لتجنب مخاطر عالم الأعمال.. كيف تستثمر في نفسك كقائد للفريق؟

يُشبه القائد شراعَ سفينةٍ في بحرٍ أمواجه متلاطمه؛ إذا استطاع ضبط اتجاهه وصل إلى بر الأمان وأنقذ فريقه، وإذا تخاذل غرق ومن معه، ولكي لا يغرق القائد في عالم الأعمال في مثل الأجواء، عليه أن يستثمر في نفسه ويتطور باستمرار، ولكن المشكلة الحقيقية أنه على الرغم من كثرة الإحصائيات والدراسات، التي تُفيد بأهمية التدريبات والاستثمار في الموظفين على مستويات الأداء، إلا أن 5% فقط من الشركات هي التي تُدرب موظفيها وقاداتها!
ولكن لحسن الحظ، أن الوعي بأهمية مهارات القيادة وتطوير الذات يزداد بوتيرة متسارعة، وهذا يدفع الشركات للاستثمار بشكلٍ أكبر في موظفيهم. ومع ذلك، يظل العبء الأكبر على القادة، حيث يتعين عليهم أن يستثمروا في أنفسهم ويطوروها باستمرار، وهو ما سنتناوله في السطور التالية، بينما نستعرض أهمية هذا الاستثمار وكيفية خوضه.
أهمية التعلم المستمر للقادة

يواجه القادة اليوم تحديات غير مسبوقة، بسبب التحولات المتسارعة في عالم الأعمال، والتطور الرهيب في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وحتى سلوكيات القوى العاملة التي تتغير دائمًا، ومعها تتغير توقعاتهم وتطلعاتهم، وهذه الأسباب وغيرها تجعل القدرة على التعلم والتكيف المستمرين من السمات التي لا يمكن للقادة الاستغناء عنها، وفيما يلي نُلخص بقية الأسباب:
1. التحديات المختلفة:
يواجه القادة اليوم تحديات كثيرة ومختلفة، بدءًا من إدارة العمل عن بُعد، ومرورًا بتعقيدات سلاسل التوريد، وحتى قضايا الاستدامة والحفاظ على البيئة، وتتطلب هذه التحديات المختلفة تعلمًا مُستمرًا، ومعرفة كبيرة متعددة المجالات.
2. ازدهار الفِرق تحت مظلة التعلم:
عندما يُعطي القادة الأولوية للتعلم المستمر، ويستثمرون في أنفسهم، فإنهم بذلك يتحولون إلى نموذجٍ يُحتذى به، كما تعزز ثقافة التعلم من اندماج الموظفين في أعمالهم، وزيادة مستوى الرضا الوظيفي، مثلما تجعل الشركة أو المؤسسة بأكملها أكثر مرونة وقدرة على الابتكار، وكما قيل: "إذا ألهمت الآخرين ليحلموا أكثر، ويتعلموا أكثر، ويعملوا أكثر، ويصبحوا أفضل، تكون بذلك قائدًا حقيقيًا".
3. تحسين عملية اتخاذ القرار:
في بعض الأحيان يتوقف مصير شركة أو مؤسسة كاملة على قرارٍ مُعين، إذ تؤثر قرارات القادة بشكلٍ كبير في منظماتهم، ولاتخاذ القرار الأفضل، لا بد من أن تكون مواكبًا لما يحدث من حولك، وليتحقق ذلك، عليك أن تمتلك مخزونًا كبيرًا من المعرفة والاطلاع، لا يأتي إلا بالتعلم المستمر، وهذا التعلم بدوره سيجعل قراراتك تستند إلى أحدث الأبحاث وأفضل الممارسات، وبالتالي تفادي الإخفاقات غير المتوقعة.
4. الرقمنة والفرص الأفضل:
خلقت الثورة الرقمية فجوةً كبيرة في المهارات، حيث تكافح المؤسسات اليوم من أجل العثور على موظفين مؤهلين في مجالات مثل تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، وغيرهما، ومن المفترض أن يكون القادة الذين يتعلمون بشكلٍ مستمر على اطلاع بهذه المهارات ويفهمونها بشكلٍ جيد، وهذا يسد احتياجات الرقمنة ويؤهلهم لمزيدٍ من الفرص الأفضل.
اقرأ أيضًا: كل ما يجب أن تعرفه عن الرقمنة والتحول الرقمي
5. الوعي الذاتي:
السبب الخامس الذي يدعو القادة للتعلم المستمر هو الوعي الذاتي، تحديدًا الوعي بالقدرات ونقاط القوة والضعف والتفضيلات والتحيزات، وما إلى ذلك، وبدون تعلم مستمر، لن يستطيع القادة أن يعرفوا هذه الأشياء الأساسية، التي لا يمكن تجاهلها بأي حال.
6. خلق روابط أكبر مع أعضاء الفرق:
وفقًا لتقرير صدر عن مؤسسة "جالوب Gallup"، فإن القادة الذين يتميزون بحب التعلم يوفرون الاستقرار والطمأنينة لفرقهم، إذ تخلق الرغبة في المعرفة مساحة للشفافية، وتجعل الجميع يسهم بآرائه وخبراته الفردية، ما يقوي العلاقات مع أعضاء الفرق.
7. اكتساب الاستراتيجيات الفعالة:
يُظهر القادة الذين يكرسون أنفسهم للتعلم المستمر قدرة كبيرة على تحديد اتجاهات السوق والابتكار بفعالية، بفضل الاستراتيجيات التي يكتسبوها، فاستباق التغيرات والتكيف السريع، يُمثلان سلاحًا قويًا للبقاء في طليعة المنافسة.
كيف تستثمر في نفسك كقائد؟

ليس هناك دليل أو قواعد ثابتة يمكن أن يطبقها القائد كي يستثمر في نفسه؛ بينما هناك نصائح وإرشادات عامة يمكن أن تنطبق كلها، أو معظمها، على جميع القادة، مثل التعلم المستمر الذي تحدثنا عن أهميته أعلاه، وأيضًا مثل:
1. اهتم بصحتك النفسية والعقلية:
كقائد، تحتاج إلى أن تكون نفسيتك سوية وعقلك متقدًا قدر المستطاع، فاهتم بصحتك العقلية والنفسية عن طريق ممارسة التأمل، أو اليوجا، أو الرياضة، ولا تبخس نفسك حقها في النوم، وحاول أن تُمارس الكتابة اليومية عن طريق البدء بصفحات الصباح مثلًا، التي تحدثنا عنها في تقريرٍ سابق، وقلل وقت الشاشة، وابتعد عن ضجيج العالم الرقمي، ربما يكون الأمر صعبًا بسبب "الفومو FOMO"، أو الخوف من تفويت الأشياء، لكنه يأتي تدريجيًا.
2. اهتم ببدنك ولياقتك:
عليك أن تهتم بصحتك البدنية مثلما تهتم بصحتك النفسية والعقلية، فالأخيرة قد تتدهور بسبب الأولى والعكس، فاذهب إلى النادي ومارس الرياضة بانتظام، ولا تنم أقل من 7 ساعات يوميًا، واجعل وجباتك متوازنة، أي أدخل بها الخضراوات والبروتينات والألياف لتشعر بالنشاط والحيوية، دون أن تحرم نفسك من الأطعمة اللذيذة أيضًا بين الحين والآخر، وأخيرًا وليس آخرًا، خذ فترات راحة حتى تشحذ طاقتك، وتستطيع القيام بمهامك كقائد.
3. تعلم كيف تفصل نفسك عن العمل:
جميعنا نعرف أن القائد عليه أن يعمل لأوقات طويلة؛ في كثيرٍ من الأحيان تكون أطول حتى من أوقات عمل الموظفين العاديين، ولكن نظرًا لأننا بشرٌ في النهاية، فنحن بحاجة إلى أن نفصل أنفسنا عن العمل بين الحين والآخر، لئلا نحترق وظيفيًا، ولكي نشحن طاقاتنا، ويمكن تحقيق ذلك بقول "لا" للعمل الزائد في أيام العطلات، وتحديد أوقات واضحة للعمل وأخرى للراحة، مع مراعاة الاستثناءات بالطبع، واستغلال العطلات بحكمة عن طريق معرفة الهدف من العطلة ووضع خطط مُسبقة.
4. حسّن مهاراتك القيادية:
نصيحة بديهية، لكن القليل من يعمل عليها، فحتى تُصبح قائدًا ناجحًا، على الأقل مقارنة بما أنت عليه الآن، عليك أن تطور مهاراتك القيادية باستمرار، فاسأل نفسك: هل تأخذ المبادرة وتتحمل المسؤولية؟ وهل تمتلك مهارات تفكير نقدي جيدة؟ هل تُنصت لمن حولك بشكلٍ فعال؟ هل تُحفز فريقك وتشجعهم دائمًا؟ إذا كنت ترى أنك تُراعي جميع هذه الأمور بدرجةٍ كبيرة، فأنت على الطريق الصحيح، عدا ذلك حاول أن تُحسن من مهارات القيادة لديك.
كيف تبني فريق عمل قويًا وموثوقًا؟

من طرُق الاستثمار في نفسك كقائد هي أن تستثمر في فريقِ عملٍ قوي وموثوق، كما سيوفر عليك العمل الجماعي الكثير من الوقت والمجهود، لكن الفكرة أن بناء فريق قوي ليست بالمهمة البسيطة أو الواضحة، وهناك الكثير من المتطلبات على رأسها فهم ديناميكيات فرق العمل بدقة، والقدرة على التواصل الفعال، والالتزام بتعزيز ثقافة عمل صحية وشاملة، وغيرها من المتطلبات.
اقرأ أيضًا: مثالية نظرياً ولكن.. هل تناسب "القيادة المشتركة" كل الشركات؟
لبناء فريق عملٍ قوي وموثوق، عليك أن تتأكد من وجود بعض الخصائص التي لا تأتي مصادفة، بل تُكتسب بالممارسة المستمرة والجهود الواعية، منها:
- امتلاك رؤية وأهداف واضحة:
تخلق الرؤية المشتركة شعورًا بالوحدة والتجانس داخل الفريق، فحاول أن تختار أعضاء الفريق المتشابهين في الرؤى والأهداف.
- التمتع بمهارات متنوعة:
لا أحد يُنكر أهمية التخصص، لكن التطور الذي نشهده الآن يفرض على الشخص أن يتمتع بمهارات متنوعة، على المستوى التقني وعلى مستوى المهارات الناعمة Soft Skills أيضًا.
- القدرة على حل الخلافات بطريقة صحية:
جزءٌ كبير من بناء فريق عمل قوي وموثوق يكمن في هذه الجزئية المهمة، التي تُسهم في الحفاظ على العلاقات، وتقليل والضغط والتوتر، وتعزيز العمل الجماعي والنمو على الصعيد الشخصي.
- المسؤولية والالتزام:
إذا أردت أن تبني فريقًا قويًا يمكن الاعتماد عليه، فلا بد أن يكون كل فرد من أعضاء هذا الفريق على قدرٍ مُعتبر من الالتزام وتحمل المسؤولية، لتحقيق النتائج المرجوة والهدف المُتفق عليه.
- الاحترافية:
تشمل الكثير من الأشياء، مثل الالتزام بالمواعيد، والسعي لإنجاز العمل في أسرع وقت وبأفضل جودة ممكنة، والقدرة على التعامل مع الآخرين بطريقة سوية.
أدوات تساعدك على تعزيز مهارات القيادة

هناك الكثير من الأدوات التي يمكنك أن تستعين بها لتعزز من مهاراتك القيادية، على سبيل المثال، يمكنك أن تستخدم الأدوات التي تساعدك على تحديد نمط شخصيتك، مثل اختبار "الديسك DISC" أو "مؤشر مايرز بريجز Myers Briggs"، ويمكنك أيضًا أن تختبر تحيزاتك الضمنية التي قد تحملها دون وعي منك، وذلك عن طريق اختبارٍ بسيط توفره "جامعة هارفارد".
وبالإضافة إلى تحديد نمط شخصيتك باستخدام أحد الاختبارين المذكورين، تستطيع الاستعانة بإحدى أدوات تقييم أسلوب القيادة، مثل أداة Leadership Style Test، إذا أردت شيئًا أكثر تخصصًا.
وطبعًا تستطيع أن تختبر ذكائك العاطفي، ومعامل الـIQ، وفهم كيف تؤثر هذه المعاملات على قدرات القيادة لديك، خاصة تحت الضغط.