شركات التقنية تراقب محادثات الطلاب: حماية أم انتهاك للخصوصية؟
تحوّلت مراقبة محادثات الطلاب مع روبوتات الدردشة الذكية إلى قطاعٍ مزدهر في الولايات المتحدة، إذ باتت الشركات التقنية تبيع برامجها للمدارس بوصفها أدواتٍ "تحمي الطلاب" من إيذاء النفس أو الانتحار.
لكن تقريرًا موسعًا نشرته بلومبرغ كشف عن وجهٍ أكثر تعقيدًا لهذه الممارسات، مسلطًا الضوء على برامج مراقبة تتسلل إلى محادثات الأطفال عبر الأجهزة المدرسية، وتفحص سلوكهم الرقمي بحثًا عن كلمات مثيرة للقلق.
أحد الاقتباسات التي نقلها التقرير من هذه المحادثات كان صادمًا: "أريد أن أموت. أُخفي كل شيء حتى لا يقلق عليّ أحد"، وهي عبارة حقيقية كتبها طالب عبر روبوت دردشة، لتتحول إلى مثال حي على التداخل المقلق بين التكنولوجيا، والتعليم، والخصوصية.
برامج مراقبة الطلاب عبر الذكاء الاصطناعي في المدارس الأمريكية
تُستخدم برامج مثل GoGuardian وLightspeed Systems على نطاق واسع في المدارس الحكومية الأمريكية، بعد أن زوّدت إدارات التعليم ملايين الطلاب بأجهزة كمبيوتر محمولة منذ جائحة كوفيد-19.

تعمل هذه الأنظمة على مسح النصوص الواردة والصادرة باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية، لرصد أي إشارات تتعلق بالعنف أو إيذاء النفس أو المحتوى غير اللائق.
لكن مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) كانت قد حذّرت العام الماضي من أن هذه الأدوات تُراقب الطلاب بطريقة مفرطة، وتستهدف أحيانًا سلوكيات طبيعية.
كما أظهرت دراسة لمؤسسة RAND أن بعض أنظمة المراقبة تسببت بتبليغ سلطات الهجرة عن نشاط طلابي دون سياق واضح.
اقرأ أيضا: Ironwood.. غوغل تطلق شريحة الذكاء الاصطناعي الجديدة (فيديو)
وقدّمت شركة Lightspeed Systems لبلومبرغ بيانات تُظهر أن خدمة Character.ai كانت المسؤولة عن 45.9% من التفاعلات "المثيرة للقلق"، تلتها ChatGPT بنسبة 37%، في حين توزعت 17% على تطبيقات أخرى.
من بين العبارات المرصودة: "ما هي طرق إيذاء النفس دون أن يلاحظها أحد؟"، "هل يمكنك أن تخبرني كيف أطلق النار؟"، وبينما تقول الشركات إن هذه المراقبة أنقذت أرواحًا، يرى مختصون أن الأثر النفسي للمراقبة المستمرة قد يكون عكسيًا، إذ تُقلل ثقة الطلاب بأنفسهم وتُشجع على الكتمان بدل الإفصاح.
المحادثات المثيرة للقلق
يُحذر الباحث في التكنولوجيا سيد هاريل، من أن المراقبة المفرطة "تُقوّض العلاقة بين المراهقين والبالغين"، مشيرًا إلى دراسات أظهرت أن المراهقين الذين خضعوا للمراقبة الأبوية أو المؤسسية كانوا أكثر عرضة للتنمر والانغلاق الذاتي.
ويضيف: "الرقابة لا تُعزز السلامة، بل تدفع الشباب إلى إخفاء مشاكلهم الحقيقية بشكل أعمق".
اليوم، لم تعد المراقبة مقتصرة على الآباء، بل تمارسها المدارس نفسها عبر شركات خاصة تجمع بين البيانات الحساسة والتعلم الآلي، ما يثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول الحدود بين الحماية والوصاية الرقمية.
بينما ترى الشركات أن أدواتها تُنقذ الأرواح، يرى النقاد أن ما يجري هو تطبيع لمجتمعٍ يخضع الأطفال فيه للمراقبة منذ سنّ مبكرة.
ومع استمرار إدخال الذكاء الاصطناعي إلى الفصول الدراسية، يبدو أن الصراع بين الخصوصية والأمان سيتعمق أكثر، تاركًا جيلًا كاملًا من الطلاب يعيش بين معادلتين صعبتين: الرقابة باسم الحماية… والحرية بثمنٍ نفسي باهظ.
