بين الترتيب والبعثرة.. ماذا تقول غرفتك عنك؟
يقدر بعض الناس على إيجاد أي شيءٍ احتفظوا به بسهولة مهما كان المكان من حولهم فوضويًا، في حين أنّ غيرهم قد لا يتمكّنون من إيجاد القلم مثلا إذا تحرّك من مكانه على المكتب بضعة سنتيمترات.
نعم، قد يزدهر بعض الأشخاص وسط الفوضى، فيما يُفضِّل غيرهم النظام والترتيب في كلّ شيء تقريبًا، ولكن لهذا الأمر جذور في الطبيعة الشخصية بالتأكيد، فكيف تفصِح غرفتك عن شخصيتك؟ وهل ترك المكان فوضويًا دليل على الإبداع العالي للشخص أم ثمّة جوانب سلبية لذلك؟
الطبيعة الشخصية وفوضوية الغُرف
هل يُولَد بعض الناس بشخصيات تُفضِّل النظام والترتيب، فيما يُفضِّل آخرون الفوضى من حولهم؟ ليس بالضرورة أنّ من يفضّل الفوضى من حوله أن يكون غير منظّم، بل على الرغم من تلك الفوضى، فقد يكون الشخص مدركًا لمكان كل شيءٍ يحتاج إليه، بل قد يزدهر بعض الأشخاص الأكثر إنتاجية وإبداعًا في هذا النوع من البيئة.
أمّا علاقة طبيعة الشخصية بترتيب أو فوضى الغرفة:
الشخصية من النوع أ (Type A personality)
إذا كان الحصول على غرفة أنيقة ومرتبة تمامًا هو ما يلهِمك ويساعدك على الشعور بالإنتاجية والإبداع، فهذا قد يعني أنّ لديك ما يُعرف بالشخصية من النوع أ، إذ يميل الأشخاص من هذا النوع إلى الكمال، وإنّ وجود كل شيء في مكانه يساعد على تلبية حاجتهم تلك.
الشخصية من النوع ب (Type B personality)
أمّا لو كُنت تميل إلى أن تكون أكثر استرخاءً أو أقل مبالاة في التعامل مع ترتيب الأشياء من حولك، فإنّ فوضوية الغرفة قد تدل على أنّ لديك شخصية من النوع ب، وهي شخصية أكثر استرخاءً في تعاملها عن الشخصية أ.
وبدلا من التركيز على تحقيق الكمال، فإنّهم ينجذبون أكثر إلى الأفكار والتجارب والإبداع.
اقرأ أيضًا: أسلوب الحياة البطيئة.. كيف تعيش حياة هادئة بعالمٍ متسارع؟
هل فوضى الغرفة علامة على الاكتئاب؟
ليست الشخصية وحدها العامل المباشِر في تنظيم أو فوضى الغرفة، بل ربّما كانت تلك الفوضى علامة على اضطرابٍ نفسي، كالاكتئاب.
فمثلا إن كُنت في العادة منظّمًا في كل أمورك، فقد يكون انعدام الاهتمام المفاجئ بالغرفة إلى أن صارت فوضوية، علامة على حدوث شيءٍ ما في حياتك، إذ غالبًا ما يشعر المكتئبون بتعبٍ شديد أو يأس من مواكبة روتين المهام المنزلية.
كذلك فإنّ الاكتئاب يجعل من الصعب الحفاظ على التركيز لترتيب الغرفة، رغم أنّ لديك نية لترتيبها بالفعل.
وقد ربط بحث عام 2020 في دورية "BMC Public Health" بين الغرف الفوضوية والاكتئاب، كما توصّلت دراسة أخرى عام 2016 في دورية "Journal of Psychiatric Research" إلى وجود علاقة قوية بين الفوضى والاكتئاب لدى الأشخاص الذين يحبّون جمع الأشياء وتكديسها (اضطراب الاكتناز).
العواقب النفسية المحتملة لاستمرار فوضى الغرف
بعيدًا من المشكلات النفسية، ورغم ازدهار بعض الناس في البيئة الفوضوية، فإنّ اعتياد تلك الفوضى قد يكون له جوانب سلبية أيضًا، خاصةً في البيئات المهنية، التي تحتاج إلى التزام بالمواعيد النهائية أو الحفاظ على مستندات مهمة.
فمن الجوانب السلبية المتوقعة للفوضى:
1. مستويات التوتر المرتفعة
قد تترك المكان من حولك في المنزل فوضويًا، إذ تكون على طبيعتك أكثر وترغب في الراحة بعد يومٍ طويل في العمل.
ولكن وجد الباحثون أنّ المساحات الفوضوية يمكن أن تزيد التوتر والعواطف السلبية، وفقًا لدراسة عام 2021 في دورية "Comprehensive Psychoneuroendocrinology".
2. تدنّي الرفاهية الذاتية
كذك وجد الباحثون أنّ المنزل الفوضوي يمكن أن يؤثّر سلبًا أحيانًا في شعورك تجاه المنزل، إذ يُفترض أن يكون مكان الراحة والأمان، ولكن إذا كان مظهره من الداخل غير سارّ أو فوضوي، فقد يُسبّب ذلك شعورًا بالضيق.
وحسب دراسة عام 2016 في دورية "Journal of Environmental Psychology"، فإنّ هذا قد يُسهِم في انخفاض الرفاهية الذاتية للمرء. بل ويمكن أن تُسهِم المساحات الفوضوية في انخفاض جودة الحياة عمومًا.
هل فوضوية الغرف دليل على الإبداع؟
قد يكون للفوضوية نواحٍ إيجابية أحيانًا، إذ أشارت دراسة عام 2013 في دورية "Psychological Science" إلى أنّ العمل في بيئة فوضوية يؤدي في الواقع إلى قدرٍ أكبر من الإبداع، فقد تمكّن الأشخاص الموجودون في غرفة فوضوية مثلًا من حلّ الألغاز الذهنية بسُرعة أكبر من الجالسين في غرفة مُنظّمة، بحسب الدراسة.
ويعتقد الباحثون أنّ القيام بالعمل في مكان نظيف ومُرتّب، يُشجِّع الناس على القيام بما هو مُتوقّع منهم، ولكن العمل في مكان فوضوي يخفف من هذه الحاجات، ويسمح بالتحرّر بعض الشيء من التوقّعات.
بل كان العالِم "ألبرت أينشتاين" المشهور بعبقريته وتفكيره الإبداعي، معروفًا بامتلاكه مكتبًا فوضويًا.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ كل من يتعرض لبيئة فوضوية سيُصبِح أكثر إبداعًا، إذ توصّل بحث عام 2019 في دورية "Frontiers in Psychiatry" إلى عدم وجود دليل على أنّ مساحة العمل المزدحمة يمكن أن تحسّن جوانب الأداء الإدراكي المرتبط بالإبداع.
لذلك فالأمر في النهاية نسبي، فبعض الناس قد تزيد قدرتهم الإبداعية في البيئة الفوضوية، فيما قد تكون البيئة المنظمة والمرتّبة أفضل لغيرهم، فالتفضيلات الفردية لها دور لا يمكن تجاهله أيضًا.
