إشارة هيدروجين غامضة تكشف أسرار العصور المظلمة للكون
اقترب علماء الفلك خطوة جديدة نحو حل أحد أعقد ألغاز الكون المبكر، بعد أن كشف تحليل إشارات راديوية خافتة من الهيدروجين القديم عن دلائل تُشير إلى أن الكون كان يسخن تدريجيًا قبل ولادة النجوم الأولى.
وتُظهر النتائج، التي نُشرت في مجلة الفيزياء الفلكية، أن سحب الغاز بين المجرات كانت تتعرض لتسخين مبكر بفعل الثقوب السوداء الفتية وبقايا النجوم الأولى، ما يقدم لمحة نادرة عن فترة غير مرصودة تُعرف بـ"العصور الكونية المظلمة".
بعد الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، كان الكون في حالة ساخنة وكثيفة، ثم بدأ بالتمدد والتبريد تدريجيًا. وبعد نحو 400 ألف سنة، تكوّنت ذرات الهيدروجين المتعادلة، ودخل الكون في ظلام دامس دام مئات الملايين من السنين قبل ظهور النجوم الأولى.
وعندما اشتعلت هذه النجوم الضخمة والمجرات الفتية، بدأت تبعث ضوءًا فوق بنفسجيًا أعاد تأيين الغاز المنتشر في الفضاء، في مرحلة محورية تُعرف بـ"عصر إعادة التأين".
ما هي العصور المظلمة للكون؟
الدراسة الجديدة على عكس ما سبق، تشير إلى أن الكون ربما لم يكن باردًا كما كانت النماذج تتوقع، بل بدأ بالسخونة قبل بزوغ الضوء النجمي بفعل الطاقة المنبعثة من الثقوب السوداء الوليدة.
الباحثون في المركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي في بيرث بأستراليا، بقيادة العالمة ريديما نونهوكي وزميلتها كاثرين تروت، درسوا بيانات تم جمعها على مدار عشر سنوات بواسطة مصفوفة مورشيسون وايدفيلد، وهو تلسكوب راديوي قوي في صحراء أستراليا الغربية.

كان هدفهم هو اكتشاف ما يُعرف بـ "خط الهيدروجين ذو الطول الموجي 21 سنتيمترًا" – وهي بصمة راديوية خافتة تنشأ عندما يتغير اتجاه دوران البروتون والإلكترون في ذرة الهيدروجين، ما يؤدي إلى انبعاث فوتون عند تردد 1.42 جيجاهرتز.
هذه الإشارة، رغم ضعفها الشديد، تُعدّ بمثابة ميزان حرارة كوني، إذ تعكس درجة حرارة الغاز المحيط وتكشف متى بدأ يتأثر بأشعة النجوم الأولى والثقوب السوداء.
لكن التقاطها صعب للغاية لأنها مغمورة تحت طبقات من الضوضاء الراديوية القوية الناتجة عن مجرة درب التبانة والغلاف الجوي للأرض وحتى عن التلسكوبات نفسها.
تقنية جديدة لكشف أسرار الكون
طوّر الفريق تقنية إحصائية متقدمة لتنقية البيانات من هذه الإشارات المزعجة، في محاولة لعزل الانبعاثات الراديوية الدقيقة للهيدروجين التي تعود إلى نحو 800 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.
ووفقًا للنتائج، لم يتم رصد الإشارة بوضوح بعد، لكنها سمحت بتحديد أقوى قيود علمية حتى الآن على قوة الإشارة وشكلها، مؤكدين أن الكون كان أكثر دفئًا مما كان متوقعًا خلال بدايات إعادة التأين.
اقرأ أيضا: قمر جليدي يكشف سرًا قد يغيّر فهمنا للحياة في الكون (فيديو)
وقالت كاثرين تروت: "نتوقع أن يكون الغاز بين المجرات باردًا جدًا في ذلك الوقت، لكن قياساتنا تُظهر أنه كان يسخن بالفعل، ربما بفعل الأشعة السينية المنبعثة من الثقوب السوداء الصغيرة".
وأكدت أن هذا الاكتشاف “يستبعد السيناريوهات التي تفترض بداية شديدة البرودة للكون”.
تُعد التقنية الجديدة خطوة تمهيدية لتشغيل تلسكوب الكيلومتر المربع (SKA)، المشروع الراديوي العملاق الجاري بناؤه في أستراليا وجنوب إفريقيا، والذي من المتوقع أن يمتلك الحساسية الكافية لاكتشاف إشارة 21 سنتيمترًا مباشرة خلال السنوات القادمة.
وقالت نونهوكي: "نحن نعرف الآن بالضبط ما نبحث عنه، وما نحتاج إليه هو بضع ساعات من بيانات تلسكوب SKA للوصول إلى المستويات المطلوبة".
بهذه النتائج، يقترب العلماء من فتح نافذة جديدة على الفجر الكوني – الحقبة التي وُلدت فيها أولى النجوم والمجرات، وبدأ الكون يشع بالنور بعد ظلام دام مئات الملايين من السنين، لتتكوّن الصورة الأولى لما أصبح عليه الكون اليوم.
