أنواع الشخصيات المالية وتأثيرها على أساليب الإدارة ونجاح الأعمال

كل شخص يملك "شخصية مالية" خاصة به، ورغم وجود نماذج متنوعة تختلف لناحية التفاصيل، لكنها تتوافق من حيث الخطوط العريضة.
والشخصية المالية في عالم الأعمال هي المحرك الأساسي لآلية اتخاذ القرارات المالية، ولكيفية إدارة الفرق أو الأقسام أو حتى الشركة نفسها، ولعل فهم هذه الشخصية يساعد على تحديد نقاط القوة والضعف للأفراد، وفهم العوامل التي تؤثر على أدائهم في مناصب قيادية.
أنواع الشخصيات المالية الخمس
من المُنفق إلى المدخر، فالمتسوق والمدين والمستثمر، كل نوع له مجال يمكنه التفوق فيه، وفي السطور التالية سنستكشف نقاط الضعف والقوة، وكيفية استثمارها للمساهمة في نجاح الفريق أو المؤسسة.
شخصية المُنفق The Spender

الذين ينتمون لهذه الفئة يستمتعون بالإنفاق، ويبحثون عن الإشباع الفوري، أي أنهم يريدون النتائج الآنية عوضاً عن التخطيط المالي الطويل الأجل، ويقدرون كل ما هو جميل وفاخر، و يبحثون عن تجارب مترفة، توفر لهم ذلك، ما يؤدي إلى الشراء الاندفاعي من دون اعتبار للعواقب.
في سياق الإدارة، قد يكون المدير المُنفق أكثر ميلاً للإنفاق في مجالات التنمية لبناء فرق عمل أفضل، أو الإنفاق على تقديم مزايا مادية إضافية للفريق، من أجل رفع الروح المعنوية والحث على الإنتاجية.
والمدير المُنفق يجد صعوبة في الالتزام بالميزانيات والقيود المالية، ما يؤدي إلى تجاوزات للميزانيات المخصصة، وقد يوافق على عمليات شراء من دون تقدير الآثار المالية طويلة الأمد، كما أنه نادراً ما يرفض طلبات الإنفاق، حتى ولو لم تكن سليمة من الناحية المادية.
فيما يتعلق بعلاقته بالموظفين، وبينما يتم تقدير كرمه، ولكن عدم الاستقرار المالي يخلق القلق والتوتر داخل الفريق، الذي وبسبب "عشوائية" المدير المالية، سيصنف كفريق غير منظم ويفتقر للفطنة المالية.
ولكن الحماسة والكرم التي تتمتع بها هذه الشخصية، رغم افتقارها للانضباط الذي يمكنها من اتخاذ القرارات المالية الصعبة، يمكنها أن تكون نافعة جداً في الصناعات الإبداعية، حيث الابتكار والروح المعنوية المرتفعة هامة، ومع ذلك، وحتى في المجالات الابداعية التي تنفق لزيادة الابتكار، فإن المدير المُنفق يحتاج لإيجاد التوازن بين الإنفاق والإشراف الاستراتيجي المالي.
شخصية المدخر The Saver

المدخرون حذرون مالياً، وغالباً ما تكون أولوياتهم الادخار وليس الإنفاق، فيما يتجنبون الديون، ويسعون لبناء مستقبل مالي آمن، من خلال وضع ميزانيات دقيقة، وغالباً ما يجدون متعة في رؤية الأموال تتراكم والإنفاق يقل، والأولوية هي دائماً للأمن والاستقرار المالي على المدى الطويل.
في سياق الادارة، المدير المدخر بشكل عام يتميز وينمو مهنياً في الأدوار التي تتطلب مسؤولية مالية وتخطيطاً استراتيجياً، وبشكل عام نجده يقوم بتنفيذ تدابير لتوفير التكلفة، وضمان الالتزام بالميزانية المحددة لفريقه أو لقسمه أو المشروع الذي يعمل عليه.
والمدير المدخر حريص جداً حين يتعلق الأمر بالميزانيات، وقد يتردد قبل الموافقة على النفقات، ما يؤدي إلى تصنيف هذه الفئة من المديرين على أنهم بخلاء أو لا يريدون الاستثمار في تطوير فريقهم أو قسمهم، فتركيزهم الدائم على "الحد الأدنى" من الإنفاق، مقابل أفضل إنتاجية ممكنة، ينعكس سلباً على معنويات الفريق، وذلك بسبب شح الموارد الضرورية لتسهيل مهامهم.
وبطبيعة الحال فإن نهجهم يؤدي إلى الاستقرار المالي لفريقهم أو مؤسستهم، ولكنه في الوقت عينه يؤدي إلى تفويت فرص الاستثمار أو النمو، بسبب عدم رغبتهم في المخاطرة.
فالقيود المالية العديدة يمكنها أن تخلق بيئة عمل سلبية، خصوصاً وأن الفريق قد يشعر بأن السياسات المالية تحد من إمكانية نموهم وتطورهم، وطبعاً من دون أي أمل بامتيازات أو علاوات، فإن الروح المعنوية تنخفض والابتكار يتراجع.
شخصية المدخر القيادية فعالة ومسؤولة، ولكن قد ينظر إليها على أنها غير داعمة، وهذا ما يجعلها مثالية للشركات أو المناصب أو المجالات التي تتطلب الحذر المالي، كالمنظمات غير الربحية أو الشركات الناشئة، التي تحتاج إلى مدير يحافظ على سير العمليات، من دون إنفاق زائد.
شخصية المتسوق The Shopper

تستمد هذه الشخصية الرضا العاطفي من شراء السلع، والتي غالباً ما تكون أموراً لا يحتاجون إليها، وتستمع شخصية المتسوق بالعثور على الصفقات، وبشكل عام لأنها شخصيات واسعة الحيل ومبدعة في الإنفاق، فهي تتمكن من العثور على أفضل العروضات والصفقات، ولكن الاندفاع يحول الصفقة المثالية إلى شراء اندفاعي.
الاندفاع هذا أيضاً يمنع المدير المتسوق من الالتزام بالميزانية المحددة، لقسم أو لفريق أو للمشروع الذي يعمل عليه، خصوصاً وأنه بشكل عام يشتري ما تحتاج وما لا تحتاج إليه الشركة أو القسم.
وفي سياق الإدارة، فإن المدير المتسوق يملك شخصية يمكنها نشر الحماسة والإبداع، وبالتالي الفرق التي تعمل تحت إدارته حيوية ونشطة، وقسمه غالباً ما يكون نابضاً بالحياة، خصوصاً أنه ما ينفك يجلب الأشياء اللامعة الجديدة، التي يتم الحصول عليها من دون بحث معمق أو تريث، أو العودة إلى الجهات التي من المفترض أنها ستستفيد منها، فالتركيز غالباً ما يكون على القيمة الظاهرة، وليس على الفائدة الفعلية قياساً بالتكلفة.
أسلوبهم في القيادة حماسي ومريح، ولكنه في الوقت عينه يفتقر إلى التفكير الإستراتيجي والحكمة المالية السليمة، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات الثقة بهم، خصوصاً حين تبدو عمليات الشراء اعتباطية، فيما يحتاجون بشكل دوري إلى توجيه للالتزام بالميزانيات أو إدارة النفقات بشكل فعال، ما ينعكس بشكل سلبي على صورتهم.
الشخصيات هذه تزدهر وتتطور وتبدع في مجالات البيع بالتجزئة، أو في قطاعات خدمة العملاء، خصوصاً وأن عملهم يقوم على فهم سلوك المتسوق، ولا يوجد شخصية أفضل من هؤلاء لفهم السلوكيات هذه، ومع ذلك تحتاج هذه الشخصيات للعمل على تطوير نهج أكثر انضباطاً تجاه الإنفاق.
اقرأ أيضًا: كيف تستخدم نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى لتصبح قائداً أفضل؟
شخصية المدين The Debtor

هذه الشخصية غالباً ما تعيش فوق إمكانياتها، ما يؤدي إلى تراكم الديون، دون فهم واضح لوضعهم المالي، إذ يتجبنون التفكير في شؤونهم المالية، وتتبع نفقاتهم، وغالباً لا يضعون ميزانيات، ما يؤدي إلى خلق عدم استقرار مالي.
في أدوار الإدارة، يواجه هذا المدير صعوبة كبيرة جداً في المناصب التي تتطلب الإشراف المالي، كما أن تجاهله الدائم للمسؤوليات المالية يؤدي إلى خلق تحديات كبيرة لفريق عمله.
كمدير، فإن "المدين" كريم ومستعد لمساعدة الآخرين، ولكن عدم الاستقرار المالي يؤثر على الأداء بسبب التوتر والقلق المرتبطين بالديون، وبما أنه يتجنب التعامل مع الأمور المالية، فقد يقوم بتفويض إدارة الميزانية لموظفين آخرين، وغالباً ما يماطل في تقديم التقارير المالية، ولعل المتاعب المالية المتكررة تجعله يتكتم حول ما يحدث فعلياً، ما يخلق أجواءاً من التشكيك والتوتر وعدم اليقين.
السمات العامة للشخصية تجعل أسلوب القيادة غير منظم، وقائم على تجنب المواجهات، ما يعني نقص في التوجيه والمساءلة، وحتى الابداع والعفوية التي يجلبونها لمكان العمل، لا يمكنها التعويض عن نقص الانضباط وعدم الاستقرار.
شخصية المدين لا يحبذ أن تمنح أدوراً قيادية، ويفضل حثهم على العمل على تطوير مهاراتهم المالية قبل منحهم أدواراً تشمل مسؤوليات مالية.
شخصية المستثمر The investor

شخصية تسعى وبشكل دائم إلى زيادة الثروات، من خلال الاستثمارات الاستراتيجية، وتملك فهماً جيداً للوضع المالي، والتفكير الاستراتيجي الذي تعتمده مبني على البيانات، مع التركيز الدائم على عائد الاستثمار.
في الأدوار الإدارية، غالباً ما يملك "المستثمر" رؤية مستقبلية، قائمة على استراتيجيات طويلة الأجل، ونجده يدافع بشراسة عن الاستثمارات التي تفيد المؤسسة مستقبلاً، وشخصيته وتخطيطه المالي السليم، يجعل فرق العمل تعمل بجدية، لأن القائد مؤهل ومنضبط وحاسم.
تركيز الشخصية هذه على النمو، يجعل فرق العمل أو الأقسام تتقدم وتتطور، وذلك لأنها تقدم على مخاطرات محسوبة، تؤدي إلى عوائد عالية، كما أنه ومن خلال التخطيط السليم يتم توظيف الموارد، التي تدفع بفرق العمل قدماً، وأسلوب شخصية "المستثمر" في القيادة الحاسم والاستراتيجي يجعل الجميع يحترمون القرارات والخطط.
هذه الشخصيات لا غنى عنها في المجالات المتطورة والمتغيرة بشكل دائم، كقطاعات التكنولوجيا والمال، إذ إنهم يقودون الابتكار والنمو، ويديرون المخاطر بفعالية، رغم أنهم أحياناً يفوتون على أنفسهم الفرص، خصوصاً عالية المخاطر، بسبب تفضيلهم للحذر.
أي شخصية هي الأفضل لمنصب إداري؟

كل شخصية مالية تملك نقاط قوتها وضعفها، التي يمكنها أن تؤثر على فاعلية الإدارة، فالمنفقون والمتسوقون هم الفئة التي تجعل بيئة العمل مبدعة، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة في وضع الميزانيات أو الالتزام بها.
أما المدخرون والمستثمرون فإنهم يوفرون الاستقرار، ولكنهم يفوتون الفرص على أنفسهم بسبب تجنبهم للمخاطر، فيما تبقى شخصية "المدين" التي يفضل عدم منحها أي أدوار قيادية تتضمن مسؤوليات مالية، لكونها نقطة ضعف تؤثر على الشركة.
في نهاية المطاف، تعتمد أفضل شخصية مالية على الدور والاحتياجات الخاصة للمؤسسة وعلى طبيعة القطاع، وقد يؤدي النهج المتوازن الذي يجمع بين عناصر من شخصيات متعددة إلى تحقيق نتائج أفضل للإدارة.