جيمس واتسون.. بين عبقرية اكتشاف الـDNA وآراء مثيرة للجدل عن العرق والجنس والوزن
توفي العالم الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الطب، جيمس واتسون، في السادس من نوفمبر 2025 عن عمر يناهز 97 عامًا. يُعرف واتسون -إلى جانب فرانسيس كريك- باكتشاف بنية الحمض النووي DNA، وهو اكتشاف أحدث ثورة في علوم الوراثة وعلم الأحياء الحديث.
ورغم هذه الإنجازات العلمية العظيمة، لطالما أثارت بعض آرائه المثيرة للجدل، لا سيما تلك العنصرية، ردود فعل قوية أدت إلى قطع معهد "كولد سبرينغ هاربر Cold Spring Harbor"، الذي شغله لسنوات، علاقته به تمامًا، على الرغم من أن خبر الوفاة صدر عنه.
من هو جيمس واتسون؟
قبل أن نتطرق لآرائه وتصريحاته المستفزة، دعونا نعرف من هو جيمس واتسون أولا.
وُلد عام 1928 وعُرف بتفوقه الدراسي المبكر، بحيث حصل على منحة للالتحاق بجامعة شيكاغو وهو في الخامسة عشرة فقط من عمره.
عام 1947، أي في عمر الـ 19، نال واتسون درجة البكالوريوس في علم الحيوان، ثم أتبعها بدرجة الدكتوراه وهو في الثانية والعشرين من عمره فقط!
في نفس سنة الدكتوراه، عام 1950، بدأ واتسون دراساته بصفته زميل أبحاث لدى "المجلس القومي للأبحاث National Research Council"، وخلال تلك الفترة ركز على دراسة الفيروسات البكتيرية بهدف استكشاف بنية الحمض النووي DNA.
في خريف 1951، انتقل جيمس واتسون إلى مختبر كافنديش بجامعة كامبريدج، وهناك، التقى عالم الأحياء الجزيئية الذي شاركه الطريق إلى المجد، فرانسيس كريك!
اقرأ أيضًا: اكتشاف مذهل: الحمض النووي يوجّه التفاعلات لصناعة أدوية أكثر كفاءة
مثير للجدل حتى قبل نوبل!
تبدأ إثارة جيمس واتسون للجدل حتى قبل فوزه بنوبل، بحيث "سرق" مجهود "روزاليند فرانكلين" التي لولاها لربما لم يتوصّل واتسون وكريك إلى شكل الحمض النووي الذي نعرفه.
وتكمن القصّة أنّ العالِمة البريطانية روزاليند فرانكلين التقطت صورة مشهورة تُعرف بـ "الصورة 51" أو "Photo 51"، وفيها نرى حيود الأشعة السينية وتبلورها على شكل حرف "X"؛ نفس شكل اللولب المزدوج المعروف حاليًا للحمض النووي DNA.
وكما توقعت، الأمر ليس مصادفةً إطلاقًا، بحيث نقل زميل روزاليند الصورة إلى واتسون وكريك من دون علمها أو موافقتها، ومنها استمد العالمان الدليل البصري الذي كانا بحاجةٍ إليه لتأكيد فرضيتهما حول شكل الـ DNA.
صحيحٌ أن هذه الخطوة لم تكن تعتبر انتهاكًا قانونيًا صريحًا آنذاك، وربما لا تعتبر كذلك الآن، لكن المشكلة ليست هنا.
المشكلة تكمن في أمرين، أولهما أن الأخلاقيات المهنية والعلمية لا تسمح بذلك (خاصة وأن اسم روزاليند لم يُذكر في الورقة العلمية المنشورة عام 1953)، وثانيهما أن جيمس واتسون قلل من شأن العالِمة البريطانية في سيرته "اللولب المزدوج The Double Helix"، بحيث استخدم أوصافًا تختزلها في صفات شخصية بدلا من الإشادة بإنجازاتها العلمية.
فقط في نهاية الكتاب، وبعد أن تعرض لانتقادات لاذعة، أشار واتسون إلى مساهمتها العلمية مكتفيًا بوصفها بـ "العظيمة" من دون أن يمنحها العِرفان الذي تستحقه. ومقابل ذلك، أهانها وقال إنها "لم تكن تُبرز أنوثتها"، وشكك في ذكائها وادعى أنها ربما كانت مصابة بمتلازمة أسبرجر (شكل من أشكال اضطرابات طيف التوحد)!
"الأفارقة أغبى منا"!
نأتي الآن إلى تصريحات ومصائب جيمس واتسون الفردية، وأولها تلك المتعلقة باضطهاد الأفارقة.
في مقابلة مع صحيفة "The Sunday Times"، عام 2007، قال جيمس واتسون إنه "متشائم حيال مستقبل إفريقيا"، وبرر ذلك بأن الأفارقة أقل ذكاءً من الأمريكيين، معللاً: "كل سياساتنا تفترض أن ذكاءهم يماثل ذكاءنا، في حين أن كل الاختبارات تقول عكس ذلك".
ولم يتوقف واتسون هنا، بحيث زاد الطين بلةً قائلاً: "أتمنى أن تسود المساواة بين الجميع، لكن أولئك الذين يتعاملون مع موظفين من ذوي البشرة السوداء يعلمون أن الواقع يختلف تمامًا".
بسبب هذه التصريحات غير العلمية اضطُر واتسون إلى التقاعد القسري من منصبه كمستشار في مختبر "كولد سبرينج هاربر"، والعجيب أنه لم يتراجع يومًا عن أفكاره، بحيث قال -بلا تردد- لمذيع قناة PBS الذي سأله إن كانت أفكاره قد تغيرت: "لا، إطلاقًا، هناك فرق بين السود والبيض في اختبارات الذكاء، وأعتقد أن هذا الفرق جيني"!
"السود أكثر رغبةً من البيض"!
لم يبدأ اضطهاد واتسون لذوي البشرة السوداء من عام 2007، بحيث قال قبل ذلك بـ 7 سنوات: إن السود يمتلكون رغبةً أكثر من البيض، وذلك -حسب تفسيره- لأنهم يمتلكون نسبة أكبر من صبغة الميلانين.
وطبعًا هذا محض هراء ولا توجد دراسات علمية مُعتبرة تربط بين نسبة الميلانين في الجسم والرغبة. الميلانين صبغة تُنتَج في الجلد والشعر والعينين لحمايتنا من الأشعة فوق البنفسجية، ولا علاقة له إطلاقًا بالهرمونات أو السلوك الجنسي.
ومن العجيب فعلاً أن يُدلي حائز على نوبل -في الطب تحديدًا- بتصريح كهذا، ربما كانت لديه مشكلة شخصية مع ذوي البشرة السوداء، لكن أن ينقل فكرة قديمة عنصرية في الثقافة الغربية وكأنها حقيقة علمية هي فضيحة بكل المقاييس.
اضطهاد النساء!
خلال عمره المديد الذي وصل إلى 97 ربيعًا، أطلق جيمس واتسون تصريحات استفزازية وعنصرية بحق النساء.
من هذه التصريحات أن "العالمات لا يمكن أن يؤخذن على محمل الجد إذا أنجبن أطفالا"، وأن "النساء لسن بارعات في الرياضيات"، وأضاف أن وجود عدد كبير منهم في المجال العلمي "يجعل الأجواء أكثر متعة للرجال، لكنهن أقل كفاءة ربما"!
وفي حديثٍ متعلق بالتطورات الوراثية المستقبلية، عبّر واتسون عن رغبته بجعل "كل الفتيات جميلات"، مُصرّحًا: "يقول البعض إنه سيكون شيئًا فظيعًا لو جعلنا جميع الفتيات جميلات، لكني أعتقد أن الأمر سيكون رائعًا"!
اقرأ أيضًا: تشابه الحمض النووي بين البشر والموز.. حقيقة أم خرافة؟
اضطهاد ذوي السمنة!
حتى ذوو السمنة لم يسلموا من انتقادات وأفكار واتسون الشاذة، فوفقًا لصحيفة الإندبندنت، التي اطلعت على كلمة واتسون المُلقاة في جامعة كاليفورنيا-بيركلي عام 2000، قال جيمس إن "الأشخاص ذوو الجسم النحيف أكثر طموحًا من ذوي السمنة"، مضيفًا: "عندما تُجري مقابلة مع شخص بدين، تشعر بالسوء لأنك تعرف أنك لن توظفه"!
العلماء يتبرؤون من أفكار جيمس واتسون!
لجيمس واتسون تصريحات وأفكار أخرى مخزية، جعلت المجتمع العلمي ينبذه ويعتبر تصريحاته بمثابة وقود محرك للعنصرية. أعتقد أننا إذا عرضنا هذه التصريحات بشكل مجرد أمام أي شخص، سيعتقد أنها نابعة من هتلر والنازيين، الذين تذرّعوا بالجينات أيضًا لتبرير تمييزهم عن بقية البشر.
إن كان هناك شيء واحد نتعلمه من هذا التقرير، فهو أن الذكاء لا يعني العصمة، والمنصب العلمي أو أي منصب عمومًا ليس مبررًا لاتباع آراء شخص معين.
جسّد جيمس واتسون مغالطة الاحتكام إلى السلطة Appeal to Authority بأوضح صورها، بحيث استخدم مكانته ليقدم آراءً عنصرية وغير علمية ربما صدقها البعض لمكانة قائلها، غير أن العقل والإجماع ينفيان ويضادان كل هذه الترهات.
