ريادة الأعمال عبر الاستحواذ: طريقك الأسرع لامتلاك شركة دون البدء من الصفر

ريادة الأعمال عبر الاستحواذ (ETA)، هي استراتيجية تسمح لرواد الأعمال بامتلاك شركات قائمة بدلاً من بدء مشاريع جديدة من الصفر، فمن خلال شراء شركة ناجحة، يحصل الرائد على قاعدة عملاء وتاريخ مالي وفريق عمل جاهز، ما يسرّع الانطلاقة ويقلل من المخاطر، فيما تعتمد هذه الطريقة على مهارات تحليلية وإدارية لتطوير الشركة وتحقيق نمو مستدام.
في السطور التالية، نتعرف على مفهوم هذا النموذج، مميزاته، ومخاطره، وكيفية اختيار الشركة المناسبة، مع عرض قصص نجاح ملهمة تمت من خلال هذه الاستراتيجية المميزة في ريادة الأعمال.
ما المقصود بريادة الأعمال عبر الاستحواذ؟

ريادة الأعمال عبر الاستحواذ (ETA) هي نموذج ريادي يُمكّن الأفراد من امتلاك شركات قائمة، بدلًا من إنشاء مشروع جديد، حيث يقوم رائد الأعمال بشراء شركة صغيرة أو متوسطة ناجحة تواجه تغيّرًا في الملكية، مثل تقاعد المالك، ثم يتولى إدارتها وتطويرها لتحقيق نمو إضافي، مما يقلل من المخاطر ويوفّر انطلاقة أسرع.
ويتطلب نجاح رائد الأعمال في هذه المهمة امتلاك مهارات تحليلية وإدارية عالية، مع ضرورة توافر فرص التحسين، وغالبًا ما تكون في التسويق، أو التنظيم، أو التحول الرقمي.
وحسب مقال نشرته الكاتبة المتخصصة "هيلاري تشابوت" على موقع BABSON، فإن هذا التوجه يحظى باهتمام متزايد عالميًا، خاصة من خلال صناديق البحث التي تدعم الرواد في تمويل عمليات الاستحواذ، بينما لا يزال هذا النموذج في بداياته بعالمنا العربي، ولكنه واعد في ظل وجود عدد كبير من الشركات العائلية، التي تتجه إلى القيادة الشابة.
لماذا يُفضّل البعض شراء الشركات على التأسيس من الصفر؟

الاستحواذ يتيح الانطلاق من قاعدة عملاء موجودة، في ظل تدفق مالي فعلي، وطاقم عمل متمرس، مما يقلل المخاطر، ويركز الجهود على التطوير بدلاً من البناء الكامل.
وحسب موقع entrepreneur، فإن هذا الخيار يناسب من يفتقرون لفكرة مبتكرة، لكنهم يمتلكون مهارات قيادية لتحسين شركات تحتاج إلى تحديث، وهو مثالي لتحقيق نتائج سريعة عند اتخاذ القرار، بناءً على تحليل دقيق للسوق والوضع المالي والتشغيلي.
فوائد الاستحواذ في ريادة الأعمال

الاستحواذ على شركة قائمة يمنح المشتري:
بداية أسرع:
عند شراء شركة قائمة، يمكن لرائد الأعمال أن يبدأ إدارة وتطوير العمل فورًا، دون الحاجة إلى بناء المشروع من البداية، مما يوفر وقتًا وجهدًا كبيرين.
قاعدة عملاء جاهزة:
الشركة المشتراة لديها زبائن فعليين ومداخيل ثابتة، ما يضمن استمرارية النشاط وتقليل المخاطر المرتبطة بدخول سوق جديد.
بيانات مالية فعلية:
وجود سجلات مالية واضحة يساعد رائد الأعمال على فهم أداء الشركة، والتخطيط بشكل أفضل واتخاذ قرارات مبنية على معلومات حقيقية.
فريق عمل موجود:
الشركة تأتي مع فريق عمل متمرس، يعرف كيفية إدارة العمليات اليومية، ما يسهل استمرار النشاط وتحقيق التطوير بدون اضطرابات كبيرة.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال العائلية: دليلك لتحقيق النجاح والاستمرارية عبر الأجيال
المخاطر المحتملةوكيفية تقييم الشركة قبل الاستحواذ

أولًا: المخاطر المحتملة
اكتشاف مشكلات غير ظاهرة:
أحد أبرز التحديات في الاستحواذ هو احتمال وجود مشكلات خفية داخل الشركة، لا تظهر بسهولة في البداية، مثل ديون غير موثقة، والتزامات تعاقدية معقدة، أو قضايا قانونية قيد التسوية.
وهذه المخاطر قد تُكبد المالك الجديد تكاليف إضافية غير متوقعة، وتؤثر على الربحية والاستقرار التشغيلي لاحقًا، ما يستدعي توخي الحذر وإجراء فحص دقيق قبل إتمام الصفقة.
الاعتماد الكبير على المالك السابق:
بعض الشركات، خصوصًا الصغيرة والعائلية، تعتمد بشكل كبير على خبرة أو علاقات المالك السابق، وقد يكون هو المحرّك الرئيس للمبيعات أو من يحظى بثقة الزبائن والموردين، وبعد مغادرته، قد تفقد الشركة هذا الامتياز، ما يهدد باستقرار العمليات أو تراجع الأداء إذا لم يكن رائد الأعمال مستعدًا لملء هذا الفراغ بكفاءة.
صعوبة دمج الثقافة المؤسسية:
لكل شركة ثقافتها الداخلية وطريقتها الخاصة في العمل، وعند انتقال القيادة إلى مالك جديد، قد يصطدم هذا الأخير بعادات تنظيمية مترسخة أو مقاومة للتغيير من طرف الموظفين، وهذا التعارض الثقافي قد يُعيق تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة أو يُحدث حالة من عدم الانسجام داخل الفريق، ما ينعكس سلبًا على الإنتاجية.
ثانيًا: خطوات تقييم الشركة قبل الاستحواذ
التدقيق الشامل:
مراجعة تفصيلية لكل جوانب الشركة المالية والقانونية والضريبية والممتلكات، بهدف اكتشاف أي مشكلات محتملة وتحديد القيمة الحقيقية للشركة بناءً على الحقائق.
تحليل السوق:
دراسة حالة السوق ونموه، وتوجهات المستهلكين والمنافسين، وحواجز الدخول، لمعرفة فرص الشركة في الاستمرار والتوسع أو احتمال وصولها لذروة الأداء.
تقييم الفريق:
فحص كفاءات الفريق ومدى اعتماد العمليات عليهم، مع تقييم الولاءات والانسجام، لتحديد إمكانية الاعتماد عليهم أو الحاجة إلى إعادة هيكلة.
تحليل قاعدة العملاء والموردين:
تقييم ولاء العملاء واستقرارهم، وتحليل علاقات الموردين ومرونة استبدالهم، لتقدير تأثير ذلك على استمرارية وكفاءة العمليات بعد الاستحواذ.
من هم رواد الأعمال المناسبون للاستحواذ على الشركات؟

يجب أن يمتلك رواد الأعمال المناسبون للاستحواذ على الشركات بعض الصفات والمهارات المناسبة، ومنها:
1. خبرة إدارية أو في تطوير الأعمال:
الأشخاص الذين لديهم معرفة عملية أو نظرية بإدارة المؤسسات وتطويرها، قادرون على تخطيط وتنفيذ استراتيجيات وتحقيق نتائج فعالة ضمن بيئات العمل المختلفة.
2. حس تحليلي قوي لتقييم الفرص:
يتميزون بقدرة على تحليل الأسواق والبيئات التنافسية، واستخدام أدوات التحليل لاتخاذ قرارات مدروسة، تضمن تقليل المخاطر وزيادة فرص النجاح.
3. يفضلون البناء على ما هو موجود:
يستغلون الموارد والخبرات الحالية بدلاً من البدء من الصفر، ما يسرع الإنجاز ويقلل التكاليف والمخاطر عبر تطوير وتحسين ما هو قائم.
4. قدرة على قيادة التغيير وإدارة الفرق:
يتمتعون بمهارات قيادة تحفز الفرق على تحقيق الأهداف، مع إدارة التحديات والتكيف مع المتغيرات، لضمان نجاح مشاريع التطوير.
5. أصحاب دراسة أو ذوو خبرة في شركات كبرى:
يمتلكون خلفية أكاديمية قوية أو خبرة عملية في بيئات معقدة ومتطورة، ما يزودهم بفهم عميق وقدرة على التعامل مع تحديات متعددة.
اقرأ أيضًا: 130 عامًا من الإصرار على الريادة والنجاح.. رحلة "عائلة الشايع" نحو التميز
كيف تحدد الشركة المناسبة للشراء؟

عند البحث عن شركة للاستحواذ، يجب الانتباه إلى ما يلي:
اختيار القطاع:
يفضل اختيار قطاع مستقر أو لا يشهد تراجعًا كبيرًا، والقطاعات التي يصعب رقمنتها أو نقلها مثل الصناعات التقليدية أو الخدمات المحلية غالبًا ما توفر فرصًا استثمارية قوية، بسبب حاجتها إلى البقاء في موقع محدد، وندرة المنافسة الرقمية.
الموقع الجغرافي:
السوق المحلي القوي يضمن طلبًا مستمرًا على منتجات أو خدمات الشركة، كما يجب النظر في إمكانية التوسع داخل البلد أو خارجه، مما يفتح آفاق نمو إضافية.
العوامل التشغيلية:
من المهم التأكد من أن الشركة لا تعتمد بشكل مفرط على مالكها أو شخص واحد فقط، وكذلك أن تكون العمليات والإجراءات منظمة وناضجة بما يسمح بالإدارة المستقلة والاستمرارية دون تعطل.
النواحي المالية:
ينبغي تقييم هامش الربح والتدفقات النقدية للتأكد من ربحية واستقرار الشركة، بالإضافة إلى مراقبة مستوى الديون لتجنب المخاطر المالية التي قد تؤثر على استدامة العمل.
قصص نجاح بدأت من استحواذ
الاستحواذ على شركات قائمة يُعتبر استراتيجية ناجحة للعديد من رواد الأعمال والمستثمرين، الذين يفضلون البناء على أساس موجود، بدلاً من البدء من الصفر، وهو ما يُظهره بوضوح عدة نماذج عالمية بارزة:
- وارن بافيت

يُعد بافيت من أشهر المستثمرين الذين اعتمدوا على استراتيجية الاستحواذ بدلاً من التأسيس، فلم يؤسس شركاته بنفسه، بل اشترى حصصًا كبيرة أو كامل أسهم شركات قائمة وأعاد تطويرها، مثل شركة التأمين الشهيرة GEICO وشركة الحلويات See's Candies.
هذا الأسلوب مكنه من توظيف خبرته في تقييم القيمة الحقيقية للشركات القائمة، وتحقيق عوائد كبيرة عبر تحسين الإدارة والتوسع الذكي.
- تريلانتك أمريكا الشمالية
هي شركة استثمارية تركز على الاستحواذات الاستراتيجية، ومن أبرز نجاحاتها شراء شركة "Sunbelt Rentals"، التي كانت شركة متوسطة الحجم في مجال تأجير المعدات.
بعد الاستحواذ، عملت Trilantic على توسيع العمليات وتحسين الكفاءة، ما جعل "Sunbelt Rentals" تتحول إلى واحدة من أكبر وأهم شبكات تأجير المعدات في أمريكا، مع زيادة في الإيرادات والانتشار الجغرافي.
- والكر ديبيل
رائد أعمال ومستشار أمريكي متخصص في الاستحواذ على الشركات الصغيرة والمتوسطة، اشترى أكثر من 7 شركات مختلفة في مجالات متنوعة، ونجح في تحقيق نمو مضاعف لمعظمها، من خلال تحسين العمليات والتوسع الذكي.
قام بتأليف كتاب "Buy Then Build"، الذي يشرح فيه كيف يمكن للرواد وأصحاب الأعمال بناء إمبراطوريات ناجحة من خلال الاستحواذ بدلًا من التأسيس، مسلطًا الضوء على خطوات عملية للاستحواذ الناجح وتحقيق النمو المستدام.