كيف تتعامل مع موظف يعاني اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟

مُبدِعون إلى أقصى درجة، لكنهم غير قادرين على إدارة أوقاتهم وتنظيم أعمالهم، كما أنّهم مرنون وقادرون على أداء مهام متعددة، ومع ذلك فقد يواجِهون صعوبة في التركيز في العمل.
لعلّك قد عرفتهم؛ إنهم المُصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، الذين قد يكون لهم تأثير إيجابي في العمل وإبداع فريد، أو قد تنهار مشاريع العمل بسبب صعوبة قدرتهم على التركيز وتسليم العمل في الوقت المُحدّد، فكيف تتعامل مع الموظّفين المُصابين بهذا الاضطراب؟ وما الأدوار الوظيفية المناسبة لهم؟
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD"، هو اضطراب يتسم بنمط مستمر من ضعف الانتباه وفرط الحركة والسلوك الاندفاعي، بما يتعارض مع القدرة على أداء المهام اليومية، وبما قد ينعكس سلبًا -أو إيجابًا في بعض الأحيان- على العمل.
ورغم أنّه غالبًا ما يرتبط بفترة الطفولة، لكنّه قد يستمرّ في بعض الأحيان بعد البلوغ، بما قد يؤثر في الحياة المهنية لبعض الناس، وربّما لا يشعرون بذلك، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، يعانِي نحو 4.4% من البالغين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بالإضافة إلى من لا يتم تشخيصهم.
ما الفرق بين النشاط الزائد وفرط الحركة؟
أهم فرق بينهما، هو أنّ النشاط الزائد سلوك يمكن السيطرة عليه بالتوجيه المباشِر أو طلب التوقّف عن هذا النشاط، أمّا اضطراب فرط الحركة، فقد لا يمكن للمصاب به التحكّم في كثير من سلوكياته، ومِنْ ثمّ يحتاج إلى علاجٍ مُخصّص.
ما سبب ضعف الانتباه؟
لا يُوجَد سبب مُحدّد لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لكن يظنّ الباحثون أنّه نتيجة لعديد من العوامل معًا، كالجينات، أو تغيّرات في بِنية الدماغ، أو تأثّر نموّ الجنين في بطن الأم بسبب التدخين أو التعرّض لسمومٍ أو الولادة المبكّرة، أو غير ذلك.
كيف يؤثر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على الوظيفة؟
قد يؤثر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في قدرة الموظّفين على أداء مهامهم من نواحٍ مختلفة؛ أبرزها:
1. صعوبة البقاء منظّمًا في العمل:

قد يكافِح الموظف المُصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من أجل البقاء منظّمًا، غير فوضويّ في عمله، مما قد يؤثر سلبًا في عديد من المهمات، كما في حالة تتبّع الوثائق المهمة، أو ربّما يصعب إكمال المشاريع والسير بالمسار الصحيح لإنجازها.
كما قد تنعكس هذه الفوضوية على الحياة في المنزل، بما يؤثر في العمل، فقد لا يكون المصاب قادرًا على إدارة وقته كما ينبغي حال العمل عن بُعد، كما قد يتأخّر في العثور على بعض الأشياء التي يحتاج إليها، كالمفاتيح أو حتى أدوات العمل، ما يؤدي إلى تأخّره عن العمل، وكلّ ذلك قد ينعكس سلبًا على الإنتاجية والأداء بلا شك.
اقرأ أيضًا:يؤثر على الأداء والإنتاجية.. كيف تتعامل مع "اكتئاب الموظفين" في بيئة العمل؟
2. صعوبة إدارة الوقت:
قد تتسبّب مشكلات إدارة الوقت لدى الموظّف المُصاب في صعوبة الالتزام بأوقات تسليم المهام، وكذلك قد يصعب عليه تحديد مقدار الوقت اللازم للقيام بمهمات العمل، مما قد يؤدي إلى تراكُمه، وصعوبة إنهاء المشاريع وفق الموعد المُحدّد، وربّما تأثّر قطاعات أخرى من العمل في الشركة.
3. عدم التحكّم في المشاعر:
عادةً ما يكون تعبير الموظّف المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عن مشاعره شديدًا، مقارنةً بغيره، وهذا قد يؤدي إلى ضعف ثقته بنفسه، وربّما الشعور بالعار، كما قد يكون من الصعب عليه تقبّل الانتقادات أو التعليقات على عمله.
فمثلًا قد يشعر بالإحباط أو الإرهاق بسهولة أكبر، ومِنْ ثمّ قد يتخلّى عن المهمات أو المشاريع الصعبة، ومن ناحية أخرى قد يواجِه أيضًا صعوبة في التواصل مع زملائه في العمل، إذ قد يتجنّب المواقف أو الأشخاص الذين يثيرون المشاعر السلبية في نفسه.
4. مشكلات التركيز:
قد يكون ضعف الانتباه والتركيز مشكلة كبيرة في العمل؛ إذ قد يفقد المعلومات الرئيسة والتوجيهات التي تلقّاها من المدير، كما قد يقع في سوء فهم مع زملائه، بسبب ضعف الانتباه لديه، وهذا قد يجعل بدء المهمات أو إنجازها في الوقت المُحدّد صعبًا.
هل لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه آثار إيجابية على العمل؟
المُصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، قد يكون لهم بصمات إيجابية -بل حتى فريدة- في العمل، مثل:
1. القدرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق:
يتفوّق عديد من الأشخاص المُصابِين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في توليد أفكارٍ مبتكرة، والتعامل مع المشكلات من زوايا غير تقليدية، وهذا الإبداع الكامن فيهم، قد يمثّل رصيدًا قيّمًا في الأدوار التي تتطلّب الابتكار في حل المشكلات.
اقرأ أيضًا:قبل وقفه عن العمل.. كيف تتعامل مع الموظف السيكوباتي؟
2. التركيز الشديد!
نعم، قد يواجِه المصاب بذلك الاضطراب مشكلات في التركيز، ومع ذلك فقد تمرّ عليه أوقات يكون تركيزه شديدًا؛ إذ ينغمس بشدة في المهمات التي يجدها مثيرة للاهتمام، وهذا قد يؤدي إلى الإنتاجية العالية في العمل، بل حتى نتائج استثنائية في مجالات مُعيّنة.
3. المرونة والقدرة على أداء مهام مُتعدّدة:

قد يُترجَم الميل إلى تحويل الانتباه بسُرعة -لطبيعة الاضطراب- إلى قدرة استثنائية على التوفيق بين المهام المتعددة، والتكيّف مع أولويات العمل التي قد تتغيّر بين الحين والآخر، وهذه المرونة قد تكون شديدة الأهمية، خاصةً في بيئات العمل الديناميكية.
ما الوظائف الأنسب للمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟
حسب "Psychcentral"، فإنّ الوظائف التي قد تكون مناسبة للمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، هي:
1. الوظائف في بيئات العمل السريعة:
قد تكون الوظائف التي لا تتطلّب فترة طويلة من التركيز هي الأنسب للمُصابِين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لذا فقد تكون بيئات العمل السريعة مناسبة لهم، خاصةً أنّ التركيز يكون أكبر على المرونة والانخراط في عديد من المهام المختلفة، ومِنْ أمثلة هذه الوظائف:
- موظّف الخدمة.
- صحفي.
- مُعلِّم.
- رياضيّ.
2. الوظائف المُنظّمة:
من التحدّيات الرئيسة التي قد يواجهها عديد من المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ صعوبة إدارة الوقت والمماطلة في إنهاء العمل، وكذلك إدارة الأعمال الورقية.
لذا قد تساعد الأدوار الوظيفية في البيئات عالية التنظيم على تجنّب بعض العقبات، فغالبًا ما تعتمد هذه الأدوار على أنظمة روتينية توجّه العمل اليومي.
وفي بعض أماكن العمل، يُبنَى نظام العمل حول أهداف مُحدّدة، وحسب دراسةٍ نُشِرت عام 2017 في "Journal of Attention Disorders"، فإنّ ذلك قد يكون مفيدًا للمُصابِين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
ومن أمثلة هذه الوظائف:
- مدير مشروع.
- عامل مصنع.
- محلّل بيانات.
- مهندس.
فكلّ هذه الوظائف تعتمد على الروتين ونظامٍ مُعيّن لتحقيق هدفٍ أكبر.
اقرأ أيضًا:"الموظف النرجسي".. كيف تتعامل معه دون إخلال بسير العمل؟
3. الوظائف الإبداعية:

كذلك قد تكون المهن الإبداعية خيارًا مناسبًا للمُصابِين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فقد ذكرت دراسةٌ نشرت عام 2018 في "Journal of Creative Behavior"، أنَّ مناسبة المهام الإبداعية للمصابين بذلك الاضطراب، قد يكون بسبب التزامهم بالعثور على طريقتهم الخاصّة في القيام بأشياءَ إبداعية.
ومن أمثلة الوظائف الإبداعية:
- رسّام.
- نجّار.
- مُصمّم.
- كاتب.
- مُصفّف شعر.
- الأدوار الوظيفية في التسويق أو الإعلان.
كما أنّ هناك بعض السمات التي يتصف بها المُصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مثل الفضول وحل المشكلات بسرعة، والقدرة على التكيّف مع متغيّرات العمل بسهولة، وهي تجعلهم أكثر قدرة على أداء الوظائف الإبداعية.
ما الوظائف التي لا تتلاءم مع المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ هناك بعض الوظائف التي لا تناسِب المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، منها على سبيل المثال:
- المحاسب: فهي وظيفة تتطلّب درجة عاليةً من الدقة والانتباه إلى التفاصيل، بالإضافة إلى مهارات تنظيمية عالية، وهو ما قد يفتقر إليه المُصاب بذلك الاضطراب.
- الجرّاح: يتطلّب مستوى عاليًا من الدقة والقدرة على التركيز المستمرّ لفترات طويلة في أثناء العمليات الجراحية.
- مراقِب الحركة الجويّة: يتضمّن هذا الدور إدارة أنماط الحركة الجويّة المعقدة، واتخاذ قرارات في أجزاء من الثانية لضمان سلامة الطائرات، فقد تكون صعبة للغاية على المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
- المساعد التنفيذي: يتضمّن إدارة الجداول المعقّدة، والتوفيق بين مسؤوليات متعددة، ومِنْ ثَمّ فقد لا تناسب من يعانون اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
- الوظائف المكتبية عالية البيروقراطية: غالبًا ما تتضمّن التزامًا صارمًا بالروتين والأعمال الورقية وقليلًا من المرونة.
في النهاية فإنّ الوظيفة المثالية للمُصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قد تختلف من شخصٍ لآخر، حسب سماته الشخصية الفريدة، ونقاط ضعفه وقوته، وما يميل إليه.
كيفية التعامل مع زميل العمل المصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه
لاستخراج أفضل ما عِند المُصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ومعاونته على أداء مهامه بكفاءةٍ أكبر، قد تساعد النصائح الآتية:
- تقديم تسهيلات في بيئة العمل قدر المُستطاع: وذلك بتوفير عدد ساعات عمل مرنة، أو خيار العمل عن بُعد، بالإضافة إلى جعل بيئة العمل أكثر هدوءًا.
- توفير أدوات وتقنيات تساعد على التركيز: يُفضّل توفير التكنولوجيا التي تساعد على إدارة الوقت وتتبع المهام، فقد تحسّن الإنتاجية والتركيز بدرجةٍ كبيرة للأفراد المُصابِين، مثل Trello أو Asana أو غيرها.
- تنويع المهام: تزدهر أدمغة المصابِين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع التنوّع في المهام، فهذا قد يثير اهتمامهم ويمنع إرهاقهم سريعًا.
- تشجيع الموظف على الحصول على مشورة طبية: ينبغي تشجيع الموظفين على البحث عن التشخيص والعلاج إذا لزم الأمر، وتقديم تسهيلات في سبيل ذلك.
- بناء شبكة داعمة في العمل: ينبغي تشجيع برامج الإرشاد والدعم للموظّفين المصابين بذلك الاضطراب، وتدريب المديرين على كيفية دعم أعضاء الفريق المُصابِين بذلك الاضطراب.