أسلوب الحياة البطيئة.. كيف تعيش حياة هادئة بعالمٍ متسارع؟
بين مهمات العمل، وصخب إشعارات الهاتف التي لا تتوقف، بدءًا من الاتصالات، ومرورًا بإشعارات البريد الإلكتروني ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى الأخبارٍ والتحديثات، ضغوطات لا تتوقّف، ولا تدع لك مجالًا للتفكير، إذ تجد نفسك مستنزفًا، وتشعر كأنّ حياتك مليئة بالفوضى، ولا تستطيع إيقاف شيء بها، ولا السيطرة على وقتك أو الاستمتاع ببعض اللحظات التي قد لا تأتي كل يوم.
ولكن أسلوب "الحياة البطيئة" قد يساعدك على إبطاء هذه الوتيرة المتسارعة من كلّ شيء، والاستمتاع بكل لحظة في الحياة، وإعطائها قدرها الذي تستحقه، لكن كيف تعيش الحياة بهذا الأسلوب في عالم اليوم المتسارِع للغاية؟
أسلوب الحياة البطيئة!
أسلوب "الحياة البطيئة" يتمحور حول قضاء وقتك والاستمتاع باللحظة الحالية، بدلًا من الانشغال الدائم بإنجاز مهمات لا تنتهي، أو السعي المستمر وراء مزيدٍ من الممتلكات، أو غير ذلك، إذ يتعلق هذا الأسلوب بتقدير الأشياء الصغيرة في حياتك، وعيش حياة هادئة تستمتع فيها بكل لحظة، دون أن تظلّ أسيرًا للعمل أو الأجهزة التكنولوجية أو إيقاع الحياة العصرية عمومًا.
ولعل هذا المصطلح يعود إلى الكاتبة "ستيفاني أوديا"، وهي مؤلفة كتاب "أسلوب الحياة البطيئة"، التي كانت تهدف من خلاله مساعدة القُرّاء على رفض ثقافة الانشغال المفرط، وتطوير مهاراتٍ عملية تُمكِّنهم من عيش الحياة بوتيرةٍ أبطأ وأكثر هدوءًا.
كيف تعيش الحياة البطيئة؟
لا تعني الحياة البطيئة أن تحرم نفسك مما تريد أو تحتاج إليه، بل تتعلق بإيجاد توازن صحي في حياتك، للاستمتاع بملذات الحياة البسيطة، والعيش بطريقتك الخاصة؛ إذ يستند مفهوم الحياة البطيئة إلى ركائز أساسية، تتلخص في:
1. البساطة:
نعيش في عالمٍ يتسابق كل إنسان فيه باستمرار، ويتطلّع دائمًا إلى المزيد -المزيد من المال أو الممتلكات أو الإنجازات بلا توقف ولا نهاية في الأفق- لكن عندما يتعلّق الأمر بـ"الحياة البطيئة"، فإنّ تقليل الضغوطات أو الالتزامات، قد يجعل حياتك أكثر سعادة.
فالبساطة هي جوهر "الحياة البطيئة"؛ إذ تتعلّق بالتخلص من الأمور التي قد تستغرق جزءًا من تفكيرك ومجهودك، وهي ليست بقدر كبير من الأهمية، واستبدال ذلك بالتركيز على ما يهمّ حقًا، فمثلًا إذا كانت ممتلكاتك أقل، فليس لديك ما يدعو للقلق كثيرًا.
ينطبق الأمر نفسه على التزاماتك، حيث يمكنك أن تحاول فرز التزاماتك الحالية، ومن ثم سَلْ نفسك أيّها يتماشَى مع قِيمك بالفعل، ويجلب لك السرور أو يقرّبك من أهدافك.
فإذا كان الالتزام ببعض الأمور مرهقًا لك أو غير ضروري، ففكِّر في التخلّي عنها، وربّما يكون ذلك صعبًا في البداية، لكنّه أمر لا بُدّ منه لتوفير وقت ومساحة في عقلك للأشياء التي تحبّها وتستمتع بها حقًا، وربّما غفلت عنها في خضم انشغالاتك التي قد لا تكون ضرورية حقًا لك.
2. اليقظة:
تعني التركيز على اللحظة الحالية دون الهوس بالماضي أو القلق بشأن المستقبل، فلا ينبغي أن تكون متوترًا باستمرار، ولا أن يظلّ عقلك منهمكًا في قائمة مهام لا تنتهي.
ويمكن البدء بخمس دقائق فقط من التنفّس اليقظ كل يوم، مع التركيز على كل شهيق وزفير، وبمرور الوقت تدريجيًّا ستصبح أكثر وعيًا بأفكارك ومشاعرك، وستكون أهدأ في التعامل مع مشاغل الحياة.
فاليقظة تتضمّن الانفصال عمّا حولك وتجنّب المشتتات، والتركيز على أفكارك ومشاعرك.
اقرأ أيضًا:كيف يُحافظ رواد الأعمال على صحتهم في عالم الخُطى السريعة؟
3. الانفصال عن التكنولوجيا:
بالتأكيد أنت مُتصل دائمًا بالأجهزة التكنولوجيا، بين رسائل البريد الإلكتروني والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، وتجد نفسك أمام سيل منهمر من المعلومات بلا نهاية، ورغم الفوائد المعروفة لهذه الأدوات والوسائل، لكنّها قد تستنزفك بشكلٍ لا تتخيله.
لذا فإنّ الانفصال عن التكنولوجيا ولو بشكل مؤقت، قد يساعدك على فهم نفسك بشكلٍ أفضل، وربّما رؤية العالم من حولك من منظور مختلف، أو الاستمتاع بشيءٍ لم تتخيّل أنّه ممتع لهذه الدرجة، كالقراءة أو الذهاب للتنزّه في الطبيعة أو حتى قضاء وقت ممتع مع أحبائك.
ولعل ساعة واحدة فقط تقضيها كل يوم بعيدًا عن التكنولوجيا قد يُحقِّق لك الكثير، ويساعدك على رؤية أمورٍ أهمّ في الحياة، ربّما حجبتها عنك التكنولوجيا سابقًا.
4. تقبّل عيوبك:
السعادة ليست مرهونة بالكمال، لذلك توقف عن الشعور بعدم الكفاية وخيبة الأمل؛ والسعى وراء الكمال وتجنب ارتكاب الأخطاء، فمن منّا لا يخطئ؟ لكن المهم هو كيف تتعلّم من هذه الأخطاء وتنمو من خلال تلك التجارب.
لذا بدلًا من السعي لتحقيق الكمال، اهدف فقط إلى أن تتقدّم وأن تتحسّن في كل يوم عن اليوم السابق، فالحياة ليست بادّعاء المثالية في كل ما تفعله، وإنّما تقبّل حقيقتك كما هي، دون أن تلوم نفسك كثيرًا على ما قد تعجز عن تحقيقه.
5. إعطاء الأولوية لمهمة واحدة بدلًا من تعدّد المهام:
قد تظنّ أنّ تعدّد المهام هو سرّ الإنتاجية الغزيرة في العمل، لكن غالبًا ما يكون ضرره أكبر من نفعه، فعندما تقسم انتباهك بين مهام متعددة، فإنّ جودة عملك قد تنخفض، كما قد تشعر بمزيدٍ من الإرهاق.
بينما تتيح لك المهمة الواحدة الانغماس في نشاطٍ واحد تمامًا في كل مرة، وهذا لا يعزّز نتائج العمل فحسب، بل يجعل أداء المهمة نفسها أكثر مُتعة.
لذا ابدأ بإنشاء قائمة مهام تحدّد فيها المهام حسب الأولوية، مع تخصيص وقت لكل مهمة على حدة، وستندهش من مدى الإنجاز الذي تحقّقه، وكذلك الهدوء الذي تشعر به عندما تعمل على مهمة واحدة بوضوح.
6. قضاء بعض الوقت في الطبيعة:
أظهرت الأبحاث، حسب "Mentalhealth" أنّ الوجود في الطبيعة، يقلّل التوتر ويعزّز المزاج والإبداع، إذ تستعيد التواصل مع نفسك والعالم من حولك، سواء كُنت في نزهة هادئة في الحديقة، أو مجرّد الجلوس في الخارج والاستمتاع بالهواء الطلق.
لذا حاول أن تكتسب عادة الخروج من المنزل بعض الوقت بانتظام، حتى إذا كان ذلك لبضع دقائق فقط، ولو حتى بأمرٍ يسير، مثل الاستمتاع بقهوة الصباح على الشُرفة.
فعندما تنغمس في العالم الطبيعي، قد تلاحِظ أشياء غالبًا ما كُنت لا تلقِي لها بالًا في خضم انشغالاتك، مثل صوت زقزقة العصافير، أو حفيف الأوراق في مهبّ الريح، أو دفء ضوء الشمس على بشرتك.
فهذه التجارب الصغيرة التي تعيشها وتركّز فيها، ستساعدك على الشعور بهدوءٍ أكبر واسترخاء، ربّما لا تدري أنّك كُنت تحتاج إليه قبل ذلك.
اقرأ أيضًا:تغلّب على قلقك في دقائق باستخدام قاعدة 3-3-3
7. أخذ فترات استراحة قصيرة:
من السهل أن تظل في حركة دائبة من مهمة لأخرى، دون أن تتوقّف لحظة لالتقاط أنفاسك، لكن من الضروري أن تأخذ فترة استراحة، كي لا تُرهَق، ولو حتى بضع دقائق فقط.
ويمكنك في هذه الفترة القصيرة أن تقوم بشيءٍ آخر، مثل المشي لمسافة قصيرة، أو ممارسة تمارين التمدّد، أو حتى إغلاق عينيك والتركيز على تنفّسك، فهذه اللحظات تفصلك عمّا كُنت تفعله، ما يساعدك على التعامل مع كل مهمة بطاقة مُتجدّدة وحيوية أكبر، كما أنّ هذه الفترات القصيرة من الراحة، ستساعد على تقليل توترك بدرجةٍ كبيرة.
ما الأمور التي لا تتوافق مع نمط الحياة البطيئة؟
قد يبدو أسلوب "الحياة البطيئة" بسيطًا في تطبيقه، لكن ثمّة بعض الأمور التي قد تتعارض معه، والتي قد تقع فيها دون أن تشعر، ومنها:
- التنافسية والمقارنة: لا ينبغي أن تقارِن أسلوب حياتك بالآخرين باستمرار، فهي تتعارض مع أسلوب الحياة البطيئة، وستجعل وتيرة حياتك مُتسارِعة دون أن تستمتع بلحظاتها، التي قد لا تدرك أهميتها إلّا بعد فوات الأوان.
- اتّباع قواعد صارمة: لا تتعلّق "الحياة البطيئة" باتّباع مجموعة قواعد صارمة، بل هي مجموعة من الإرشادات في حقيقتها، ومن المفترض أن تجعل حياتك أكثر مُتعة، وليس أقل، لا أن تكون ضاغطة عليك أو مزعجة لك.
- انتظار الاستعداد: الحياة البطيئة ليست مُخصّصة فقط لمن يمتلكون الوقت لعيش حياةٍ أبطأ، ومن ثم لا يمكنك الانتظار حتى تكون مستعدًا، فلن تتباطأ حياتك بمفردها تلقائيًا، والعمل لا يتوقّف أبدًا، لذا مهما كانت انشغالاتك، فحاول أن تضع قائمة مهام وترتيبها حسب الأولوية، ومع المحاولة باستمرار، ستجد نفسك تعيش "الحياة البطيئة" بهدوءٍ ربّما كُنت تشتاق إليه طويلًا.
