وسام كيروز يكتب لـ«الرجل»: فرصة استثمارية واحدة لم تضع منك.. الحرية

تمر الفرص الاستثمارية أمامنا أو من خلفنا أو بالقرب منا، من الذهب إلى البتكوين، ومن اليورو إلى ذلك المشروع العقاري الذي ارتفعت أسعاره أضعافًا. تلك الفرص الضائعة هي حديث الناس في كثير من الأحيان، عدا ذلك الصديق الذي رصد بعين الصقر فرصته وغنم الفوز.
ذلك المشهد يرتسم في عالم معاصر عجيب، تنصهر فيه المادية والروحانية بشكل محيّر. عنوانان لنضال الإنسان المعاصر: البحث عن التوازن والسعادة الداخلية الشخصية من جهة، والبحث عن الحرية المالية من جهة أخرى، ولنا فيهما حديث يميل للروحانية.
ومن مفارقات الحياة الإنسانية كما أصبحت بعد 15 ألف سنة من الثورة الزراعية، هي أن المال هو السجن والحرية في الوقت نفسه. المال هو العبودية والانعتاق، للغني كما للفقير. جل البشر الباحثين عن الحرية والسعادة، يبيعون سلعتهم الأثمن، وهي وقتهم، لا يبيعون أفكارهم ولا منتجاتهم، وإن لم يكن في ذلك عبودية بالمعنى العميق للكلمة، فكيف تكون العبودية. أنت حر لكن وقتك ليس ملكك!
لذا، فإن البحث عن الحرية المالية، قد يكون في عمقه بحثًا عن الوقت، أو بالأحرى، الحرية المالية هي ذلك الوعد باستعادة السيطرة على الوقت، للمفارقة، بعد نفاد الوقت أحيانا! أنت تحتاج إلى المال لكي تتحرر من الحاجة إليه.. تلك هي معضلة الإنسان. أنت تبيع الوقت لتحصل على المال، وتبيع المال لتحصل على الوقت.
ولكن في كل الأحوال، قد يكون من المفيد التسليم بأننا غير قادرين على تغيير المعادلة، لكن ربما نعي أن الرفاهية الحقيقية، ليس أن يكون لديك ساعة فاخرة، بل أن يكون لديك وقت!
وعلى الجانب الآخر من معادلة الإنسان المعاصر، ذلك التوغل المفرط في فكرة البحث عن السعادة، أو سمها الاستثمار في السعادة. جعلتنا المعاصرة محور الكون، ومن حقنا البحث عما نريد، وعما تميل إليه أهواؤنا دون حرج، ومن حقنا الخروج من العلاقات السامة، وغالبها علاقات صنعتنا ولم نصنعها، ومن حقنا إقصاء الأقرباء الضارين. فكرة جميلة تبدو بديهية في عالم أبناء جيل الألفية والجيل زد، لكنها للمفارقة فكرة جديدة جدًّا. قبل مئة سنة فقط، كان لمبدأ حرية الاختيار مفهوم آخر تمامًا، وهو أن الحرية هي أن تكون قادرًا على اختيار الأنسب لك، وليس اختيار ما تريد.
اقرأ أيضًا: وسام كيروز يكتب لـ«الرجل»: احرص على الموسيقى التصويرية لحياتك
الكاتبة صوفيا روزنفيلد في كتابها الظاهرة "عصر الخيار: لماذا نختار ما نقوم به"، تقول إننا نعيش في زمن تخمة الخيارات، وتلك الخيارات الكثيرة تصبح أداة يجري من خلالها استخدامنا وتشويشنا.
وبينما يفقدنا البحث عن الحرية المالية الوقت، مقابل الوعد باستعادة السيطرة عليه، يفقدنا البحث عن السعادة الشخصية أحيانًا عن مصادر معنى الحياة، وهي أساسية للسعادة، وغالبًا لا تمر بكوكبنا الشخصي.
نتحدث هنا عن "فخ السعادة" كما سماه "بول بلوم"، وهو ما يجعل البحث عن السعادة الفردية، نرجسيًا وانعزاليًا. وهنا تولد معضلة أخرى: كلما فكرت بالسعادة وبحثت عنها، تطايرت وأصبحت سرابًا أمام عينيك.
لا يوجد على ما يبدو معنى للحياة من دون الآخرين!
وبالعودة إلى فكرة الحرية والسعادة، وما بينهما، لعل الاستثمار في الحرية بالمعنى الكبير، هو الخيار المنطقي. الحرية من الأفكار المسبقة، والحرية من الانعزال أيضًا. هناك الحرية التي تحمي من الآخرين، لكن الأهم، هي تلك تحرر من الداخل، وذلك يمر بالتعلم والمعرفة، وبالعطاء. وهكذا يلتقي البحث عن السعادة مع البحث عن الاستقلال المالي.