كاميرات GoPro: من شغف راكب أمواج إلى علامة غيّرت عالم التصوير

تُعرف كاميرات الـGoPro بتميزها واختلافها الكبير عن بقية الكاميرات الموجودة في السوق، إذ تستهدف هذه الكاميرات الرياضيين وصناع المحتوى والمخرجين وكل شخص يود أن يوثّق لحظات معينة يكاد يستحيل على الكاميرات العادية أن توثقها.
وقد بدأت جو برو GoPro بفكرة، أو بالأحرى بشغف، واستطاعت أن تُثبت نفسها في سوق التصوير خلال مدة قصيرة، وعلى الرغم من أنها تواجه العديد من التحديات اليوم، إلا أن رحلتها تستحق أن تُسرَد.
من أين جاءت فكرة كاميرات جو برو GoPro؟

تعود بدايات شركة GoPro إلى شغف راكب الأمواج "نِك وودمان" برياضته، وتقديره لها، ورغبته في توثيق كل لحظة يقضيها مع أصدقائه أثناء ممارسة هذه الرياضة.
والمشكلة أن توثيق مثل تلك اللحظات دون الحاجة إلى مُصورٍ كان شيئًا مستحيلًا؛ إذ كيف يمكن لشخص أن يعتلي الموج وفي نفس الوقت يصوّر نفسه وأصدقائه، دون أن ينكب على وجهه، أو على الأقل تسقط الكاميرا التي يستخدمها في الماء؟!
في عام 2002 كان اليأس قد تملّك "وودمان" فقرر أن يحل المشكلة بنفسه، عن طريق ابتكار كاميرا فيلم بحجم 35 ملم، تُربط حول المعصم بحيث يُمكن لراكبي الأمواج أن يُصوروا أنفسهم ويوثقوا لحظاتهم دون الحاجة إلى مصور.
وبالفعل، أطلق نِك شركته رسميًا في نفس العام، تحت اسم "Woodman Labs"، ومع الوقت، طوّر المنتجات بسرعة، من مجرد إسورةٍ تُلف حول المعصم، إلى أجهزة أكثر تقدمًا من الناحية التقنية.
نجاح وودمان السريع كان نِتاجًا لشيئين: شغفه الذي كان يؤمن بأنه أكثر ما يمكن الاعتماد عليه في الحياة، وخبرته الريادية التي كونها من تأسيس شركتين ناشئتين لم يُكتب لهما النجاح، هما "EmpowerAll.com" لبيع الإلكترونيات بهامش ربح ضئيل، ومنصة الألعاب والتسويق "Funbug"، التي حققت بعض الانتشار، لكنها سرعان ما فشلت أيضًا، نِك كان يقول: "إن أكثر رواد الأعمال نجاحًا هم أولئك الذين يقولون لأنفسهم سأموت قبل أن أتخلى عن هذا الجهد".
أول جو برو GoPro في السوق!
بالعودة لموضوعنا، تجلّى تطور إسورة اليد في كاميرا الـGoPro الأولى (GoPro HERO)، التي كانت تلتقط الصور الثابتة ومقاطع الفيديو القصيرة لمدة تصل إلى 10 ثوانٍ، وقد لاقت الكاميرا رواجًا كبيرًا بين راكبي الأمواج، وسرعان ما انتشرت بينهم.
وفي عام 2006، غيّر نِك وودمان اسم شركته رسميًا من "Woodman Labs" إلى "GoPro"، التي وصلت إيراداتها السنوية في ذلك العام إلى 355 مليون دولار؛ الرقم الذي سيصبح بعد 10 سنوات 1.62 مليار دولار.
كانت سلسلة كاميرات "Digital HERO"، التي انطلقت مع أول إصدار رقمي من جو برو GoPro، بمثابة نقطة تحول حقيقية في مسيرة الشركة، إذ أتاحت إمكانية توثيق الصور والفيديوهات بسهولة بفضل حجمها الصغير، والأهم من ذلك، القابل للارتداء.
ومع كل جيلٍ جديد من هذه السلسلة كانت تُضاف مزايا وتحسينات على مستوى جودة الصورة، والصوت، ومساحة التخزين، وغيرها من الإضافات، مما جعل كاميرات الـGoPro عملية أكثر من أي وقتٍ مضى.
أشهر إصدارات جو برو GoPro

وردًا على تساؤل حول ما هي أفضل كاميرا جو برو؟ فنال الجيل الأول من كاميرات الـGoPro الرقمية إشادة واسعة، بسبب سهولة استخدامها وجودة خاماتها وأداءها القوي، ولم تعد مجرد كاميرات توثّق اللحظات الشيقة، بل أداة جديدة لرواية القصص من منظور شخصي وفريد.
بعد نسخة الفيلم التي أُطلقت في عام 2004، والـ GoPro HERO التي أُطلقت في 2006، طرحت GoPro HERO 3 عام 2012، والتي مثلت نقطة تحول جديدة في مسيرة الشركة، كونها كانت أول كاميرا من GoPro تدعم تصوير الفيديوهات بدقة FHD.
بالإضافة إلى ذلك، تميز هذا الإصدار بعدسته ومستشعراته المتطورة، ما مكّن المستخدمين من التقاط تفاصيل أدق في ظروف الإضاءة المختلفة، ومن هُنا بدأت GoPro تؤخذ بجديةٍ أكبر، وتنتقل إلى مصاف الشركات الجادة في مجال التصوير.
وفي عام 2014، أطلقت GoPro الإصدار الثالث من السلسلة (لاحظ أنها فوتت HERO 2) GoPro HERO 4 والتي استكملت مسيرة التطور التقني برفع مستوى دقة التصوير ليس إلى 1440p، وإنما إلى الـ 4K!
كما تميزت بمعدل إطاراتها العالي، وشاشتها المُدمجة القابلة للّمس (للمرة الأولى)، والتي تُغنيك عن الهاتف، والميزات الاستثنائية الأخرى، مثل ميزة HiLight Tag التي تسمح بوضع علامات مرجعية على اللحظات المهمة أثناء التصوير.
بعد إصدار الـHERO 4 بسنتين، قدمت جو برو GoPro إصدار الـHERO 5، الذي تميّز بإمكانية التحكم الصوتي، والمقاومة المتقدمة للماء، وجودة الصورة المُحسنة، ثم جاءت الـ HERO 6 بمعالج جديد GP1، الذي أتاح إمكانية التصوير بدقة 4K مع 60 إطارًا في الثانية!
وواصلت GoPro تألّقها في عام 2017 مع HERO 7، التي قدمت تقنية HyperSmooth لتثبيت الفيديو بشكل مذهل، وأدخلت وضع TimeWarp لتصوير التايم لابس الديناميكي (أي التقاط مجموعة كبيرة من الصور في وقتٍ متقارب).
وفي عام 2019 جاءت HERO 8، حيث قدّمت GoPro تصميمًا مُبتكرًا لأول مرة، أزالت منه الإطار، ووضعت حاملًا مُدمجًا يُسهّل من عملية التثبيت، وإلى جانب ذلك، قدمت ميزات إضافية مثل HyperSmooth 2.0 ودعم الإكسسوارات الخارجية مثل الميكروفون والإضاءة.
أما إصدار HERO9 عام 2020، فقد جاء بمستشعر دقته 23.6 ميجا بيكسل ودعم لجودة 5K، مع شاشة أمامية جديدة للمعاينة الذاتية وبطارية بعمرٍ أطول.
تلتها كاميرا HERO10 ذات المعالج الأحدث GP2، والدقة الأعلى 5.3K، بسرعة 60 إطارًا في الثانية (أو 4K مع 120 إطارًا في الثانية!)، مع دعم لتقنية HyperSmooth 4.0 ونقل أسرع للبيانات.
وفي 2022، طرحت GoPro إصدار HERO11 الذي تميز بالمستشعر الكبير، والألوان المُحسنة، والقدرة على استخراج صور عالية الدقة من الفيديوهات.
ولم يختلف الأمر كثيرًا في الإصدار اللاحق HERO12 عام 2023، إذا ما استثنينا التحسينات في عمر البطارية وأوضاع التصوير، لكن مع الـ HERO13 التي صدرت العام الماضي 2024، رأينا ميّزات أكثر احترافية سواء على مستوى الصوت والصورة، أو حتى الحجم، حيث يُعد هذا الإصدار الأقل حجمًا في تاريخ السلسلة.
اقرأ أيضًا: لماذا هبطت أسهم Apple فجأة خلال كلمة مؤتمر WWDC؟
تأثيرات كاميرات GoPro على التصوير الاحترافي
لا يمكننا الحديث عن كاميرات GoPro دون ذكر تأثيرها في مجال التصوير الاحترافي؛ لا سيما في مجاليّ الرياضة والأفلام الوثائقية.
في الرياضة مثلًا، وتحديدًا الرياضات الحركية، غيرت الـGoPro طريقة توثيق الأحداث ومشاركتها مع الجمهور، فحجمها الصغير، وزاوية التصوير الواسعة، ودقتها العالية، أتاحت تصوير لقطات من منظور الشخص الأول، كان من المستحيل أن تُلتقط بدونها، ليشعر المشاهد وكأنه في قلب الحدث.
واستفاد مصورو ومخرجو الرياضات من هذه الخصائص لصناعة محتوى مثير يأسر الجمهور، في رحلة مليئة بالإثارة والأدرينالين، كما نرى في أحداث مثل X Games حيث يرتدي الرياضيون كاميرات GoPro لتوثيق حركاتهم الجوية المذهلة من زوايا استثنائية.
أما صناع الأفلام الوثائقية، فقد وجدوا في الـGoPro حلًا كانوا يبحثون عنه منذ زمنٍ طويل، لتصوير مشاهد في بيئات صعبة يستحيل أن تُلتقط بالكاميرات التقليدية، وعلى سبيل المثال، استعان الفيلم الوثائقي الشهير "Free Solo" الذي وثّق صعود "أليكس هونولد" لجبل "إل كابيتان" (جبل في تكساس ارتفاعه 2458 متر) بكاميرات GoPro لالتقاط لحظات مذهلة على ارتفاعات شاهقة.
كما ساعدت كاميرات الـGoPro في انتشار المُسيّرات أو الدرونز، وذلك لخفة وزنها وجودة تصويرها؛ الأمر الذي أتاح لمصوري الدرون أن يلتقطوا صورًا مذهلة بطرق لم تكن متاحة من قبل أيضًا.
أين GoPro الآن؟

تواجه GoPro تحديات كبيرة في 2025، لكنها رُغم ذلك، لا تزال تحتفظ بحضورٍ قوي في قطاع الكاميرات الرياضية، وفي مجال صناعة المحتوى بشكلٍ عام.
ومن ناحية الإيرادات، سجلت الشركة في الربع الأول من العام الجاري إيرادات بلغت 134 مليون دولار، بانخفاض نسبته 13.6% مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي.
ومع ذلك، نجحت GoPro في تحسين أدائها التشغيلي بشكل ملحوظ، إذ تمكّنت من تقليص خسائرها الصافية لكل سهم من 2.24 دولار في الربع الأول من 2024 إلى 0.30 دولار فقط في الربع الأول من 2025، ويعود الفضل في ذلك إلى إجراءات خفض النفقات التشغيلية بنسبة 26% وزيادة كفاءة العمليات الداخلية.
كما شهدت خدمات الاشتراك نموًا بنسبة 4%، لتصل إلى 27 مليون دولار في الربع الأول من 2025، مع استمرار الشركة في الحفاظ على قاعدة مشتركين قوية تجاوزت 2.4 مليون مستخدم.
أما من الناحية السوقية فيمكننا أن نقول، وبكل ثقة، إن GoPro لا تقوى على تجاوز الشركات العملاقة في مجال التصوير عمومًا مثل Sony، لكن مع الإشارة إلى اختلاف الجمهور المستهدف لكل شركة.
ويُذكر أن القيمة السوقية للشركة تُقدر اليوم بحوالي 125 مليون دولار (كانت قد تجاوزت الـ 1.6 مليار دولار)، وتعول GoPro إلى زيادة هذا الرقم من خلال خفض التكاليف وتنوع سلسلة التوريد بعيدًا عن الصين، فهل ستنجح؟