البيع بالتجزئة: التحديات والفرص التي تواجه القطاع وكيفية التغلب عليها
خلال السنوات الأخيرة، شهد قطاع البيع بالتجزئة العديد من التحديات المعقدة، ورُغم أن الإحصائيات العالمية تدعو للتفاؤل، بما يدفع الخبراء إلى توقع إمكانية اقتراب المبيعات عالميًا من الـ30 تريليون دولار، إذا سارت على نفس هذا المنوال المتنامي، فإن الواقع يظل أكثر تشاؤمًا، على الأقل بالنسبة لكثير من اللاعبين الجُدد، فما هي تحديات البيع بالتجزئة؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
في السطور التالية نستعرض ما يقوله الخبراء في هذا الموضوع.
تحديات الشركات في البيع بالتجزئة
1. إدارة المخزون:
يتطلب تحقيق التوازن بين توفر المنتج وتجنب الفائض دقةً كبيرة، فحين تنفد بعض الأصناف من المخازن، تُفقد فرصة البيع مباشرةً، ما يعني خسارة فورية في الإيرادات.
بينما تتكدس البضائع في المستودعات في حال سوء تقدير حجم الطلب، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف التخزين واحتمالية اللجوء إلى تخفيض الأسعار لتصريف الفائض.
ولمواجهة هذه المشكلة، يجب الاستعانة بأنظمة إدارة المخزون الذكية، التي تتيح تتبع الكميات في الوقت اللحظي، وتوقع حركة الطلبات بدقة للحفاظ على المستوى المناسب من كمية المنتجات.
بينما تُسهم أيضًا أساليب المحاسبة المرتبطة بتكلفة المخزون في تحسين القرارات المتعلقة بالتسعير والشراء، كما تساعد على كشف مصادر الهدر وضبط النفقات، بما يدعم الربحية على المدى الطويل.
2. كسب ولاء العملاء:
ليس من السهل كسب ولاء العملاء، وذلك لأن الأمر لا يرتبط بجودة المنتج أو جاذبية السعر فقط، بل بنوعية التجربة التي يعيشها العميل خلال تفاعله مع المتجر.
فأي انطباعٍ سلبي كفيل بمنع الزبون من العودة مجددًا، حتى إذا كان لديك عروض مغرية، أو كان منتجك عالي الجودة، فالعميل -عادةً- لا يهتم بالكم المهول من الضغط الذي تعاني منه، وهو يعتقد أنك يجب أن تخدمه هو فقط، ورغم أن هذا من حقه، إلا أنه يمثل أساس المشكلة.
وقد تساهم العروض الترويجية في حل هذه المشكلة إلى حدٍ ما، لكن العامل الحقيقي الذي يُحدث الفرق حقًا هو التخصيص، حين يشعر الزبون أن العلامة التجارية تفهم ذوقه، وتعرض عليه ما يلائم اهتماماته السابقة أو عاداته الشرائية، وهنا تتولّد لديه علاقة أقرب للثقة والانتماء.
ويستطيع أصحاب المتاجر استثمار بيانات المشتريات السابقة أو الاهتمامات المتكررة لبناء صورة أوضح عن العميل، وفي بعض الحالات قد تكون محادثة عابرة مع زبونٍ دائم كافية لخلق هذا الرابط.
ولعل حجم النشاط التجاري يمكن أن يحدد الطريقة الأنسب، لكن لا ينبغي لأي مؤسسة، مهما كبُرت، أن تغفل عن أهمية التواصل الشخصي ولو بشكل بسيط.
اقرأ أيضًا: كيف تكسب ثقة العملاء في التجارة الإلكترونية؟ جرب هذه النصائح الفعّالة
3. جذب العملاء باستمرار:
"الوصول إلى القمة صعب، لكن الحفاظ عليها أصعب"، وبالمثل، فإن إقناع العميل بالشراء لأول مرة يُعد تحديًا في حد ذاته، لكن التحدي الأكبر يتمثل في جعله يعود مرةً أخرى، بل ويُصبح من الزبائن الدائمين والأوفياء.
ففي العصر الذي نعيش فيه، حيث البيئة الاستهلاكية المفتوحة، يتنقل المستهلك بسهولة بين المنصات والمتاجر، ويقارن الأسعار والخيارات المتاحة، ربما بسهولة منقطعة النظير، ومن ثم يمكنه أن يعرف أي المنصات تخدعه وأيها يحترمه كعميل.
وللتغلب على هذا التحدي، تعتمد كثير من الشركات على تحليل بيانات العملاء، بهدف تصميم حملات تسويقية مخصصة تعمل عبر قنوات متعددة، ومن وسائل التواصل الاجتماعي إلى البريد الإلكتروني والرسائل النصية، بحيث يتم الوصول إلى كل عميل من خلال القناة التي يفضلها، وبلغة تلامس اهتماماته الفعلية.
4. استخدام الوسائل التقنية الحديثة:
لم يعد الاعتماد على التكنولوجيا رفاهية، حتى بالنسبة لقطاع التجزئة، بل أصبح ضرورة مُلحة لمن يسعى لتبسيط العمليات وخفض التكاليف، وبالطبع الاستجابة لطلبات العملاء بسرعة.
والتحدي يكمن في الكم الهائل من الأدوات الرقمية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، والتي يصعب الإحاطة بها أو اختيار الأنسب من بينها، بالإضافة إلى عدم معرفة الكثير من التجار بهذه الوسائل من الأساس.
اقرأ أيضًا: «هنري سي» من بائع للأحذية إلى ملياردير البيع بالتجزئة في الفلبين
ولعل من بين الأساسيات التقنية التي يجب أن تتوفر في هذه السياقات روبوتات الدردشة الذكية Chatbots، التي تتعامل مع استفسارات العملاء بكفاءة وعلى مدار الساعة.
كذلك حلول الدفع عبر المحافظ الإلكترونية، التي توفر وسيلة آمنة وسريعة لإنهاء عمليات الشراء، وهذه أساسيات لا يمكن التنازل عنها الآن في كثير من المشاريع.
5. الاهتمام برفاه الموظفين:
وراء واجهات المتاجر الأنيقة والعروض الجذابة، يعيش الكثير من العاملين في قطاع البيع بالتجزئة تجارب مريرة، تتسم بالضغط والإجهاد النفسي.
فالتعامل المستمر مع الزبائن، وأداء مهام متكررة وروتينية يُهلك الموظف، ويترك أثرًا نفسيًا وجسديًا لا يُستهان به، وإذا كان "العميل دائمًا على حق"، فالموظف أحق، وذلك لأنه بدون الموظف، لن يكون هناك مشروع أساسًا، وبالتالي لن يكون هناك عميل.
وكصاحب مشروع أو مسؤول، لا تُهمل هذا الجانب، واعرف أكثر عن الاحتراق الوظيفي Burnout، ووفّر رواتب تنافسية وحوافز عادلة وبرامج تدريبية للدعم النفسي، واهتم دائمًا بموظفيك قدر الإمكان.
اقرأ أيضًا: ما هو الاحتراق الوظيفي الذي حذرت منه وزارة الصحة؟ (فيديو)
6. تحدي التضخم:
يتساءل الكثيرون عن كيفية الاستجابة لتغيرات السوق في التجارة بالتجزئة، وهذا سؤال كثيرًا ما يتكرر، لأن التضخم هو التحدي الاقتصادي الأبرز في قطاع البيع بالتجزئة.
فارتفاع تكاليف المواد الخام، والإيجارات، وفواتير الخدمات، وأجور العاملين، كلها أشياء تؤثر على العمل وتهدده، ولحسن الحظ أن هناك استراتيجيات واقعية يمكن أن تساهم في الحد من تأثير التضخم.
توسيع شبكة التوريد، على سبيل المثال، يوفّر مرونة أكبر ويقلل الاعتماد على مورد واحد، مما يحمي الشركة من تقلبات الأسعار المفاجئة، كما أن التركيز على بناء قاعدة ولاء قوية، وتعزيز جودة الخدمة، قد يساعد في الحفاظ على العملاء حتى في فترات ارتفاع الأسعار.
ومن أجل إدارة هذه المرحلة بكفاءة، من الضروري مراقبة أسعار المنافسين ورفع الأسعار تدريجيًا عند الحاجة، مع إعادة النظر في تشكيلة المنتجات والتركيز على الأكثر طلبًا منها.
إلى جانب ذلك، يمكن التفكير في تأمين تمويل بشروط ثابتة لتجنّب تقلبات الفائدة، وتخزين السلع الأساسية بكميات كافية، وإعادة تقييم المصروفات للبحث عن فرص تقليص التكلفة دون المساس بجودة العمليات.
7. توقعات المستهلكين العالية:
لم تعد أنماط الشراء ثابتة، والتنبؤ بها لم يعد سهلًا على الإطلاق، والسبب واضح، سلوكيات المستهلك وتوقعاته أصبحت تتغير بوتيرة متسارعة.
اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، أصبح المستهلك يرغب في تجربة تسوق متكاملة، تجمع بين ميزات المنصات والمتاجر الرقمية والفعلية، فالشخص الذي يريد شراء ساعةٍ، أو حتى تيشرت فاخر، لم يعد يُرضيه أن يجد أي اختلافٍ بسيط بين ما يراه على المتجر الإلكتروني وما يراه على الواقع، وهذا من حقه.
لكن الأمور تعقّدت لدرجة أن العميل أصبح يبالغ في التدقيق، وقد يتخذ قرار إرجاع المنتج في حال استشعاره بوجود أبسط الاختلافات، والتي قد لا تؤثر بالضرورة على التجربة أو حتى على شكل المنتج.
هذا المثال بعينه للتوضيح فقط وقد لا يتكرر كثيرًا، لكن المقصد من ورائه، هو الحديث عن توقعات المستهلكين المبالغ فيها، والتي أصبحت شائعة للغاية، وقد تفسد الكثير من عمليات التوسع في البيع بالتجزئة، نظرًا لأن التاجر يعرف أن المشتري قد يتحجج بأبسط الأمور حتى يعيد المنتج، وهذه تكلفة غير مبررة بالنسبة للتاجر، خصوصًا إذا كان إرجاع المنتج مجانًا.
تأثير التسويق الرقمي على مستقبل البيع بالتجزئة
على الرغم من أن معظم العملاء يثقون في المتاجر الفعلية أكثر من نظيراتها الافتراضية أو الإلكترونية، فإن أكثر من 2.8 مليار شخص حول العالم اشتروا عبر الإنترنت خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لأرقام Statista.
ووفقًا لإحصائيةٍ أخرى لـeMarketer، فإن مبيعات السوق الرقمي من المتوقع أن تصل إلى 7.4 تريليون دولار هذا العام، ولتتصور هذا الرقم، فإن 1 من كل 4 دولارات يتم إنفاقه على التسوق الرقمي!
ونعتقد أن هذه الإحصائيات تكفي لتوضيح أهمية التسويق الرقمي على مستقبل البيع بالتجزئة، فالتواجد "أونلاين" اليوم بات أكثر من أي وقتٍ مضى، وعدد المشاريع التي تُبنى على الإنترنت يتزايد بشكل مخيف، ولهذا لم يعد هناك مفر من تكثيف التسويق الرقمي (بمساعدة متخصصين) لتعزيز مشاريع قطاع البيع بالتجزئة.
