علماء يحددون سر نجاح التلقيح الصناعي
كشفت دراسة علمية جديدة عن المدة الدقيقة التي ينبغي أن يمتنع فيها الرجل عن القذف لتعزيز فرص الحمل خلال عمليات التلقيح الصناعي (IVF).
وأكدت الدراسة أن الامتناع لفترة قصيرة لا تتجاوز 48 ساعة قبل تقديم عينة السائل المنوي يحقق نتائج أفضل مقارنة بالفترات الطويلة، في اكتشاف من شأنه أن يعيد الأمل للعديد من الأزواج الذين يواجهون صعوبات في الإنجاب.
الدراسة التي أجراها فريق بحثي من "جامعة جيلين" في مدينة تشانغتشون الصينية، ونُشرت نتائجها في المجلة الطبية المرموقة "ذا لانسيت"، شملت نحو 500 رجل خضعوا لتجارب علمية دقيقة لقياس تأثير مدة الامتناع عن القذف على جودة الحيوانات المنوية وفرص الإخصاب.
وقُسم المشاركون إلى مجموعتين: طُلب من الأولى القذف خلال 48 ساعة قبل جمع العينة، بينما التزمت الثانية بالتوصيات القديمة التي توصي بالامتناع من يومين إلى سبعة أيام.
وأظهرت النتائج أن المجموعة الأولى حققت معدل حمل سريري بلغ 54.4% مقابل 44.9% للمجموعة الأخرى، في حين بلغ معدل الحمل المستمر 46% مقارنة بـ36% لدى من امتنعوا لفترات أطول.
وخلص الباحثون إلى أن الامتناع القصير يُنتج سائلًا منويًا أكثر نشاطًا وحركة، ما يزيد من فرص التقليح الصناعي الناجح.
وقال الفريق البحثي في تقريره إن هذه النتائج تمثل "أول تجربة عشوائية محكمة من نوعها لتحديد تأثير مدة الامتناع على معدلات الحمل في عمليات التلقيح الصناعي"، مشيرًا إلى أن تحديد توقيت القذف بناءً على يوم التبويض يمكن أن يُحسِّن معدلات نجاح الحمل بشكل ملموس.
تأثير البيئة على خصوبة الزوجين
يأتي هذا الاكتشاف في وقت تتصاعد فيه المخاوف من التراجع الحاد في خصوبة الرجال عالميًا، فقد أظهرت دراسات سابقة انخفاض جودة الحيوانات المنوية إلى النصف تقريبًا خلال الخمسين إلى السبعين عامًا الأخيرة، ما جعل اللجوء إلى التلقيح الصناعي ضرورة متزايدة للأزواج الراغبين في الإنجاب.
ويرى الخبراء أن هذا التراجع يعود إلى عوامل بيئية وصناعية، أبرزها التعرض الطويل للمبيدات والمواد الكيميائية المسببة لاختلال الهرمونات، والتي تؤثر على نمو الخصيتين وأدائهما الطبيعي، وتقلل من جودة السائل المنوي وعدد الحيوانات المنوية المنتجة.
وتُعدّ عملية التلقيح الصناعي من أكثر الإجراءات الطبية كلفةً وتعقيدًا من الناحية العاطفية والجسدية، نظرًا لعدم ضمان تحقيق الحمل، خاصة لدى النساء أو البويضات التي تجاوزت عمر الأربعين عامًا، حيث تتراجع معدلات النجاح بشكل ملحوظ.
ويؤكد الدكتور ديفيد ميلر، أستاذ أمراض الخصوبة لدى الرجال في جامعة ليدز البريطانية، أن النتائج الجديدة "مشجعة"، لكنها لا تعني بالضرورة ارتفاع معدل الولادات الحية، وهو المؤشر النهائي لنجاح العلاج.
وأضاف: "تحسن معدلات الحمل أمر إيجابي، لكن يجب التمييز بين حدوث الحمل واستمراره حتى الولادة".
وتشير البيانات إلى أن نحو 40% من حالات العقم الذكري تنتهي بالنجاح بعد محاولات متعددة للتلقيح الصناعي أو الحقن المجهري (ICSI)، حيث يتم إدخال الحيوان المنوي مباشرة في البويضة، بينما ترتفع فرص النجاح إلى 70% بعد ثلاث محاولات متتالية.
ويحذر الأطباء من أن العقم لدى الرجال لا ينبغي التعامل معه على أنه مشكلة مؤقتة تزول بمجرد حدوث الحمل، إذ يُعتبر مؤشرًا مهمًا على مشكلات صحية أوسع؛ فالأبحاث تربط بين ضعف الخصوبة الذكرية وارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب وسرطان الخصية وانخفاض متوسط العمر المتوقع، مما يجعل الفحص الدوري والمتابعة الطبية أمرًا بالغ الأهمية.
ومع استمرار أزمة الخصوبة العالمية وتراجع معدلات الإنجاب في العديد من الدول، توفّر الدراسة الصينية بصيص أمل جديد للرجال الراغبين في الأبوة، من خلال تعديل بسيط في فترة الامتناع عن القذف يمكن أن يحدث فرقًا ملموسًا في فرص الحمل والإنجاب.
