السعودية تُمطر صيفًا: إنجاز علمي يسجل أول نجاح لبرنامج استمطار السحب
في عزّ حر صيف الجزيرة العربية، وبين درجة حرارة تقترب من الخمسين درجة مئوية، شهدت محافظة رماح شمال شرقي الرياض هطول أمطار غزيرة لم تكن لتحدث لولا تدخل العلم والتقنية.
ففي أغسطس 2025، أعلن المركز الوطني للأرصاد نجاح أول عملية استمطار للسحب خلال فصل الصيف في تاريخ المملكة العربية السعودية، في إنجاز يمثل نقلة نوعية في جهود تعزيز الأمن المائي ومواجهة تحديات التغير المناخي، ويضع السعودية في موقع ريادي إقليميًا في مجال التحكم بهطول الأمطار.
هذا الحدث لم يكن مجرد تجربة علمية، بل جاء كنتيجة لتخطيط استراتيجي ورصد دقيق وتعاون بين فرق جوية وفنية، ضمن البرنامج الوطني لاستمطار السحب، أحد المشاريع البارزة التي تنسجم مع رؤية السعودية 2030، ومبادراتها البيئية الكبرى مثل "السعودية الخضراء".
🌧️ 🛩️ في تجربة نوعية.. #برنامج_استمطار_السحب ينجح في زيادة الهطول المطري لأول مرة في فصل الصيف على محافظة رماح شمال شرق الرياض ـ بعون الله ـ ما يُعد نقلة تعكس التقدم التقني والجاهزية العملياتية للبرنامج، ضمن خططه التوسعية على مناطق المملكة لزيادة الهاطل المطري.#نحيطكم_بأجوائكم pic.twitter.com/Wi856JDy3v
— المركز الوطني للأرصاد (NCM) (@NCMKSA) August 8, 2025
مطر في الصيف
تاريخيًا، يرتبط فصل الصيف في معظم مناطق المملكة العربية السعودية بندرة الأمطار بسبب قلة السحب الرطبة وارتفاع درجات الحرارة. ولكن هذه المرة، استطاعت فرق الاستمطار استغلال فرصة جوية نادرة، حيث تم رصد تشكيلات سحابية قابلة للتحفيز فوق منطقة رماح.
أسعار العملات في السعودية اليوم الأحد 10 أغسطس 2025
انطلقت الطائرات المجهزة بمواد التحفيز البيئي، وأُطلقت الشعلات في السحب المستهدفة في التوقيت والمكان المناسبين، لتبدأ بعد ساعات أمطار تتجاوز المعدلات الطبيعية المسجلة في مثل هذا الوقت من كل عام.
برنامج وطني برؤية استراتيجية
ويُعد البرنامج الوطني لاستمطار السحب الذي يشرف عليه المركز الوطني للأرصاد مشروع علمي تنموي طويل الأمد، يهدف إلى: رفع معدل الهطول المطري السنوي بنسبة تصل إلى 10-20% في الظروف المثالية، وتعزيز الأمن المائي عبر زيادة تغذية المخزون الجوفي، ومكافحة التصحر وتحسين الغطاء النباتي في المملكة، بالإضافة إلى تحقيق التكيف المناخي في مواجهة موجات الجفاف المتكررة.
وأُطلق البرنامج في أبريل من العام 2022، وبدأت عملياته التجريبية في مناطق الرياض، عسير، والباحة، قبل أن يتوسع تدريجيًا ليشمل مناطق أخرى وفق خطط مدروسة
كيف نصنع المطر؟
إن عملية الاستمطار ليست "خلقًا للمطر"، بل تحفيز لعمليات طبيعية تحدث داخل السحب، حيث تقوم الفكرة الأساسية على نشر جسيمات دقيقة في السحب المحتوية على رطوبة، تعمل كبذور يتكاثف عليها بخار الماء لتكوين قطرات أكبر وأثقل تسقط بفعل الجاذبية.
كما أن المواد المستخدمة في البرنامج السعودي صديقة للبيئة، وتشتمل على مركبات مثل يوديد الفضة وأملاح طبيعية، بكميات مدروسة لا تؤثر سلبًا على البيئة أو الصحة.
وفي عملية رماح الأخيرة، تم استخدام طائرات مجهزة بموزعات شعلات تعمل بدقة عالية، وأنظمة رادار جوية لرصد خصائص السحب بشكل لحظي، مع تحليلات آنية للرياح والرطوبة ودرجة الحرارة لتحديد نقطة التدخل المثالية.
النجاح في الصيف.. مهمة شبه مستحيلة
وعادة ما تجرى عمليات الاستمطار عالميًا في الشتاء أو الربيع لسهولة العملية وتوفر السحب الرطبة بكثرة، لكن فصل الصيف يمثل التحدي الأكبر، فحرارة الجو العالية تجعل فرص الاستمطار أقل بكثير، ما يتطلب دقة عالية في تحديد السحب المناسبة، وسرعة استجابة ميدانية، بالإضافة إلى التوقيت المتزامن بين الطائرات وأنظمة الرصد.
ويثبت نجاح العملية في رماح أن المملكة العربية السعودية باتت قادرة على التحكم في هطول الأمطار حتى في أقسى الظروف المناخية، ما يفتح آفاقًا جديدة لتكرار التجربة في مواسم الجفاف.
حصيلة البرنامج حتى الآن
ومنذ انطلاق البرنامج الوطني لاستمطار السحب الذي يشرف عليه المركز الوطني للأرصاد وحتى منتصف العام 2025، حقق البرنامج:
_ 444 رحلة جوية مخصصة للاستزراع المطري.
_ أكثر من 1400 ساعة طيران في مهام تنفيذية.
_ 8753 شعلة استمطار بُذرت في السحب.
_ إنتاج نحو 5 مليارات مليمتر مكعب من الأمطار الإضافية.
_ 160 ساعة طيران بحثي لدراسة أثر العمليات وتحسين فعاليتها.
حساب المواطن يبدأ إيداع دعم أغسطس شاملاً المبلغ الإضافي
الأثر البيئي والاقتصادي
ويحقق الاستمطار الناجح فوائد متعددة، منها: زيادة مخزون المياه الجوفية الأمر الذي يقلل الضغط على محطات تحلية المياه، ودعم القطاع الزراعي وتحسين المراعي الطبيعية، ومكافحة التصحر وتثبيت التربة، وكذلك تحسين جودة الهواء من خلال ترسيب الملوثات العالقة.
ومن الناحية الاقتصادية يوفر البرنامج الوطني لاستمطار السحب تكاليف باهظة كانت تُنفق على تحلية المياه أو استيراد المنتجات الزراعية.
الاستمطار عالميًا
ولا تُعد فكرة تحفيز المطر فكرة جديدة، إذ بدأت تجاربها في أربعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، حيث نجح العلماء في العام 1946 في أول تجربة موثقة باستخدام يوديد الفضة. ومنذ ذلك الحين، تبنّت دول عديدة هذه التقنية في مختلف أنحاء العالم.
ولكن ما يميز تجربة المملكة العربية السعودية الأخيرة هو نجاحها في ظروف صيفية شديدة الحرارة، وهو أمر نادر الحدوث عالميًا.
مقارنة الاستمطار مقابل تحلية المياه
التكلفة
الاستمطار:
تكلفة منخفضة نسبيًا، خاصة عند توافر الظروف السحابية المناسبة
التحلية:
استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتكاليف تشغيلية عالية للطاقة والصيانة
الأثر البيئي
الاستمطار:
أثر بيئي محدود عند استخدام مواد آمنة.
التحلية:
تستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتنتج محاليل ملحية تُطرح في البحر.
الاستدامة
الاستمطار:
يعتمد على توافر السحب، ما يجعله متغير الفاعلية.
التحلية:
مصدر دائم للمياه لكنه مكلف ويحتاج إلى طاقة متجددة لتقليل الانبعاثات.
التكامل مع رؤية السعودية 2030
ويتوافق البرنامج الوطني لاستمطار السحب الذي يشرف عليه المركز الوطني للأرصاد مع ثلاثة محاور أساسية من رؤية المملكة 2030، وهي: "مجتمع حيوي" من خلال تأمين موارد مائية مستدامة. و"اقتصاد مزدهر" عبر دعم الزراعة والصناعات المرتبطة بالمياه. و"وطن طموح" من خلال الاعتماد على البحث العلمي والتقنيات المتقدمة.
كما يرتبط البرنامج بمبادرة "السعودية الخضراء"، التي تهدف لزراعة مليارات الأشجار وتقليل الانبعاثات الكربونية.
المركز الوطني للمناهج يعلن إطارًا متكاملًا لليوم الدراسي والبرامج التعليمية
مستقبل البرنامج.. تقنيات أذكى وأوسع نطاقًا
وتشمل خطة المركز الوطني للأرصاد الذي يشرف على البرنامج الوطني لاستمطار السحب: التوسع الجغرافي ليشمل كل مناطق المملكة العربية السعودية ذات الإمكانات السحابية، وتطوير خوارزميات تنبؤ بالذكاء الاصطناعي لتحديد أفضل لحظة للتدخل، وإدخال طائرات بدون طيار للاستهداف الدقيق وتقليل التكاليف، بالإضافة إلى إنشاء شبكة محطات رصد إضافية لتعزيز البيانات الميدانية.
إرادة علمية وتجهيزات متطورة
النجاح في استمطار رماح خلال فضل الصيف ليس مجرد إنجاز تقني، بل رسالة واضحة بأن المملكة العربية السعودية ماضية في استثمار العلم لمواجهة التحديات المناخية، وضمان مستقبل مائي آمن لأجيالها. وهذا المطر الذي هطل في عزّ حر الصيف لم يكن هدية الطبيعة وحدها، بل ثمرة إرادة علمية وتجهيزات متطورة وتخطيط استراتيجي، ليصبح الغيم والمطر جزءًا من معادلة الأمن الوطني في السعودية.
