ختام الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي: فصل كُتب بلغة الإبداع
مع إسدال الستار على الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بدا أن جدة لم تكن مجرد مدينة استضافت الحدث، بل فضاء حيّ ينبض بالحكايات، ,وتتقاطع فيه الرؤى والأصوات من الشرق والغرب.
على مدى أيام المهرجان، التقت الأساليب والمدارس السينمائية في حوار بصري واحد احتفى بالشغف الإنساني المشترك تجاه الصورة والخيال.
من بريق السجاد الأحمر إلى هدوء جلسات النقاش خلف الكواليس، ومن تكريم الأساطير إلى انطلاق المواهب الشابة، نسج المهرجان مزيجًا فريدًا من الفن والصناعة وروح المستقبل، فصل آخر يرسّخ رسالة المملكة في أن تكون السينما جسرًا يجمع العالم.
سوق البحر الأحمر
بإيقاعٍ جمع بين سحر الفن وعمق الصناعة، جاءت الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي لتؤكد مكانة المملكة كأحد المحاور الحيوية في خريطة السينما العالمية.
في موازاة هذا البريق الفني، رسّخ المهرجان حضوره كمحرّك فعلي لصناعة السينما في المنطقة، عبر فعاليات سوق البحر الأحمر التي تعكس نبض الصناعة كما يتشكل الآن، وتضع المملكة في قلب المنصات العالمية التي تصنع مستقبل الصورة.
في دورته الخامسة، فتح السوق أبوابه أمام موجة من الأصوات الجديدة التي تسهم في رسم ملامح المشهد السينمائي الآخذ في التطور، من الحضور الإفريقي المتصاعد في الساحة العالمية إلى الآفاق الابتكارية التي تفتحها القصص الوثائقية المعاصرة وأسلوب سردها المتجدد.
ومن قلب جناح السوق بمدينة جدة، اجتمع صناع الأفلام، والمنتجون، والموزعون، والقيادات المؤسسية في حوارات تعكس روح المرحلة، بحيث تتقاطع الأفكار وتُبنى الشراكات لتصميم مستقبل الصناعة.
ومع توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم الجديدة مع مؤسسات إنتاج عربية ودولية، واصل سوق البحر الأحمر ترسيخ دوره بوصفه قاعدة انطلاق حقيقية للإبداع، ومختبرًا مفتوحًا لتبادل المعرفة، وبوابة عبور تؤسس لمسارات نمو وابتكار تمتد من المنطقة إلى العالم.
خطوات تصنع المستقبل
برؤية تمتد نحو الغد، واصل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة ترسيخ التزامه بدعم المواهب الشابة وصناعة المستقبل.
ففي إطار برنامج المواهب الصاعدة، احتفى المهرجان بصناع الأفلام السعوديين والمقيمين من الفئة العمرية بين 10 و16 عامًا، ممن خطوا خطواتهم الأولى في عالم السينما.
قدّم هؤلاء المبدعون الصغار أعمالا تناولت موضوعات الوطن والمدرسة والعائلة والصداقة ببراءة وجرأة لافتة، لتعبّر عن الجيل الجديد الذي يرى في الكاميرا وسيلة للتعبير والخيال.
وبعد عرض أفلامهم، صعد المشاركون إلى المسرح لتسلم جوائزهم بحضور فيصل بالطيور، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائي، في لحظة مفعمة بالأمل تُسجَّل كبداية حقيقية لرحلتهم السينمائية نحو المستقبل.
بموازاة هذا الاحتفاء بالمواهب المحلية، أعلن المهرجان عن توقيع شراكة استراتيجية مع مهرجان آنسي الدولي ومدينة الرسوم المتحركة والصناعات الإبداعية لمدة ثلاث سنوات، في خطوة تُعد من أهم محركات النمو في قطاع الرسوم المتحركة بالمملكة.
وقّع الاتفاقية كل من الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائي فيصل بالطيور والرئيس التنفيذي لمهرجان آنسي ميكايل مارين، تمهيدًا لمرحلة جديدة من التعاون والتبادل الثقافي والإبداعي بين الطرفين.
تفتح هذه الشراكة أمام صناع الرسوم المتحركة السعوديين آفاقًا أوسع للوصول إلى السوق الدولية من خلال منصة MIFA المتخصصة، وتقدّم برامج تدريب وتبادل للمواهب، إضافة إلى عروض دولية للأفلام السعودية، وفعالية سنوية مخصصة لأفضل أعمال آنسي في ميدان الثقافة بدءًا من عام 2026.
خطوة قوية تؤسس لجسر متين يربط جدة بأحد أهم مراكز صناعة الرسوم المتحركة في العالم، في مسعى مشترك لرسم مستقبل واعد لصناعة السينما السعودية والإقليمية، وإلهام الجيل القادم من رواد الإبداع.
لقاءات مع صناع الإبداع
في سعيه المتواصل لتجسيد التنوع في التجارب السينمائية حول العالم، جمع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نخبة من أبرز صُنّاع الفن السابع في حوارات خاصة احتفت بمسيرتهم وإسهاماتهم في تطوير لغة الصورة.
لقاءات شكلت لوحة عالمية متعددة الثقافات، امتدت من مدارس الأداء في هوليوود إلى تقاليد السينما الهندية والبريطانية، مرورًا بالتجارب المستقلة التي تعيد تعريف الإبداع خارج حدود الأستوديوهات الكبرى.
من بين الحاضرين، لمع اسم النجم الأمريكي أدريان برودي، الذي يحمل في سجلّه اثنتين من أهم الجوائز السينمائية العالمية، بينها جائزة الأوسكار التي فاز بها عام 2003 عن فيلم The Pianist، ليصبح أصغر ممثل في التاريخ ينال هذه الجائزة المرموقة.
جسّد برودي في أعماله روح الفنان الذي لا يكتفي بالأداء بل يعيشه بالكامل، ويجعل من كل شخصية حالة نفسية وإنسانية متكاملة، كما ظهر مؤخرًا في تجسيده لشخصية المهندس المعماري لازلو توث في فيلم The Brutalist.
حضوره في المهرجان أضاف مسحة من التفكّر، كأنما يستعيد الحضور روح الأداء الذي يتجاوز التمثيل إلى التأمل في جوهر الإنسان.
وفي امتداد لحيويّة المشهد الهوليوودي، برز الممثل البريطاني نيكولاس هولت، أحد أبرز وجوه الجيل الجديد في هوليوود.
اشتهر هولت بقدرته على التنقل بسلاسة بين المشاريع التجارية الضخمة وأفلام الدراما التي تحظى بإشادة نقدية واسعة، ما جعله من الأسماء الأكثر طلبًا في صناعة السينما العالمية.
ومع بطولته الأخيرة لدور“ليكس لوثر في فيلم Superman للمخرج جيمس غان، الذي تجاوزت إيراداته 500 مليون دولار حول العالم، أصبح رمزًا للممثل العصري الذي يجمع بين الذكاء المهني والتنوّع الإبداعي.
إطلالته في المهرجان عكست جانبًا من تلك الطاقة التي تمزج بين النجومية العالمية والطابع البريطاني الراسخ في الأداء.
من بريق هوليوود إلى وهج بوليوود، حضر النجم العالمي سلمان خان ليضفي إلى اللقاءات بعدًا ثقافيًا مختلفًا.
خان، الذي يُعد أحد أكثر الممثلين تأثيرًا في تاريخ السينما الهندية، يمتلك مسيرة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود صنع خلالها إرثًا سينمائيًا يمزج بين الشعبية الواسعة والنجاح التجاري والتأثير الإنساني.
حضوره في مهرجان البحر الأحمر شكّل تجسيدًا للقاء بين ثقافتين سينمائيتين عريقتين، مؤكّدًا أن السينما الهندية لا تزال لغة عالمية تصل إلى الجماهير بصدقها وبساطتها وقوتها العاطفية الفريدة.
أما المخرج والكاتب الأمريكي شون بيكر، فقد قدّم بوجوده في المهرجان لمسة من الواقعية التي تميّز السينما المستقلة.
على مدى العقدين الماضيين، صنع بيكر ثمانية أفلام روائية تميّزت بجرأتها في الطرح وبقدرتها على ملامسة الواقع الإنساني بأدوات بسيطة.
أعمال مثل The Florida Project وTangerine منحت السينما المستقلة روحًا جديدة تجمع بين الصدق الفني والبعد الاجتماعي، الحوار مع المخرج المتألق أعاد التذكير بقيمة الفن حين يتحرّر من قيود الصناعة ويركّز على الإنسان في أبسط حالاته.
ولأن الفن لا يكتمل من دون رموزه التاريخيين، كان حضور السير أنتوني هوبكنز تتويجًا لهذه الحوارات.
صاحب المسيرة الممتدة إلى أكثر من ستة عقود، بدأ رحلته على خشبة المسرح قبل أن ينتقل إلى الشاشة الكبيرة ليقدّم مجموعة من الأدوار الخالدة التي طبعت ذاكرة السينما العالمية.
من The Silence of the Lambs إلى The Remains of the Day وThe Father، شكّلت أدوار هوبكنز مدارس قائمة بذاتها في الأداء، إذ يجمع بين الانضباط المسرحي والعمق النفسي والبساطة التعبيرية النادرة.
وجوده في مهرجان البحر الأحمر كان بمثابة احتفاء حقيقي بتاريخ الفن البريطاني، وامتدادًا صادقًا لجسرٍ يربط الماضي بالحاضر.
من خلال جمع هذه الأسماء اللامعة من قارات وثقافات متعددة، نجح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في تقديم مشهد بانورامي يعكس الطيف الواسع للسينما العالمية.
لحظات الحوار لم تكن مجرد لقاءات بين ممثلين ومخرجين، بل فضاءات التقت فيها الرؤى المختلفة لتوحّدها لغة واحدة: لغة الإبداع.
الاحتفاء بروّاد الفن
لم يكتفِ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة باستضافة نخبة الفن العالمي، بل مضى خطوة أبعد في الاحتفاء بإرثهم، عبر سلسلة من التكريمات الخاصة لعدد من الأسماء التي أسهمت في صياغة تاريخ السينما وإلهام أجيال من صُنّاعها حول العالم.
جاء في مقدمة المكرّمين النجم البريطاني السير مايكل كين، الذي تسلّم جائزة اليُسر الفخرية وسط تصفيق طويل من الحضور احتفاءً بمسيرته الأسطورية.
هذه المسيرة التي تمتد لأكثر من ستة عقود شكّلت خلالها أفلامه علامة فارقة في تاريخ السينما البريطانية والعالمية، من Get Carter إلى The Cider House Rules وThe Dark Knight، أفلام قدّم فيها كين مثالا نادرًا للممثل الذي يجمع بين البساطة والعُمق وتقمص الشخصية بأفضل صورة ممكنة.
كما شهد هذا العام تكريم السير أنتوني هوبكنز بجائزة اليسر الفخرية، وقد قدّمتها له الفنانة المصرية يسرا في لحظة رمزية جمعت بين جيلين من كبار المبدعين.
أسطورة التمثيل البريطاني الذي أسر العالم بأدواره، حظي باحتفاء يليق بمسيرته التي تجاوزت حدود الأداء لتصبح درسًا في الصدق الفني والالتزام بالأداء الراقي.
إلى جانب هذين الاسمين التاريخيين، احتفى المهرجان بالممثل والمخرج البريطاني إدريس إلبا، الذي حصد التكريم عن إسهاماته في إعادة رسم صورة المبدع متعدد المواهب؛ من التمثيل إلى الإخراج والإنتاج.
إلبا الذي جمع بين الكاريزما العالمية والحس الإبداعي أضاف إلى أمسية التكريم نكهة معاصرة، تجسد الجيل الجديد من الفنانين العالميين الذين يدمجون الفن بالتأثير الاجتماعي.
بعد سلسلة تكريمات خُصصت لرموز التمثيل أمام الكاميرا، انتقل الاحتفاء إلى الجانب الآخر من العدسة مع المخرج الأمريكي دارين أرونوفسكي، الذي تسلّم جائزة اليسر الفخرية من المخرج السعودي علي الكلثمي وهو تكريم يجسد تقدير المهرجان لصنّاع الرؤية الذين يمنحون الصورة روحها.
عرف أرونوفسكي بمشواره الفني الاستثنائي الذي قدّم من خلاله سينما تمزج الفلسفة بالجمال البصري في أعمال مثل Black Swa وThe Whale وRequiem for a Dream، ليضفي حضوره على المهرجان بعدًا تأمليًا يعكس عمق اللغة السينمائية التي ينتمي إليها.
ومن بين المكرّمين الذين لمعوا في الدورة الخامسة من المهرجان، جاء حضور المخرج الجزائري الفرنسي راشد بوشارب ليضيف بُعدًا عربيًا إلى المشهد العالمي للاحتفاء.
بوشارب، الذي كرّمه المهرجان بجائزة اليسر الفخرية، يُعد من أبرز الأصوات السينمائية التي نقلت القصص الإنسانية بين الشرق والغرب بلغة قادرة على تجاوز الحدود والثقافات.
وقد صعد إلى المسرح متسلّمًا الجائزة بعبارات امتنان مؤثرة، ليؤكد حضوره الدائم كمخرج يحتفي بالهوية المزدوجة ويجد في السينما مساحة للتلاقي الإنساني أكثر مما هي وسيلة سرد فني.
بهذه التكريمات، رسّخ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي مكانته بوصفه منصة عالمية تثمّن الإبداع الفني وتحتفي بأسماء ألهمت عبر العقود، مؤكّدًا أن تقدير الماضي هو أساس بناء مستقبل أكثر إشراقًا للفن السابع.
أفلام سعودية زينت الشاشة
لم يكن حضور السينما السعودية في الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي حضورًا اعتياديًا، بل جاء مبهرًا ومتنوعًا في موضوعاته ورؤاه، ليؤكد نضج الصناعة المحلية وقدرتها على تقديم قصص تنافس على الساحة العالمية.
مجموعة من الأفلام السعودية أضاءت شاشات المهرجان هذا العام، متراوحة بين الدراما الإنسانية، والملحمة التاريخية، والوثائقي الرياضي، والكوميديا الاجتماعية، لتقدم بانوراما فنية تعبّر عن ثراء المشهد السينمائي الوطني وتنوعه.
فيلم المجهولة
من بين أبرز العروض، جاء فيلم المجهولة من بطولة ميلا الزهراني، ليطرح دراما نفسية مشوّقة تدور حول "نوال"، المطلقة الشابة التي تجد نفسها وسط لغز غامض بعد اكتشاف جثة فتاة مجهولة في بلدتها.
يجمع الفيلم بين التوتر البوليسي وبُعد إنساني عميق، بحيث تقود البطلة تحقيقًا شخصيًا يكشف عن عوالم خفية من واقع النساء ومعاناتهن، في حبكة تعكس نضج الكتابة وتميز الأداء.
فيلم محاربة الصحراء
أما فيلم محاربة الصحراء للمخرج روبرت ويات، فشكّل محطة ملحمية في المهرجان بفضاء بصري واسع يستحضر روح الأسطورة التاريخية.
تدور أحداثه في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، بحيث ترفض الأميرة "هند" التي تجسدها عائشة هارت أن تكون أسيرة السلطة الإمبراطورية، فتهرب لتقود معركة "ذي قار" في مواجهة الغزاة الساسانيين.
فيلم يجمع بين الفخامة البصرية والحكاية البطولية في قالب يجسد أولى الخطوات الكبرى نحو إنتاج سعودي بمقاييس عالمية.
فيلم نور
وفي مساحة مختلفة تمامًا، لفت الأنظار الفيلم الوثائقي نور الذي تناول مسيرة أسطورة كرة القدم السعودية محمد نور، من بداياته المتواضعة في مكة المكرمة إلى النجومية مع نادي الاتحاد وتمثيله المملكة في كأسَي العالم 2002 و2006.
بمشاركة الأمير نواف بن محمد وياسر القحطاني وأسامة المولد، قدّم العمل سيرة إنسانية عميقة عن الطموح والعزيمة والإرث الرياضي الذي امتد أثره إلى الأجيال القادمة.
فيلم رهين
ولم يخلُ المهرجان من لمسات الكوميديا السعودية الأصيلة التي تعكس روح المجتمع المعاصر، حيث جاء فيلم رهين ليرسم ملامح حكاية اجتماعية طريفة عن شاب يعيش سلسلة من سوء الحظ، يجد نفسه مهددًا بخسارة منزله فيلجأ إلى خطة مغامِرة لاستعادة توازنه.
بمشاركة سعيد العويران ويزيد المجيول وعبدالعزيز السكيرين، يعالج الفيلم بذكاء التناقض بين الطموح الفردي والواقع البسيط بأسلوب يمزج خفة الظل بجرعة من الإنسانية.
فيلم مسألة حياة او موت
من الكوميديا الاجتماعية الخفيفة إلى الكوميديا السوداء ذات الطابع الرومانسي، جاء فيلم مسألة حياة أو موت ليقدّم طرحًا أكثر جرأة يوازن بين الفكاهة والدراما النفسية.
من بطولة يعقوب الفرحان وسارة طيبة، يروي العمل حكاية حب غير تقليدية تجمع بين امرأة تؤمن بأن لعنة ستنهي حياتها في عيد ميلادها الثلاثين، ورجل يخفي رغبة غامضة في القتل.
تدور الأحداث على إيقاع جدة الصاخبة، في حبكة تمزج السخرية بالتأمل وتستثمر المشهد الساحلي للمدينة في رسم خلفية بصرية ثرية تعزز التناقض بين فكرة الموت والحب والحياة المتجددة.
حصاد الجوائز السينمائية
في ختام فعاليات الدورة الخامسة، واصلت جوائز اليسر إشعاعها كرمز للتكريم الفني الأرفع في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بحيث احتفت لجنة التحكيم بمجموعة من الأعمال والأداءات التي عبّرت عن روح الإبداع السينمائي في أبهى صوره.
نال الفنان جورج خبّاز جائزة اليسر لأفضل ممثل عن أدائه في فيلم "يونان"، حيث قدّم تجسيدًا إنسانيًا عميقًا لشخصية منير التي تعيش على حافة الضياع بين الماضي والحاضر.
استطاع خبّاز أن يمنح الشخصية أبعادًا نفسية ثرية تجمع بين الضعف الإنساني والرغبة في الخلاص، مقدّمًا أداءً صادقًا يحاكي المتفرّج بواقعيته وهدوئه الداخلي.
ومن العمل نفسه حصد أمير فخر الدين جائزة اليسر لأفضل مخرج، في إنجاز يؤكد بصمته الإخراجية الحسّية التي تنسج الصورة كقصيدة سينمائية بصرية.
يستكشف فخر الدين في يونان أسئلة الاغتراب والعودة إلى الذات من خلال قصة رجل يهرب إلى جزيرة نائية بحثًا عن مصالحة مع ماضيه، مستخدمًا الأبعاد الوجودية بجرأة شاعرية حولت الرحلة الفردية إلى تجربة روحية آسرة عن الفقد والانبعاث.
وفي فئة الأفلام القصيرة، حصد الفلسطيني سعيد زاغة جائزة اليسر الذهبية عن فيلمه "مهدد بالانقراض"، الذي يقدّم سردًا مكثفًا وحسّاسًا عن طبيبة تواجه لحظة فارقة في طريق عودتها عبر الضفة الغربية.
العمل الذي صيغ بلغة بصرية مقتضبة وسيناريو يحمل توترًا صامتًا، يختصر في دقائق معدودة إحساس العزلة والخطر والاختيار تحت ضوء الواقع الفلسطيني.
أما جائزة اليسر الذهبية لأفضل فيلم طويل، فذهبت إلى الفيلم الياباني "أرض ضائعة" Lost Island للمخرج أكيو فوجيموتو، وهو العمل الروائي الأول في التاريخ الناطق بلغة الروهينغا.
يقدم فوجيموتو حكاية ملحمية بعيون طفلين يهربان من الاضطهاد في ميانمار بحثًا عن الأمان في ماليزيا.
بخطاب بصري هادئ وممثلين غير محترفين يعيش معظمهم تجارب اللجوء، صنع الفيلم شهادة إنسانية مؤثرة عن الفقد والحنين والبحث الأبدي عن الوطن، بعيدًا عن الميلودراما وبقرب حقيقي من الواقع.
وعلى مستوى السينما المحلية، فاز الفيلم السعودي "هجرة" بجائزة العُلا لتصويت الجمهور لأفضل فيلم سعودي.
يصوّر العمل رحلة ثلاثة أجيال من النساء السعوديات خلال رحلة من الطائف إلى مكة ثم شمال المملكة في سعي للعثور على الحفيدة المفقودة.
في سردٍ يفيض بالعاطفة، يستخدم الفيلم موسم الحج كخلفية لرحلة تتجاوز المكان لتغوص في معنى الهوية والإرث العائلي، فيما تقدّم الممثلة خيرية نظمي أداءً ينضح بالقوة والحنين، في عمل يجسّد بحضوره تطور اللغة البصرية للسينما السعودية وعمقها الإنساني.
بهذه الجوائز، اختتم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي فصول دورته الخامسة محتفيًا بالأصوات الجديدة والرؤى الجريئة التي تثري المشهد السينمائي العالمي، مؤكّدًا رسالته بوصفه منبرًا يجمع الحكايات المتفرّدة التي توحّدنا رغم اختلاف لغاتها وثقافاتها.
