لماذا ينتهي الحب؟ دراسة نفسية تكشف العوامل الخفية وراء القرار
أعادت دراسة نُشرت في مجلة The Journal of General Psychology تعريف مفهوم الانفصال العاطفي، إذ كشفت أنه ليس فعلًا اندفاعيًا تحركه المشاعر اللحظية، بل سلوك عقلاني يتشكل من تفاعل معقد بين العوامل الإدراكية والعاطفية والاجتماعية.
أجرى الدراسة الباحثتان آنا إم. سيمانكو وفيرلن بي. هينز من كلية سانت سكولاستيكا، وقدمتا من خلالها إطارًا نفسيًا متكاملًا يهدف إلى تفسير الأسباب التي تدفع الأفراد لعدم الاستمرار في علاقاتهم العاطفية.
ويؤكد هذا الإطار أن الانفصال يمثل سلوكًا مقصودًا تحكمه النية، وتتأثر هذه النية بمزيج من القناعات الشخصية، والمعتقدات الاجتماعية، والانفعالات الداخلية، والدوافع التحفيزية.
واستند الباحثان في صياغة الإطار إلى نظريتين معروفتين في علم النفس السلوكي: "النهج القائم على الفعل العقلاني" Reasoned Action Approach، و"نظرية السلوك التفاعلي" Theory of Interpersonal Behavior.
وتشير النظرية الأولى إلى أن السلوك الإنساني يعتمد على النوايا التي تنشأ من الموقف الشخصي، ومعايير المجتمع، والشعور بالقدرة على التصرف.
أما النظرية الثانية فتضيف إلى هذا الجانب العاطفي والعادات ودور الهوية الذاتية، موضحة أن القرارات لا تُبنى فقط على التفكير المنطقي بل أيضًا على مشاعر الفرد وانعكاساته الذاتية.
ودمجت الدراسة بين هذين النموذجين لتشكيل إطار شامل يفسر دوافع الانفصال من جوانب متعددة، مشيرةً إلى أن الانفعالات المتوقعة بعد الانفصال، كالشعور بالذنب أو الراحة، والمعتقدات الأخلاقية والمواقف الشخصية تجاه فكرة الانفصال نفسها، كلها تسهم في تحديد النية النهائية للفعل.
دور العوامل الاجتماعية والشخصية في اتخاذ القرار
يكشف الإطار أن المؤثرات العاطفية والاجتماعية والعقلانية تتفاعل لتوجيه السلوك. فالعوامل العاطفية تشمل المشاعر الحالية والمتوقعة، أما الاجتماعية فتشمل المعايير الثقافية، والأدوار الاجتماعية، وتصوّر الفرد لذاته ضمن العلاقة.
بينما تمثل العوامل الإدراكية المعتقدات حول نتائج الانفصال، ومدى السيطرة على مجريات القرار، وهي عناصر تحدد قوة النية في إنهاء العلاقة.
وتؤكد الباحثة سيمانكو أن الانفصال العاطفي عملية عقلية تعتمد على وعي الفرد بالمحفزات المحيطة، وأن فهم هذه العوامل قد يساعد الأشخاص على اتخاذ قرارات أكثر توازنًا. وتشير إلى أن وجود نية واضحة مدعومة بخطة تنفيذية محددة، كاختيار التوقيت والمكان المناسب للحوار، يزيد احتمال المضي في قرار الانفصال.
ويعد هذا العمل تنظيريًا أكثر منه تجريبيًا، إذ لم تُختبر فرضيات النموذج ميدانيًا بعد. لذلك، أوصى الباحثان بإجراء دراسات لاحقة لتحديد مدى دقة هذا الإطار في التنبؤ بسلوك الأفراد خلال قرارات الانفصال.
كما ناقشا محدودية النموذج من حيث عدم تضمينه الفروق الثقافية، لكون التنشئة الاجتماعية تؤثر على معنى الالتزام والارتباط في كل مجتمع.
وتوضح الدراسة أن الاختلافات في الثقافة أو الشخصية، مثل العمر والدين ونمط التعلّق، لا تؤثر مباشرة في قرار الانفصال، بل تعمل من خلال تعديل المعتقدات والمشاعر التي تؤطر عملية اتخاذ القرار.
فعلى سبيل المثال، من يرى في العلاقة العاطفية جزءًا من هويته قد يتردد في إنهائها أكثر ممن يقدّر الاستقلال الشخصي، ومن يعيش في بيئة تتقبل فكرة الانفصال قد يجد القرار أسهل على المستوى النفسي والاجتماعي.
وتشير النتائج إلى أن تطوير هذه الفرضية سيساعد في تصميم أدوات تقييم واستشارات نفسية تمنح الأفراد وعيًا أعمق بدوافعهم، كما يمكن تطبيق الإطار ذاته على قرارات أخرى مثل إنهاء الصداقات أو تغيير العمل أو اتخاذ قرار الزواج والإنجاب، نظرًا لتشابه الديناميات النفسية المؤثرة في جميع هذه المواقف.
