كيف تنقذ شركتك من "الموت بألف طعنة"؟
قبل حوالي 1400 عام، ظهر في الصين القديمة ما يُعرف بالـ"لينغتشي Lingchi"، أو "الموت بألف طعنة Deaths by a 1000 cuts" كما عُرف في الغرب، وهي طريقة عقاب كانت مُخصصة للجرائم الكبيرة، مثل الخيانة العظمى أو قتل الوالدين أو السيد.
فكرة "الموت بألف طعنة" أن المذنب لم يكن يُقتل بضربة واحدة تُغيّبه سريعًا، بل كان يُعذَّب حتى يموت بالبطيء، إن لم يكن جسديًا، فنفسيًا، حيث كان يُعتقد أن تشويه الجسد يُعد عارًا يمنع الروح من أن تستريح في الحياة الآخرة.
كان المحكوم عليه يُربَط في مكانٍ عام على مرأى ومسمع من الحشود، ويُقطَّع جسده تدريجيًا بعشرات أو مئات الجروح، وكان الهدف من هذا العرض القاسي إطالة زمن العذاب لأقصى مدة ممكنة، مع إبقاء هذا المذنب حيًا وواعيًا قدر الإمكان حتى يتألّم أكثر وأكثر، ومن ثم جعله عبرة لمن يعتبر.
عائلات الأغنياء كانوا يدفعون للجلاد لتسريع موت الضحية، وحتى بعد الوفاة كانوا يحاولون دفن الجثة، لأن المُذنب لم يكن يُدفَن من أجل إهانته حيًا وميتًا.
وفي عام 1905، وبعد الكثير من الضغوطات، وافقت الصين أخيرًا على إلغاء هذه العقوبة القاسية رسميًا، لكن أثرها امتد إلى اليوم وأصبح مصطلح "الموت بألف طعنة" أو "الموت البطيء" يُستخدم هذه الأيام لوصف حالة معينة.
ماذا يعني "الموت بألف طعنة" في البيزنس؟
يُستخدم مصطلح "الموت بألف طعنة" مجازًا لوصف الفشل أو الانهيار الذي لا يحدث فجأة، بل نتيجة مشكلات صغيرة تتراكم حتى تؤدي إلى الانهيار، ويُمكن أن ينطبق هذا الوصف على الحياة الشخصية أو العمل، ويمكن أن يحدث بأكثر من صورة.
من أكثر الصور شيوعًا أن تلاحظ انخفاض إنتاجيتك، ليس بسبب الكسل، لكن نتيجة المشتتات الصغيرة التي تقطع تركيزك وتسرق وقتك دون أن تشعر، وهذه صورة غير مباشرة لحالة الموت بألف طعنة، لكنها منتشرة.
على مستوى الأعمال، يظهر التجسيد المباشر للموت بألف طعنة في صورٍ كثيرة، فأحيانًا تكون الشركة ناجحة جدًا، من حيث جودة المنتج الذي تقدمه، والموقع، والسُمعة في السوق، وكل شيء تقريبًا، لكن فجأة تتدهور وتنهار نتيجة أخطاء بسيطة كان يمكن تفاديها بسهولة؛ أخطاء ليست كارثية، لكنها تراكمت مع الوقت ككرة ثلج أطاحت بالشركة.
على سبيل المثال، قد يؤدي التسعير الخاطئ لمنتجٍ ما إلى فشل مشروع بأكمله، حتى لو كان بهامشٍ بسيط للغاية، والشيء نفسه يحدث إذا تجاهلت شريحة معينة من العملاء خلال حملاتك التسويقية، أو فوت مكالمات هاتفية كانت لعملاء كبار، أو غيرها من المشكلات التي تبدو بسيطة، لكن أثرها كارثي مع الوقت.
بعكس المشكلات الواضحة، تكمن خطورة المشكلات البسيطة أنها لا تدق ناقوس الخطر، إلّا عندما تَكبُر ويُصبح من الصعب تداركها، وقتها قد يكون الأوان قد فات، ويُصبح الحل شبه مستحيلًا.
اقرأ أيضًا: البيع بالتجزئة: التحديات والفرص التي تواجه القطاع وكيفية التغلب عليها
كيف تتجنب "الموت بألف طعنة"؟
الحل يكمن في الخطوات والإجراءات الاستباقية، ليس من الإدارة العليا فقط، بل من موظفي الإدارة والدعم الذين يُمثلون العمود الفقري للشركة، وبدون هؤلاء الموظفين، لن يكون لخطط الإدارات العليا أي فائدة مهما كانت مُحكمة، حيث يظل التنفيذ مسؤولية الموظفين الموجودين في الصفوف الخلفية، فهُم الذين يتولون المكالمات الهاتفية، ويكتبون العقود، ويحددون المواعيد، ويتأكدون من كل هذه الأمور الصغيرة التي لا نريدها أن تتراكم وتطعن العمل ألف طعنة!
لكن من أجل أن يتحقق ذلك، يجب أن يكون فريق العمل أكثر استقلالية، كما يجب أن يتم تدريبهم على التفكير واتخاذ المبادرة، فإذا كنت مديرًا أو مسؤولًا عن فريق، عندما يسألك أحدهم عن رأيك في شيء ما، جرب أن تسأله: ما رأيك أنت؟ أو: إذا لم أكن موجودًا، ماذا كنت ستفعل؟ هذه الأسئلة البسيطة ستشجعهم على البحث عن الحلول بأنفسهم، بدلًا من الاعتماد الدائم عليك.
الأهم من كل ذلك أن تُظهر لأعضاء فريقك أنك تثق بهم؛ وقتها فقط سيعتبرون مكان العمل بمثابة بيتهم، وسيتحملون مسؤولية قراراتهم.
في النهاية، يجب أن تعرف أن جميع الأعمال مُعرضة للفشل بسبب الأخطاء البسيطة التي تتراكم نتيجة الإهمال، والفرق بين الشركات التي تنمو والتي تنحدر هو مدى اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة، والأخذ في الاعتبار المشكلات التي يمكن أن تحدث من العدم.
