استراتيجية "النوم على المشكلات".. أمامك قرار مصيري؟ دعه واخلد إلى النوم!
هل سبق وأن تعثرت في مشكلة ما أو واجهت صعوبة في المفاضلة بين خيارين أو أكثر، فذهبت إلى النوم يائسًا، وبعد الاستيقاظ فوجئت بالحل من حيث لا تحتسب؟ هل تعلم أن هذه ليست مصادفة؟ ما حدث معك هنا له اصطلاحٌ معروف في الإنجليزية بـ "Sleep On Something" أو "Sleep On It"، ويعني أن تؤخر اتخاذ القرارات المهمة حتى اليوم الثاني، وفقًا لقاموس كامبريدج. لكن، ما علاقة النوم بالموضوع؟ وهل هناك أدلة علمية تؤكد جدوى استراتيجية النوم على المشكلات هذه؟
ما هي استراتيجية النوم على المشاكل؟
عندما ننام، تمر أدمغتنا بعدة مراحل تُشكل دورة النوم، تبدأ بمرحلة "النوم الخفيف Light Sleep"، ثم "النوم العميق Deep Sleep"، ومنها إلى مرحلة "حركة العين السريعة Rapid Eye Movement".
في المرحلة الثالثة، حيث تتحرك العينان سريعًا وتحدث الأحلام، تقوم منطقة المهاد بالدماغ بنقل الإشارات القادمة من حواسك إلى القشرة الدماغية.
القشرة الدماغية بدورها تعمل على تفسير المعلومات التي تستقبلها وتمزجها مع الذكريات، في عملية تتكرر كل 90 دقيقة تقريبًا، وهذه مدة دورة النوم الواحدة التي تهيئ دماغك لاستيعاب معلومات جديدة.
لكي تتعلم أي شيء جديد، أو بمعنى أدق تكون ذكريات، لا بد لثلاثة أشياء أن تحدث:
1. تتعلم عن هذا الشيء فعليًا. وكلما استخدمت حواس أكثر، كانت النتيجة أفضل.
2. تُثبّت أو تُرسّخ المعلومة في دماغك وتربطها بمعلومات ذات صلة.
3. تملك القدرة على استرجاع هذه المعلومة في الوقت الذي تريده.
النقطة الأولى والثالثة تحدثان وأنت مُستيقظ، أما الثانية فتحتاج منك إلى أن تنام حتى تحدث عملية الترسيخ والربط. تربط الخطوة الثانية الخطوتين الأخريين ببعضهما، وبدونها، لن تستطيع تكوين الذكريات ولن يكون لعملية التعلم فائدة.
ولهذا السبب فإن قلة النوم تُضعف قدرتك على اكتساب معلومات جديدة بنسبة قد تصل إلى 40%، كما أنها تؤثر على ذاكرتك وصحتك البدنية، إلخ من أضرار النوم التي لا نحتاج إلى أن يخبرنا عنها أحد!
كيف تثبُت المعلومات في عقلك أثناء النوم؟
إذا كانت عملية التعلم واستدعاء المعلومات تحدث وأنت مستيقظ، فعملية التثبيت والترسيخ نفسها تحدث أثناء النوم.
خلال النوم، يقوم دماغك بفلترة الأحداث والمعلومات التي أُدخلت إليه طوال اليوم السابق، فيحذف المعلومات غير المهمة ويحتفظ بتلك التي تثير مشاعر قوية أو التي استخدمتها باستمرار وبذلت جهدًا للاحتفاظ بها.
في المرحلة الثانية من النوم، مرحلة النوم العميق، يتم تثبيت الذكريات، وفي المرحلة الثالثة، حركة العين السريعة REM، يتم ربط الذكريات المتشابهة ببعضها مما يُسهل من عملية استدعائها لاحقًا.
لهذا السبب، إذا نمت جيدًا قبل اتخاذ قرار مهم، فأنت تمنح عقلك الفرصة لمعالجة المعلومات وتكوين روابط جديدة تزيد من احتمالية الاستيقاظ بأفكارٍ وحلول واضحة، والعكس بالعكس.
هل استراتيجية النوم على المشاكل مُجدية؟
للإجابة على هذا السؤال، أجرت جامعة لانكستر دراسة على 61 شخصًا، مقسمين إلى 27 رجلًا و34 امرأة؛ طُلب منهم حل مسائل لغوية بعضها معقد والآخر سهل. بالنسبة للمسائل المعقدة، أظهرت الدراسة أن المجموعة التي حصلت على قسطٍ من النوم استطاعت حل عدد أكبر من المسائل المعقدة مقارنةً بالمجموعات الأخرى التي لم تنم. أما في المسائل السهلة، فلم يكن هناك فرق يذكر.
لقد ساعد النوم المشاركين على الوصول لمعلومات لم يكن لعقلهمٍ وصولٌ إليها في البداية، وهذا هو بيت القصيد.
اقرأ أيضًا: ليست بعدد ساعاته.. معايير جودة النوم واستراتيجيات تعزيزه
كيف تنام على المشكلات بالشكل الصحيح؟
توصي معظم الدراسات والجهات الصحية بالنوم لمدة 7-9 ساعات يوميًا. يقول "د. ماثيو ووكر"، وهو متخصص بعلم النوم في جامعة كاليفورنيا، إنك لا تستطيع الاستيقاظ طوال الليل وتتوقع أن تتعلم بفعالية، وذلك لأن نقص النوم يؤثر على منطقة الحصين بالدماغ، وهي المنطقة الأساسية لتكوين الذكريات الجديدة. إليك بعض النصائح لتحظى بنومٍ جيد وتساعد عقلك على تعلم الأشياء الجديدة:
1. خصص وقتًا ثابتًا للنوم
إذا كان نومك مُضطربًا، فهذا يُربك الساعة البيولوجية لديك ويؤثر على إفراز مادة الميلاتونين التي تُنبئ دماغك بأن وقت النوم قد حان. يجب أن تُخصص لجسمك وقتًا ثابتًا للنوم والاستيقاظ، حتى في أيام الإجازات، لأن الإهمال، حتى لو كان ليومٍ واحد، يُمكن أن يُخرّب العملية خلال أيام الأسبوع الأخرى.
2. احذر القيلولة الطويلة وغير المنتظمة
كذلك لا يُنصح إطلاقًا بأخذ قيلولة طويلة أو غير منتظمة في النهار، لأنها أيضًا تُعطّل ساعتك البيولوجية وتؤثر على نوم الليل. لا بأس في قيلولة قصيرة، حوالي 30 دقيقة، لكن النوم لفترات أطول في النهار سيؤثر على جودة نومك الكلي وهذا ما نحاول تجنبه.
3. تجنب الأكل في وقت متأخر من اليوم
ليس لاعتبارات متعلقة بالوزن، بل لأن العشاء المُتأخر يعيد تنشيط الجهاز الهضمي، وهذا يجعلك مستيقظًا لساعات أطول. وإذا كنت تعاني من مشكلات مثل حرقة المعدة أو الارتجاع، فهذه الأعراض تميل للتفاقم إذا أكلت قبل النوم. حاول دائمًا أن تفصل بين وقت الأكل والنوم بساعتين على الأقل، وإذا كنت جائعًا حقًا ولا بد وأن تتناول شيئًا، فخذ وجبةً صحية خفيفة.
4. استثمر في سريرٍ ومرتبة مريحين
أظهرت دراسة أن المرتبة الجيدة يمكن أن تقلل من آلام الكتف بنسبة 60%، والظهر بنسبة 57%، والتيبّس بنسبة 59%، ولهذا نجد الخبراء يوصون بتغيير المرتبة مرة واحدة على الأقل كل 5 سنوات.
5. استشر طبيبك إذا كنت تعاني من مشكلة في النوم
إذا طبّقت هذه النصائح وكنت لا تزال تعاني من مشكلات في النوم، فجرّب أن تتجنب الكافيين في الليل، والحد من التعرض للضوء الأزرق النابع من شاشات هواتفنا تحديدًا (لأننا نقضي عليها أكثر الأوقات)، ولا تتوتر قدر المستطاع، والأهم من كل ذلك أن تزور طبيبك المختص، خاصةً إذا استمرت المشكلة.
الخلاصة: في المرة القادمة، وبعد أن تبذل قصارى جهدك في تعلم شيء ما معقد، حاول أن تنام وتعطي عقلك الفرصة ليرتب كل شيء. احرص على أن تحظى بنومٍ جيد وغيّر حياتك للأفضل!
