كيف تؤثر مشاكل الطفولة على القدرات الإدراكية في الشيخوخة؟ دراسة توضّح
أظهرت دراسة حديثة أن تجارب الطفولة الصعبة، مثل الفقدان أو الإهمال أو العنف الأسري، يمكن أن تترك تأثيرات سلبية دائمة على صحة الدماغ تمتد لعقود، وتؤثر تحديدًا على القدرات الإدراكية في سن الشيخوخة.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الصدمات المبكرة تؤدي إلى تراجع مستمر في الأداء العقلي مع التقدم في العمر، بغض النظر عن الحالة الجسدية أو النفسية في مرحلة البلوغ.
واعتبر باحثو الدراسة أن هذه النتائج تسلط الضوء على أهمية النظر إلى التاريخ الشخصي منذ الطفولة عند وضع استراتيجيات لحماية صحة الدماغ.
وقاد البحث الدكتور شانكوان شون تشين الأستاذ المساعد في جامعة هونغ كونغ، الذي أوضح أن الدراسة هدفت إلى فهم كيف تتطور القدرات الإدراكية والصحية والنفسية لدى كبار السن مع الزمن، وكيف يمكن أن تتأثر هذه المسارات المبكرة بالتجارب السلبية في الطفولة.
وأوضح الباحث أن "التدهور العقلي والجسدي والنفسي غالبًا ما يتزامن لدى كبار السن، لكن لم تُجر دراسات كافية تربط بين هذه الجوانب مجتمعة ومع أحداث الطفولة".
وأضاف أن المشكلات التي يتعرض لها الطفل "قد تترك بصمة طويلة الأمد يصعب محوها حتى مع أسلوب حياة صحي في الكبر".
واستندت الدراسة المنشورة في مجلة "International Journal of Geriatric Psychiatry" إلى بيانات من المسح الصيني للصحة والتقاعد "China Health and Retirement Longitudinal Study" الذي شمل 6178 شخصًا بعمر 60 عامًا فأكثر، واستمر على مدى عشر سنوات (2011 – 2020).
وقيّم الباحثون القدرات الإدراكية للمشاركين من خلال اختبارات الذاكرة قصيرة المدى والانتباه، فيما قاسوا الصحة الجسدية عبر مهام الحياة اليومية مثل التنقل وتناول الطعام، أما الجانب النفسي فتم تحليله باستخدام مقياس معياري لأعراض الاكتئاب.
كما سُئل المشاركون عن 13 تجربة سلبية في الطفولة قبل سن 17 عامًا، شملت فقدان أحد الوالدين أو معاناتهم من مرض نفسي أو التعرض للعنف الأسري أو الإهمال أو الاعتداء البدني.
وباستخدام تقنية إحصائية تُعرف بـ"Latent Class Growth Modeling"، حدد الباحثون أربع فئات من أنماط الشيخوخة:
ـ مجموعة "الأفراد الأصحاء" (60%) التي حافظت على أداء متوازن في جميع الجوانب.
ـ مجموعة "تدهور إدراكي سريع" (16.5%) تراجعت فيها القدرات الإدراكية بشكل حاد.
ـ مجموعة "تحسن نفسي وجسدي طفيف رغم الضعف الإدراكي" (14.4%).
ـ مجموعة "تدهور شامل إدراكي وجسدي ونفسي" (9.4%).
تأثير مشكلات الطفولة
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين واجهوا ثلاث تجارب صعبة أو أكثر في طفولتهم سجلوا أداء إدراكيًا أضعف بشكل ملحوظ مقارنة بمن لم يواجهوا أي تجارب مشابهة.
وأكد الباحثون أن هذا التأثير السلبي ظل واضحًا حتى بعد احتساب عوامل مثل التعليم والدخل ونمط الحياة وسلوكيات الصحة في مرحلة البلوغ.
وقال الدكتور تشين: "كنا نتوقع أن يختلف تأثير الصدمات الطفولية حسب نمط الشيخوخة، لكن النتائج أظهرت أن الأثر كان ثابتًا في جميع الحالات تقريبًا، مما يشير إلى أن التجارب المبكرة تترك ندبة عصبية دائمة في الدماغ".
ورغم أن الدراسة لم تثبت علاقة سببية مباشرة بين الصدمات والضعف الإدراكي، فإنها توضح الصلة الوثيقة بين التوتر في الطفولة واضطراب وظائف الدماغ في الكبر عبر آليات محتملة تشمل الالتهابات المزمنة واضطرابات الجهاز العصبي.
وحذر الباحثون من اعتبار الطفولة الصعبة "قدرًا محتومًا"، مشيرين إلى أن "الكثير من الأفراد الذين مروا بتجارب سلبية حافظوا على قدرات عقلية جيدة"، ما يؤكد دور العوامل الوقائية مثل التعليم، الدعم الاجتماعي، والنشاط الذهني في تخفيف الأثر طويل الأمد.
