من الزينة إلى العلم.. كيف يحول الألماس دماغ الإنسان إلى واجهة تحكم؟
قبل نحو 80 عاماً، رفعت شركة "دي بيرز" شعارها الشهير "الألماس للأبد"، واليوم يبدو أن هذه العبارة تكتسب معنى جديداً في زمن الثورة الكمّية، إذ يتحول الحجر الأغلى في عالم الزينة إلى أداة علمية قادرة على إحداث تغييرات جذرية في حياتنا اليومية.
تفاصيل قراءة موجات الدماغ
فما كان رمزاً للجمال والصلابة، أصبح اليوم مرشحاً ليكون قلب أجهزة استشعار متطورة، قادرة على قراءة موجات الدماغ، والملاحة بدون أقمار صناعية، وتشخيص الأمراض بسرعة غير مسبوقة.
واكتشف علماء الفيزياء أن إدخال "عيوب" دقيقة في البنية الكريستالية المثالية للألماس يمكن أن يحوّله إلى كاشف بالغ الحساسية لظواهر فيزيائية تحدث على مستوى الذرات.
وفي هذا السياق، جمعت شركة "نيورالينك" 650 مليون دولار لتوسيع تجارب ربط الدماغ بالذكاء الاصطناعي.
في خطوة تواكب التوجهات الحديثة لتوظيف الألماس في واجهات "الدماغ-الآلة" التي تشير إلى تقنيات تربط بين الدماغ البشري وأجهزة إلكترونية مباشرة، بحيث يمكن للإنسان التحكم بالأجهزة عبر النشاط العصبي للدماغ دون الحاجة إلى الحركة الجسدية التقليدية.
وتأتي هذه الاستخدامات المذهلة في إطار ما يسميه العلماء "الثورة الكمّية الثانية"، مرحلة جديدة بعد قرن من وضع العالم الألماني فيرنر هايزنبرغ أسس ميكانيكا الكمّ.
بعد أن غيّرت الثورة الأولى عالم الإلكترونيات والليزر، تركز الثانية على التحكم الدقيق في الظواهر الكمّية لفتح الباب أمام تطبيقات في الحوسبة، التشفير، والاستشعار.
المفارقة أن هذه الطفرة العلمية تأتي في وقت يواجه فيه سوق الألماس الطبيعي أزمة خانقة منذ جائحة كورونا، مع تراجع المبيعات لصالح الأحجار الصناعية الرخيصة القادمة من الصين.
لكن شركات مثل "إليمنت سيكس" التابعة لـ"دي بيرز" تراهن على ألماس التكنولوجيا كطوق نجاة، خصوصاً في مجالات الكمّ.
بدأت القصة قبل 20 عاماً باكتشاف حجر وردي طبيعي في سيبيريا أُطلق عليه "المعجزة الروسية"، لقدرته على الحفاظ على الحالة الكمّية في درجة حرارة الغرفة.
وبعد فشل البحث عن أحجار مشابهة، نجح العلماء في تصنيع ألماس كمّي في المختبرات عبر إدخال ما يعرف بـ«مراكز الفراغ النيتروجينية» في بنيته، وهي مواقع تستبدل ذرتين من الكربون بذرة نيتروجين وفراغ.
تعمل هذه المراكز مثل "بوصلة" تستشعر التغيرات المغناطيسية، إذ يغير الإلكترون حالته الكمية وفق الحقول المحيطة، ما يجعل الألماس قادراً على كشف تغيرات دقيقة جداً، حتى حركة سيارة على بعد 100 متر وخلف جدران بعيدة.
تشمل التطبيقات المحتملة بحسب علماء الفيزياء الذين تحدثوا لصحيفة "فاينانشال تايمز"، الملاحة الجوية بلا GPS عبر رسم خريطة مغناطيسية للأرض لتفادي مخاطر التشويش على الأقمار الصناعية، والاستكشاف الجيولوجي لرصد المعادن عبر قراءة تغيرات الحقول المغناطيسية.
وفي الطب، يمكن لأجهزة استشعار كمية استبدال تخطيط القلب التقليدي، والكشف عن فيروسات مثل كورونا والإيدز في مراحل مبكرة، بفضل حساسية تفوق الاختبارات السريعة بألف مرة.
وفق دراسة حديثة في مجلة Nature Communications حتى واجهات "الدماغ- الآلة" قد تصبح واقعاً، حيث يمكن التحكم بالأجهزة عبر التفكير فقط، في سوق قد تصل قيمته إلى 5 مليارات دولار.
رغم التقدم، لا تزال هناك عقبات تقنية، أبرزها دمج الألماس مع الإلكترونيات القائمة على السيليكون، لكن ميزة الألماس أنه يعمل في درجة حرارة الغرفة وبضغط جوي عادي، ما يجعله مثالياً للاستشعار أكثر من الحوسبة الكمّية واسعة النطاق.
وتتسابق شركات مثل "إليمنت سيكس" و"كوانتوم بريليانس" الأسترالية و"كوانتوم دايموندز" الألمانية لتطوير هذه التقنية، فيما يرى خبراء أن العقد المقبل سيحدد إن كان الألماس سيبقى مجرد زينة، أم يصبح حجر الزاوية في ثورة علمية جديدة.
