"تشوه إدراك المال": كيف تُشعل المقارنات شعورك بعدم الكفاية؟

يُعانِي أكثر من 40% من جيل Z وجيل الألفية "تشوه إدراك المال"، إذ يتعرّضون لأنماط معيشة مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما قد يُشعِل المقارنات بينهم وبين غيرهم، ويجعلهم يشعرون بعدم الكفاية أو عدم الرضا ماليًا، رغم أنّ وضعهم المالي قد يكون مستقرًا للغاية.
ولا يقتصر الأمر على جيل الشباب فحسب، بل قد يُعانِي غيرهم الأمر نفسه أيضًا، فما أسباب "تشوه إدراك المال"؟ وكيف يمكن التعامل مع ذلك التشوه بما يحافظ على المال والصحة النفسية؟
ماذا يعني تشوه إدراك المال؟
يعتقد الأفراد الذي يُعانُون "تشوه إدراك المال Money Dysmorphia"، أنّهم غير أغنياء أو غير ناجحين بما يكفي، بغض النظر عن وضعهم المالي بالفعل، وهذا الإدراك المُشوّه لوضعهم المالي، قد يُؤدِّي إلى عدم الرضا المُزمِن، بالإضافة إلى عدم الشعور بالأمان.
ويمكن أن يأتي هذه التشوه في إدراك المال من القلق بشأن المال، أو المقارنة المستمرة مع الآخرين، خاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تعرض أنماط معيشة تبدو بعيدة المنال.
ما أهم علامات تشوه إدراك المال؟
ثمّة بعض العلامات التي تدلّ على "تشوه إدراك المال"، الذي قد يظهر بطرق عادية وغير مُتوقّعة، ومن علاماته، حسب "Verywellmind":
- القلق باستمرار بشأن عدم امتلاك ما يكفي من المال، حتى عندما تكون مستقرًا ماليًا.
- الهوس بالنفقات الصغيرة أو الشعور بالشلل بشأن اتخاذ قرارات مالية.
- تجنّب الإنفاق تمامًا.
- مقارنة وضعك المالي بالآخرين، ما يؤدي إلى الشعور بعدم الكفاية.
- تجنّب المحادثات بشأن المال بدافع القلق.
- الشعور بالذنب أو الخجل بعد الإنفاق (حتى على الضروريات).
- الشعور بالإجبار على كسب المزيد من المال، حتى لو وصلت إلى الاستقلال المالي.
- شراء أشياء باهظة الثمن لا يمكن تحمّل تكلفتها بالنسبة لك، فقط للشعور بالسعادة والكفاية.
لماذا يحدث تشوه إدراك المال؟
قد يظهر "تشوه إدراك المال" لأسباب عديدة، فكل حالةٍ تختلف عن الأخرى، وقد تُسهِم العديد من العوامل معًا، مثل ثقافة المقارنة مع الآخرين أو الميول الشخصية الفريدة، أو الصدمات السابقة التي تعرّضت لها، سواء كانت متعلقة بالمال أم لا.
وعمومًا قد تشمل الأسباب، ما يلي:
1. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي:

قد يؤدي التعرّض المستمر لأنماط حياة مختلفة، وقصص النجاح المزعومة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى خلق توقعات غير واقعية بشأن الدخل أو الوضع المالي، مما قد يُنشِئ "تشوه إدراك المال"، ومِنْ ثَمّ الشعور بعدم الرضا رغم الوضع المالي الحالي، كما قد يعقد المرء مقارنات مع غيره ممن يتطلّع إلى جزءٍ من حياتهم، رغم عدم اطّلاعه على حساباتهم المصرفية بالفعل!
اقرأ أيضًا: خفايا الاقتصاد السلوكي.. 4 كتب ستغير قراراتك المالية والحياتية
2. عدم الاستقرار الاقتصادي:
يمكن أن يؤدي تقلّب ظروف سوق العمل والتقلبات الاقتصادية إلى زيادة القلق بشأن الوضع المالي للفرد أو مستقبله، ما قد يُحدِث تشوهًا في الإدراك المالي.
3. الخوف من تفويت شيء ممتع:
قد يُشار إليه عادةً بـ"FOMO"، إذ يخشى الأفراد من تفويت بعض التجارب المعيشية، والتي قد لا تُحقِّق لهم المتعة التي يتوقّعونها، أو ربّما لا تلائمهم، لكنّه الخوف من فوات ذلك الشيء الذي بدا ممتعًا.
4. التاريخ الشخصي للفرد:
يمكن للصراعات المالية السابقة أو التنشئة في أُسرة تُعانِي تحدّيات مالية، أن تترك آثارًا نفسية دائمة، تُؤثِّر في عادات الإنفاق والمال في وقتٍ لاحقٍ من الحياة.
اقرأ أيضًا: كم من المال تحتاج إليه لتكون من أصحاب الثروات المرتفعة "HNWI"؟
ما سرّ انتشار تشوه إدراك المال بين جيل Z وجيل الألفية؟
يُعدّ "تشوّه إدراك المال" أكثر انتشارًا بين الأجيال الشابة، مقارنةً بالأجيال الأكبر سنًا، فقد وجدت دراسة نشرت عام 2024 أجراها "Credit Karma"، أنّ 43% من الجيل "Z" و41% من جيل الألفية يُعانُون "تشوّه إدراك المال".
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ جيل الشباب يقضي المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد وجد استطلاع أجري عام 2023 لشركة "Edelman Financial Engines"، أنّ الأشخاص الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ أكثر عُرضةً لاتخاذ قرارات مالية غير عقلانية!
لماذا يجب التعامل مع تشوه إدراك المال؟

قد يؤدي "تشوه إدراك المال" إلى ضغوط مستمرة، وربّما سلوكيات مالية غير صحية، لا تقتصر على الادخار الشديد أو الإنفاق المندفع، بل قد تُعانِي ضغوطًا غير ضرورية حول الموارد المالية، بما قد يدفعك -في أسوأ الأحوال- إلى الإفلاس من خلال الإنفاق الزائد، ومِنْ ثَمّ فإن التعامل مع تشوه إدراك المال ضروري لعيش حياة متوازنة.
كما قد يضرّ ذلك التشوه علاقاتك بمن حولك، إذ قد يؤدي الضغط المستمر على الموارد المالية، إلى توتر العلاقات مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو العزلة عنهم.
استراتيجيات التعامل مع تشوه إدراك المال
قد يكون من الصعب التغلب على "تشوه إدراك المال"، لأنّه يتطلّب تغيير طريقة التفكير وإعادة توجيهها، ومع ذلك من الممكن التعامل معه من خلال بعض الاستراتيجيات، مثل:
1. التعامل مع المال باعتباره وسيلة:
يجب النظر إلى المال أولًا على أنّه وسيلة أو أداة، بدلًا من اعتباره مقياسًا لقيمتك الذاتية أو شخصيتك، فهذا يساعد على تقليل خسائر المخاوف المالية، من خلال تغيير طريقة نظرك إلى المال؛ إذ تتحرّر من التوقعات والمقارنات غير الواقعية، التي تغذّي تشوه إدراك المال.
2. التثقيف المالي:
قد تستفيد من فهم التدابير المالية الشخصية بطريقة أفضل، بغض النظر عن الوضع المالي، مثل وضع ميزانية وادّخار نسبة من الدخل، ومعرفة أساليب الاستثمار الآمنة، كما قد يساعد ذلك من الناحية المالية على تمكينك من اتخاذ قرارات مستنيرة، والتعامل مع التحديات المالية بأفضل طريقة ممكنة.
اقرأ أيضًا: هل تؤثر الثروة في صفات الأثرياء أم أنّ صفاتهم جلبت ثرواتهم؟
3. تقليل التعرّض لوسائل التواصل الاجتماعي:
ليس كل ما هنالك حقيقي، وإنّما للصورة بريقها الذي يخطف القلب قبل البصر، لذا قد يساعدك تقليل الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تحديد أنواع الحسابات التي تتابعها، للتخفيف من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على نفسيتك وأموالك.
وذكّر نفسك في أثناء تمرير الشاشة أنّك لا ترى صورة كاملة دقيقة عن من تُتابِعه، وإنّما مجرّد لقطة لا تكفي للتعبير عن حياة هذا الفرد.
4. وضع أهدافٍ مالية:
قد يُساعِد وضع أهداف مالية يمكن تحقيقها على الشعور بالإنجاز والتمكين، ما يقلل الشعور بعدم الكفاية الذي يُعدّ أحد أبرز سمات "تشوه إدراك المال".
ومما يُعِين على ذلك وضع خطة للنظر في أموالك، وفقًا لجدول زمني منتظم؛ مرة في الأسبوع أو الشهر مثلًا، فمواجهة حقيقة مواردك المالية خطوة أساسية في التعامل مع "تشوه إدراك المال"، لتقييم وضعك المالي الحقيقي، وقد يكون من المفيد القيام بذلك مع شخصٍ ما، مثل الزوجة أو أخيك أو صديقك.
فهذا يمنحك معلومات واضحة عن أموالك، مما يُخفِّف القلق بشأن عدم الأمان المالي، كما أنّ معرفة المكان الذي تذهب إليه أموالك بالضبط، يسمح لك ببناء قراراتك المالية بناءً على الحقائق، بدلًا من الخوف أو المقارنات التي لا طائل من ورائها.
5. تنمية الامتنان:
تنمية الامتنان من الاستراتيجيات المفيدة للتغلب على "تشوه إدراك المال"، فبدلًا من التركيز على عيوبك المالية، حاول أن تغير طريقة تفكيرك، للاعتراف بإنجازاتك المالية وتقديرها مهما كانت صغيرة.
فالمشكلات المالية ليس لها علاقة بتحديد قيمتك كشخصٍ؛ إذ يمكن لأي إنسان أن يُعانِي صعوبات مالية أو يقلق بشأنها، ولكن الأهم هو كيفية التعامل مع المال، واستخدامه في موارده الصحيحة، دون قلقٍ أو عقد مقارنات مع الآخرين.