وداعا زياد الرحباني.. نكهة التمرد تفقد صوتها الجريء في الموسيقى والمسرح العربي
غيّب الموت، الفنان اللبناني زياد الرحباني، عن عمر ناهز 69 عامًا، اليوم السبت، بعد صراع مع المرض، تاركًا مسيرة فنية حافلة تحمل بصمة عميقة في الموسيقى والمسرح، حسبما نقل التلفزيون الرسمي اللبناني.
يُعد زياد الرحباني، أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح العربي السياسي الساخر، وهو نجل نهاد حداد المغنية ذات الشهرة العالمية والمعروفة بفيروز، ووالده هو عاصي الرحباني، أحد الأخوين رحباني الرواد في الموسيقى والمسرح اللبناني.
واشتهر زياد الرحباني، بموسيقاه الحديثة وتمثلياته السياسية الناقدة التي تصف الواقع اللبناني بفكاهة عالية الدقة، وتميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة المواضيع والقضايا المحلية، حيث يردد الكثير من اللبنانيين أقواله ومقاطع من مسرحياته في أحاديثهم اليومية.
السيرة الذاتية
زياد الرحباني، ملحن ومؤلف أغاني ومطرب وكاتب مسرحي ومخرج لبناني، بدأ التلحين منذ أن كان في السادسة من عمره، كما قام بتقديم أول لحن لوالدته الفنانة فيروز وهو لا يزال في السابعة عشر من عمره، وكان لحن أغنية "سألوني الناس"، التي شكلت منعطفًا فنيًا في علاقة الجمهور بوالدته الفنانة فيروز.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ زياد الرحباني، في العمل مع والدته ومع عائلة الرحبانية في أعمالهم المسرحية، ثم بدأ هو الآخر بكتابة وإخراج مسرحياته الخاصة، والتي بدأت تحمل بصمته الخاصة وآرائه السياسية والاجتماعية، منها: "سهرية، نزل السرور، بالنسبة لبكرا شو، فيلم أمريكي طويل، شيء فاشل، وبخصوص الكرامة والشعب العنيد"، والتي يجمع معظمها بين الطابع السياسي المحمل بالنقد المصاحب للفكاهة وخفة الظل، والموسيقى التجريبية.
بعد وفاة أوزي أوزبورن.. كيف عبّرت ابنته كيلي عن حزنها العميق؟
كما تعاون الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني، موسيقيًا مع الفنانة فيروز، من خلال عشرات الأغاني كتابة وتلحينًا وتوزيعًا، منها: "البوسطة، عندي ثقة فيك، سلم لي عليه، وأنا عندي حنين، ونطرونا كتير"، والتي حققت شهرة واسعة، وكذلك ألبومات: "كيفك إنت؟، وإيه في أمل".
وبجانب نشاطه الفني، شارك زياد في عدد من البرامج اﻹذاعية مثل: "العقل زينة، ياه ما أحلاكم، نص الألف 500".
من هو زياد الرحباني؟
وُلد زياد، في يناير من العام 1956، في منطقة أنطلياس بلبنان، ونشأ في بيت فني أصيل تنفس فيه الموسيقى من كل زاوية، وعُرف منذ صغره بموهبته اللافتة في التأليف الموسيقي والكتابة المسرحية، وبدأ مسيرته الفنية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية".
وعلى مدار عقود، قدم زياد الرحباني، الذي يُعد أحد أبرز رموز الموسيقى والمسرح في العالم العربي، مجموعة من الأعمال المسرحية الساخرة، التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ المسرح اللبناني، مثل: "بالنسبة لبكرا شو، فيلم أمريكي طويل، ونزل السرور"، حيث جمع فيها ببراعة بين النص السياسي الجريء والموسيقى التجريبية، موجهًا نقدًا لاذعًا للواقع العربي واللبناني على حد سواء، في قالب يجمع التهكم بالفلسفة، والبساطة بالعمق.
وإلى جانب ذلك، تميّزت أعماله بالجرأة والتحليل العميق للمجتمع، واشتهر بموسيقاه الحديثة التي أدخلت عناصر الجاز والأنماط الغربية إلى النغمة الشرقية بأسلوب طليعي.
كما عُرف بمواقفه السياسية الواضحة، وجعل من أعماله منبرًا يعكس قضايا الإنسان العربي في ظل الحرب، والقمع، والتناقضات الاجتماعية.
زياد وفيروز.. نهاية القطيعة
في يونيو من العام 2018، أعلن الفنان والموسيقي اللبناني زياد الرحباني، عودة العلاقات إلى طبيعتها مع والدته الفنانة فيروز، بعد قطيعة دامت سنوات، وقال الرحباني، إنه يتواصل يوميًا مع فيروز بعد سوء تفاهم وقع بينهما على خلفية إعلانه عن موقفها السياسي، موضحًا أن ما وقع مجرد سوء تفاهم استفاد منه أناس كثيرون.
كسر العزلة
في يوليو من العام 2018، قطع الفنان اللبناني زياد الرحباني، عزلة استمرت لأكثر من عامين ونصف العام، واعتلى مسرح بيت الدين برفقة فرقة هي الأضخم في تاريخ المهرجانات الصيفية، وافتتح حينها الرحباني موسم بيت الدين بحفل حمل عنوان "ع بيت الدين" أمام جمهور قارب العشرة آلاف شخص، في قصر الأمير بشير الشهابي في بلدة بيت الدين الجبلية جنوب شرق بيروت.
وامتلأت مدرجات المسرح بجمهور تواق لمشاهدة الرحباني، بينما غصت الأسطح والشرفات المجاورة للمسرح بمتابعين لم يتسن لهم الحصول على التذاكر التي نفدت من الأسواق.
وفاة هالك هوجان أيقونة WWE عن عمر 71 عامًا (فيديو)
وأمام الحضور، جلس زياد وراء البيانو ليعزف ويقدم الأغاني السياسية الساخرة، رغم إصراره على ترديد عبارة "ممنوع السياسة"، وقدم في ذلك الوقت، موسيقى من مسرحيته "شي فاشل" بالإضافة إلى المقدمات الموسيقية لمسرحيتي والدته فيروز "ميس الريم، وصح النوم".
زياد الرحباني.. حالة فنية وفكرية قائمة بذاتها
لم يكن الفنان اللبناني زياد الرحباني، الذي توفي اليوم، مجرد موسيقيّ موهوب، بل كان حالة فنية وفكرية وإنسانية قائمة بذاتها، وبرحيله، لا تطوى فقط صفحة من صفحات الموسيقى والمسرح، بل يغلق باب على تجربة استثنائية رسمت حدودها بين النغمة والصرخة والوطن والمنفى.
وأكثر ما يميز زياد، أنه لم يكتفِ بأن يكون "ابن الرحابنة"، بل شقّ طريقًا مستقلًا خاصًا به، حيث قاد تمردًا واعيًا على شكل الفن السائد، وخصوصًا داخل البيت الرحباني نفسه، وقدم أعمالاً موسيقية ومسرحية كسرت جمود الإطار الشعري التقليدي الذي وضعته المدرسة الرحبانية.
