لماذا قد يكون تحسين مزاجك أسرع طريق للانضباط؟
كشفت دراسة حديثة أن العلاقة بين السعادة وضبط النفس تسير في الاتجاه المعاكس لما افترضه علماء النفس على مدى عقود. فبينما كان الاعتقاد السائد أن قوة الإرادة تقود إلى حياة أكثر سعادة، أظهرت النتائج أن قوة الإرادة هو الأساس الذي يدعم الانضباط الذاتي ويقوّي القدرة على مقاومة الإغراءات وتحقيق الأهداف.
الدراسة المنشورة في مجلة Social Psychological and Personality Science والتي قادها البروفيسور لايل جيا (Lile Jia) من جامعة سنغافورة الوطنية، استخدمت بيانات طولية من أكثر من 1,600 مشارك من آسيا والولايات المتحدة.
أوضح جيا أن الأبحاث السابقة اعتمدت غالبًا على علاقات ترابطية لا تثبت سببية الاتجاه، بينما استخدم فريقه نموذجًا إحصائيًا متطورًا يُعرف بـ (RI-CLPM) لتحديد أي العنصرين يؤدي إلى الآخر بمرور الوقت.
علاقة السعادة بالإرادة
في الدراسة الأولى التي شملت 377 موظفًا آسيويًا، جرى تتبع المشاركين ثلاث مرات خلال عام كامل، بفاصل ستة أشهر بين كل مرة. وخلص الباحثون إلى أن زيادة الشعور بالسعادة في فترة معينة أدت لاحقًا إلى تحسّن ملحوظ في ضبط النفس، في حين أن ارتفاع الانضباط الذاتي لم يكن له تأثير يُذكر على الرفاه النفسي.
وفي دراسة ثانية على 1,299 مشاركًا أمريكيًا لمدة ثلاثة أشهر، أكدت النتائج الاتجاه نفسه: الأشخاص الذين شعروا بمزيد من التفاؤل والنشاط في بداية الشهر أظهروا قدرة أكبر على التحكم في رغباتهم لاحقًا، بينما لم تؤدِّ قوة الإرادة وحدها إلى زيادة شعورهم بالسعادة.
استند الباحثون في تفسيرهم إلى نظرية (Broaden-and-Build Theory) التي وضعتها العالمة باربرا فريدريكسون، والتي ترى أن المشاعر الإيجابية توسّع نطاق التفكير وتبني الموارد الشخصية والمعرفية، مما يعزز قدرة الفرد على اتخاذ قرارات منضبطة وأكثر وعيًا.
وأوضح جيا أن المشاعر الجيدة تعمل كـ وقود ذهني يعزز التركيز والطاقة، ما يمكّن الأفراد من مقاومة الإغراءات والالتزام بخططهم طويلة المدى.
أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تتحدى فكرة الاعتماد على قوة الإرادة وحدها في تحسين الحياة الشخصية أو المهنية. وقال جيا: "عادةً ما يُنصح الناس بـ‘التحلي بالمزيد من الانضباط‘ لتحقيق النجاح، لكن نتائجنا تشير إلى أن الطريق الأكثر فاعلية وربما الأكثر متعة هو الاهتمام بالرفاه النفسي أولاً، لأنه هو ما يغذي قوة الإرادة لاحقًا".
وأضاف: "بدلًا من اعتبار السعادة مكافأة تأتي بعد الاجتهاد وضبط النفس، علينا أن ننظر إليها على أنها الشرارة التي تُشغّل محرك الإنتاجية والانضباط".
وبيّنت الدراسة أن الأنشطة التي تُحسّن المزاج كقضاء الوقت مع العائلة وممارسة الرياضة أو الهوايات يمكن أن تكون أكثر فائدة لبناء الانضباط الذاتي المستدام من محاولات الضغط على النفس عبر الإرادة وحدها.
