Good Earth Chahar Bagh: وجهة تحتفي بجمال الفن والحِرفة في دبي
ليست كل العلامات تُقاس بزخم حضورها العابر أو قدرتها على مجاراة المواسم، فبعضها يختار أن يُشيّد مكانته بهدوء، حجرًا من معرفة فوق آخر.
متجر Good Earth Chahar Bagh دبي
جود إيرث Good Earth تنتمي إلى هذا المسار، علامة ترى في الحِرفة ذاكرة حيّة تُصان وتُفهم قبل أن تُعرض، وفي التصميم لغة معاصرة تُعيد ترتيب هذا الإرث، ليظل نابضًا داخل زمنه لا خارجه.
وعندما تُترجم هذه الرؤية في دبي، يتجلّى Good Earth Chahar Bagh بوصفه مساحة ثقافية بقدر ما هو متجر، مكان تُقرأ فيه الثقافة الهندية عبر تفاصيل مُصاغة بعناية، وتتحاور فيه الحِرَف التقليدية مع ذائقة مدينة لا تبحث عن الجديد فحسب، بل عن المعنى أيضًا.
تصميم بروح هندسة تاريخية
يمتد المتجر على مساحة تبلغ 6500 قدمًا مربعة، ويأخذ شكل حديقة داخلية مقسّمة إلى مناطق متمايزة، لكل منها طابعها الخاص يوجّه تجربة الزائر بطريقة تدريجية لا تشبه المرور في ممرات متطابقة.
وقبل أن تنجذب العين إلى المعروضات المذهلة، تكشف المساحة عن فلسفتها بوضوح: هنا لا يُقصد التسوّق بوصفه فعل شراء، بل كتجربة تفاعلية متكاملة تعيد تعريف العلاقة بين الحِرفة والإنسان.
يستند التصميم إلى مبدأ تشاهار باغ، ذلك النمط الحدائقي العريق الذي نشأ في فارس وامتد إلى آسيا الوسطى والهند المغولية، والمبني على تقسيم الحديقة إلى أربعة أقسام ترمز للوئام بين العناصر الطبيعية.
غير أن هذا الإلهام لم يُستخدم هنا بوصفه عنصرًا زخرفيًا فحسب، وإنما فكرة معمارية شاملة تُعيد تنظيم الفضاء الداخلي وفق منطق التوازن والانسجام، فتمنح حركة الزائر طابعًا تأمليًا يتيح له اكتشاف التفاصيل على مهل.
وبينما تتبدّل الزوايا والإطلالات الداخلية من جزء إلى آخر، تظهر قاعة التراث الحي بوصفها نقطة ارتكاز للمكان بأكمله. هنا تتكثف خبرة جود إيرث الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود في رعاية الحِرَف الهندية.
معرض حي للحِرَف الهندية
جوهر قاعة التراث الحي لا يقوم على استدعاء الماضي لذاته، بل على تقديمه كمعرفة مستمرّة تُنتج حاضرًا جديدًا.
لذلك، لا تأتي الأعمال هنا بوصفها قطعًا أرشيفيّة أو نماذج محفوظة، بل مخرجات معاصرة متجذّرة في أساليب تاريخية وتقنيات راسخة، صُممت للاستخدام والاقتناء على حد سواء، قادرة على أن تعبر الزمن من دون أن تفقد معناها.
من هذا المنطلق، لا تبدو القاعة مجرد مساحة للعرض، بل امتداد عمليً لفكرة الاستمرارية التي يراهن عليها المكان، إذ تضم مجموعة منتقاة بعناية من أعمال صُممت بالتعاون مع نخبة من الحرفيين الذين يواصلون صون بعض أدق التقاليد الحِرفية في الهند.
اقرأ أيضًا| بلازو ڤيرساتشي دبي يدخل عصر الضيافة الذكيّة
تحمل كل قطعة جذورًا لتقاليد ارتبطت تاريخيًا بورش ملكية ورعاية البلاط، لكنها تُقدَّم اليوم بروح معاصرة تناسب هواة الجمع الذين يقدّرون المرجعية بقدر ما يقدّرون الجودة.
تقاليد بارشين كاري المغولية
من بين أبرز الأمثلة على هذا الامتداد الحي، تقاليد بارشين كاري المغولية التي تظهر في أعمال مرصعة بالأحجار الكريمة، إذ تُنحت الزخارف يدويًا أولا، ثم تُرصّع بدقة باللازورد والعقيق والفيروز، ضمن حرفة تتطلب صبرًا استثنائيًا وانضباطًا عاليًا.
وفي مسار موازٍ، تستحضر مجموعة من الأكواب والأوعية والصواني الكريستالية رموزيات البلاط الساساني والمغولي عبر نقاءٍ بصري وتوازن في النسب يمنح القطعة حضورها من دون صخب.
أما المنسوجات فتُقدَّم بوصفها دليلاً آخر على أن الندرة ليست قرارًا تسويقيًا بقدر ما هي نتيجة طبيعية للتقنية. تُنسج أوشحة كاني على مدى أشهر وفق أساليب معقدة تعيد إحياء نقوش الخاتراست وزخارف البوتا المرتبطة بورش البلاط الكشميري، وهو ما يجعل كل قطعة محدودة بطبيعتها.
فيما تذهب الألواح الجدارية المصنوعة من حرير التوسار خطوة أبعد، إذ تحوّل تقاليد النسيج إلى أعمال ذات طابع معماري تجمع بين رقع الأجراك والطباعة اليدوية ورقائق الذهب والأقمشة المزخرفة، في تداخل محسوب بين الفن والحِرفة والتصميم.
في ختام التجربة، يؤكد متجر Good Earth Chahar Bagh أن الثقافة يمكن أن تتكامل مع الإبداع التجاري في صيغة تُعيد تعريف مفهوم الفخامة المرتبطة بالجذور.
