عقلان يقودان الدفّة: سرّ نجاح الشركات بالقيادة المشتركة
في ظلِّ تَعقُّدِ بيئات العمل وتزايد المسؤوليات، بدأت العديد من المؤسسات تتجه نحو نماذج قياديةٍ أكثرَ مرونة.
من بين هذه النماذج، تبرز القيادةُ المشتركةُ بوصفها خيارًا استراتيجيًا يجمع بين خبراتٍ متعددةٍ لتحقيق نتائج أكثر توازنًا وفعالية.
فوائد القيادة المشتركة
في بعض البيئات القيادية، لا يكون القائد الواحدُ كافيًا لمواجهة التحديات المعقَّدة أو إدارة فرقٍ متعددةِ المهام.
هنا تبرز القيادةُ المشتركة كنموذجٍ فعّال يجمع بين قوتين قياديتين لتحقيق نتائج أفضل، ومن أبرز فوائد هذا النموذج:
1. حلول أذكى وأكثر تنوعًا
عندما يجتمع قائِدان في قيادة فريق، فإنهما يجمعان بين خبراتٍ ومهاراتٍ مختلفة، مما يثري عمليةَ اتخاذ القرار.
هذا التنوع يفتح المجال لرؤية أوسع، ويُعزِّز التفكير الإبداعي، ويؤدي إلى حلول أكثر توازنًا وابتكارًا، خاصةً في المواقف المعقَّدة التي تتطلب زوايا نظرٍ متعددة.
2. اتخاذ قرارات أكثر نضجًا
القيادة المشتركة تفرض نقاشاتٍ متواصلةً بين القائدين، ما يثري عملية اتخاذ القرار. فبدلاً من الاعتماد على وجهة نظر واحدة، تُستكشَف الخيارات من زوايا متعددة، مما يقلّل من احتمالية التحيُّز، ويرتقي بجودة القرارات المتَّخَذة، ويُعزِّز الثقة في نتائجها.
3. تسريع الإنجاز وتقليل الضغط
تقاسمُ المسؤوليات بين قائدين يُخفِّف العبءَ عن كلٍّ منهما، ويمنح الفريقَ مرونةً أكبرَ في الوصول إلى التوجيه والدعم.
فوجود أكثر من نقطة اتصال يقلِّل من الاختناقات الإدارية، ويُسَرِّع وتيرة العمل، ويمنح القادةَ فرصةً للتركيز على جوانبَ استراتيجية من دون أن يغرقوا في التفاصيل اليومية.
اقرأ أيضًا: ملياردير أمريكي يحذر: ريادة الأعمال طريق محفوف بالمخاطر وليست للجميع
4. تعزيز ثقافة التعاون داخل الفريق
حين يرى أعضاء الفريق قائدين يعملان بتناغم، ويتشاركان المسؤوليات والقرارات، فإن ذلك يخلق نموذجًا حيًّا لثقافة التعاون.
هذه الثقافة تنتقل تدريجيًا إلى الفريق، فتزداد روح العمل الجماعي، ويشعر الجميع بأنهم جزء من منظومةٍ متكاملةٍ، مما يُعزِّز الشعور بالانتماء والمسؤولية المشتركة.
كيف تُبنى قيادة مشتركة فعّالة؟
لكي تنجح القيادةُ المشتركة، لا يكفي فقط وجود قائدين في موقع المسؤولية، بل يجب أن تُبنى العلاقةُ القياديةُ على أسسٍ واضحةٍ ومتكاملة.
تبدأ هذه العملية برؤيةٍ مشتركة، حيث يتفق القائدان على أهدافٍ واضحةٍ للمشروع أو الفريق، ويحددان معًا معاييرَ النجاح التي سيتم القياسُ عليها لاحقًا.
ثم يأتي دورُ الشفافية في تبادل المعرفة، فمشاركة المعلومات والخبرات بين القائدين، وإطلاع الفريق على التفاصيل المهمة، يخلق بيئةً من الثقة ويمنع ظهور فجواتٍ في التواصل أو الفهم.
من المهم أيضًا أن يتم تحديد الأدوار والمسؤوليات منذ البداية، بحيث يعرف كل قائدٍ ما يُتوقَّع منه، وما هي حدودُ تدخله، مما يقلِّل الالتباس ويمنع التداخل في المهام.
ومع مرور الوقت، تصبح مراجعةُ الإنجازات والتحديات خطوةً ضرورية، فالتقييم الدوري للنتائج، سواء كانت نجاحات أو إخفاقات، يساعد القادةَ على التعلم المستمر، وتعديل المسار عند الحاجة.
وأخيرًا، لا تكتمل القيادةُ المشتركة بدون الانفتاح على التغذية الراجعة، فاستقبال ملاحظات الفريق والعملاء، والتفاعل معها بمرونة، يعكس نضجًا قياديًا، ويُسهم في تحسين أسلوب القيادة وتطوير الأداء العام.
أمثلة على تطبيق القيادة المشتركة
لتوضيح فعالية القيادة المشتركة، يمكن النظر إلى بعض النماذج الناجحة التي طبّقت هذا الأسلوب في شركات عالمية، وحققت من خلاله نتائج ملموسة:
- أتلاسيان.. قيادة مؤسسية مشتركة
تبنّت شركةُ أتلاسيان Atlassian الأسترالية، المتخصِّصة في تطوير أدواتِ التعاون وإدارة المشاريع، نموذجَ القيادة المشتركة منذ بداياتها.
حيث تولّى مؤسِّساها مايك كانون-بروكس وسكوت فاركوهار قيادة الشركة معًا، من خلال توزيع المسؤوليات بين الجوانب التقنية والتجارية.
هذا النموذج القيادي مكّن الشركة من الحفاظ على توازنٍ فعّال بين الابتكار التقني والنمو التجاري، وساهم في تطوير مجموعةٍ من المنتجات التي أصبحت جزءًا أساسيًا من بيئات العمل الحديثة.
من أبرزها جيرا Jira، وهي أداة متقدمة تُستخدم على نطاقٍ واسعٍ في فرق تطوير البرمجيات لتخطيط المشاريع وتتبع المهام بدقة.
وأيضًا تريلو Trello، المنصة المرئية التي تعتمد على أسلوبِ البطاقات لتنظيم العمل، وتُستخدم من قبل فرق تقنية وغير تقنية لتبسيط إدارةِ المهام اليومية بطريقةٍ مرنةٍ وسهلة.
بفضل هذا التوزيع الذكي للقيادة، استطاعت أتلاسيان أن تحافظ على وتيرةِ نموٍ مستدامة، وتُعزِّز من قدرتها على الابتكار في بيئة عملٍ تعتمد على التعاون والانفتاح.
اقرأ أيضًا: رائدة الأعمال يارا غوث: جرأة الانطلاق أهم من الكمال.. بالصبر والإصرار تجاوزت كل العقبات
- أوراكل.. قيادة مشتركة لتعزيز التكامل التقني
في سبتمبر 2025، أعلنت شركةُ أوراكل تعيين كل من كلاي ماغويرك ومايك سيسيليا في منصب الرئيس التنفيذي المشترك، خلفًا لسافرا كاتز التي انتقلت إلى منصب نائبِ رئيس مجلس الإدارة.
هذا القرار لم يكن مجرد تغييرٍ إداري، بل خطوةٌ استراتيجيةٌ تهدف إلى دمج خبرات القائدين، فـ ماغويرك يقود بنيةَ السحابةِ التحتية، فيما يشرف سيسيليا على التطبيقات والذكاء الاصطناعي.
هذا النموذج القيادي يعكس توجه أوراكل نحو تعزيز التكامل بين الحلول السحابية والتقنيات الذكية، مما عزّز قدرتها التنافسية في سوق التقنية المتسارع، وساهم في ترسيخ مكانتها كشركة رائدة في مجال البنية التحتية للحوسبة السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
تحديات القيادة المشتركة
رغم ما تحمله القيادةُ المشتركة من مزايا عديدة، إلا أنها لا تخلو أيضًا من بعض التحديات والعواقب التي قد تؤثر على فاعليتها إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.
من أبرز هذه التحديات تفاوتُ المهارات واختلافُ المصطلحات بين القائدين، ما قد يخلق صعوباتٍ في التواصل أو اختلافًا في تفسير الأولويات.
كما أن وجود قائدين في المشهد قد يُسبب ارتباكًا داخل الفريق، إذا لم تكن الأدوار والمسؤوليات محددةً بوضوح، ما يجعل بعض الأعضاء غير متأكدين من المرجعية الإدارية.
ومن التحديات الأخرى أن عملية اتخاذ القرار قد تصبح أبطأ، نظرًا للحاجة إلى التوافق المشترك قبل اعتماد أي خطوة، وهو ما قد يؤثر على سرعة الاستجابة في المواقف الحرجة.
كذلك، فإن الخلافات بين القادة تظل احتمالًا قائمًا، وقد تؤدي إلى توترٍ داخلي أو تعطيل سير العمل إذا لم تُدار بشكلٍ ناضجٍ وشفاف.
ومع ذلك، فإن إدراك هذه التحديات والعمل على معالجتها من خلال وضوح الرؤية، وتحديد الأدوار، وتعزيز ثقافة الحوار، يمكن أن يحوِّل القيادةَ المشتركة إلى نموذجٍ فعّالٍ ومستدام يُسهم في بناء فرقٍ أكثر تماسكًا وقدرة على الإنجاز.
