدخول أسواق جديدة، نظرًا لفهمها الأوسع لاحتياجات العملاء المختلفة.
3. بفضل مميزات الشمول وتنوع الآراء، تكون نسبة اتخاذ هذه الشركات لقرارات مدروسة أفضل بنسبة تصل إلى 50%.
4. تحقق المؤسسات الشاملة أرباحًا أعلى من متوسط الشركات بنسبة تصل إلى 36%.
وكما أسلفنا، فإن تحقيق التنوع والشمول في بيئات العمل يتطلب وقتًا قد يطول أو يقصر حسب طبيعة المؤسسة نفسها، باتباع الاستراتيجيات والنصائح التي أوردناها، وغيرها من الاستراتيجيات التي تعزز هاتين القيمتين، ومن خلالها يمكنك تسريع العملية والاستفادة من مميزات التنوع والشمول في شركتك.