الروح تتحرك
باولو كويلو
أرواحنا يمكنها التحرك عبر هذا الكون، عندما تتبع أجسامنا الأنغام الإيقاعية التي لا تعدّ جزءاً من الرتابة اليومية.
وبهذه الطريقة يمكننا أن نضحك عند شعورنا بآلام، صغيرة كانت أم كبيرة، وأن نقدم على خوض تجارب جديدة دون أن نهابها، وفي الوقت الذي تأخذنا فيه الصلوات والتفكرإلى عالم التقديس الروحي، من خلال السكون والتدبر الداخلي؛ فعند الرقص نحتفل مع الآخرين بنوع من النشوة والسعادة الجماعية.
ويمكن لأي شخص كتابة ما يحلو له عن الرقص، لكن لا فائدة من ذلك، حيث يتعيّن عليك أن ترقص، لتكتشف ما يتحدثون عنه، فلترقص حتى الإنهاك، إلى الدرجة التي يصبح عليها متسلقو الجبال، بعد بلوغ أعلى القمم. ولترقص حتى تنقطع أنفاسك، حينها سترى أن أعضاءنا الجسدية ستتلقى الأوكسجين بطريقة لم تعتدها من قبل، وسينتهي بنا الحال إلى فقدان هوياتنا وعلاقاتنا مع الفضاء والزمن.
وليس من الضروري الذهاب إلى المدرسة لتعلم الرقص، فلنطلق لأجسامنا العنان، لنعلمها، وهذا يرجع إلى أننا كنا نرقص مع عصور الظلام، ومع ذلك لم ننس هذا قط.
عندما كنت مراهقاً، كنت أحسد كبار الراقصين الملتف حولهم الأطفال على خشبة المسرح، وكنت أتظاهر أن لديّ أشياء أخرى عليّ القيام بها، من خلال الحفلات، مثل تداول الأحاديث، إلا أنني كنت أخشى أن أبدو سخيفاً ومضحكاً، ولذلك لم أكن لأجازف بالقيام بخطوة راقصة واحدة، حتى جاء اليوم الذي دعتني فيه فتاة تدعى ماريكا أمام الجميع قائلة: "تعال هنا". فأجبت أني لا أحب الرقص، إلا أنها أصرّت. كان جميع الحضور ينظرون إليّ، ولأنني كنت غارقاً في الحب - والحب يفعل المعجزات - لم أستطع الرفض أكثر من ذلك. لقد بدا شكلي مضحكاً، فلم أكن أعلم كيفية اتّباع الخطوات، ومع ذلك لم تتوقف ماريكا، بل استمرّت في الرقص، كما لو كنت رودولف نيرييف. وشيئاً فشيئاً بدأت أشعر أن جسدي بدأ في الاسترخاء والاستمتاع، وقد همست في أذني قائلة: "تناسَ الآخرين والتفت إلى الموسيقى، ولتحاول اتباع إيقاعها".
في ذلك الوقت أعرت انتباهي إلى الموسيقى، وبدأ الإحساس بالحرية يتنامى في داخلي مع كل لحظة. حينئذ تخلى الآخرون عن اهتمامهم بنا، وتركونا في هدوء، وكلما تحرك جسدي، كشفت ومضات قلبي عن نفسها، وزدت تعلماً، ربما من تلقاء نفسي.
وفي نهاية تلك الليلة، كنت قد تحولت شخصاً آخر، واستطعت التغلب على الحاجز النفسي الذي كنت أعانيه، ووجدت لنفسي صديقة كانت ذات أهمية بالغة في حياتي.
في هذه اللحظة فهمت أننا لسنا دائماً بحاجة إلى أن نتعلم أكثر الأشياء أهمية، فتلك الأشياء ما هي إلا جزء لا يتجزّأ من طبيعتنا.
وفي مرحلة الشباب كان الرقص بمنزلة طقس أساسي؛ ففي المرة الأولى كنا نشعر بحالة من الرشاقة والابتهاج العميق، حتى وإن كانت الصحبة مجموعة صغيرة من الصبية والفتيات الذين يمتعون أنفسهم.
وعندما وصلت الى سنّ البلوغ، ثم عندما تقدمت في العمر، مازلت بحاجة للذهاب إلى الرقص. وبالرغم من تغيّر الإيقاعات، فإن الموسيقى مازالت جزءاً من الحياة، كما أن الرقص هو النتيجة المترتبة على دخول الإيقاعات لداخلنا. وأنا مازلت أرقص حين أستطيع فعل ذلك؛ فمع الرقص يندمج العالم الروحي بالعالم الحقيقي، ويتعايشان دون أي تعارض.
وكما يقول أحدهم: فإن راقصي الباليه الكلاسيكيين دائماً ما يقفون على أطراف أصابعهم لأنهم بذلك يلمسون فعلياً الأرض، فضلاً عن بلوغهم عنان السماء.