جدّة تحت أضواء الكاميرات: البحر الأحمر يستضيف أساطير الشّاشة
حين تتلاقى الأضواء بالبحر، وتنعكس عدسة العالم على مدينةٍ تعرف كيف تحتفي بالجمال، تولد لحظة سينمائية استثنائية تتجاوز حدود المكان والزمان. هنا، لا تُروى الحكايات على الشاشة فقط، بل تُصاغ في الوجدان حدثًا عالميًا، يختصر الشغف، ويعيد تعريف العلاقة بين الفن والجمهور.
الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي تضع جدة في قلب المشهد السينمائي العالمي، مقدّمة تجربة ثرية لعشاق الفن السابع.
الحدث المنتظر انطلاقه في الرابع من ديسمبر، لا يقتصر على العروض المبهرة، وإنما يتحوّل إلى منصة حقيقية تجمع نخبة من أيقونات السينما العالمية والعربية، في حوارات ملهمة، وتكريمات تاريخية، ولجان تحكيم تضم أسماء صنعت المجد على الشاشة.
حوارات مع نخبة النجوم
من بين الضيوف الحاضرين يطل النجم الأمريكي أدريان برودي، صاحب المسيرة التي تُعد درسًا حيًا في فن تجسيد الشخصيات المعقدة.
برودي، الذي دخل التاريخ كأصغر ممثل حاصل على جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم The Pianist عام 2003، عاد في السنوات الأخيرة إلى دائرة الضوء العالمية من خلال شخصية المهندس المعماري لازلو توث في فيلم The Brutalist، العمل الذي انطلق من مهرجان البندقية وسط إشادة نقدية واسعة وحصد أرفع الجوائز العالمية.
مشاركة برودي في الدورة الخامسة من المهرجان تمنح الجمهور فرصة فريدة للقاء أحد أبرز نجوم هوليوود عن قرب.
وعلى الضفة الأخرى من المشهد السينمائي، يترقّب عشّاق السينما المستقلة حوارًا مختلف الإيقاع مع المخرج الأمريكي شون بيكر، أحد أكثر الأصوات تفرّدًا في هذا المجال.
بيكر، الذي يجمع بين الكتابة والإخراج والإنتاج والمونتاج، صنع لنفسه مكانة خاصة عبر أعماله الجريئة، من أبرزها فيلم Anora الذي تحوّل إلى ظاهرة سينمائية بعد فوزه بخمس جوائز أوسكار.
حضوره في المهرجان يضفي بعدًا فكريًا عميقًا إلى الجلسات الحوارية، مقدّمًا رؤى جديدة حول صناعة السينما المستقلة عالميًا.
ولا تقتصر الجلسات الحوارية على الأسماء العالمية فحسب، بل يُعلن مهرجان البحر الأحمر عن قائمة من نخبة السينما العربية والعالمية، لتقدّم للجمهور مساحة تفاعلية ثرية تجمع أبرز النجوم وصنّاع الأفلام.
تشمل القائمة النجم أمير المصري، بطل فيلم العملاق، والمخرجة التونسية كوثر بن هنية، المرشّحة لجائزة الأوسكار عن فيلم بنات ألفة، والفنانة المصرية الكبيرة لبلبة، إلى جانب النجم السعودي يعقوب الفرحان من فيلم مسألة حياة أو موت.
يأتي برنامج الجلسات الحوارية في هذه الدورة ليكشف عن مسارات فنية صنعت مجد السينما، ويتيح للجمهور فرصة الغوص في تفاصيل التحديات والنجاحات التي واجهها هؤلاء النجوم في رحلتهم نحو المنصات الدولية، ومن بينها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نفسه.
تكريم أساطير السينما
دورة هذا العام من مهرجان البحر الأحمر لا تكتفي بالجلسات الحوارية التي تجمع أبرز نجوم السينما، بل تذهب بعيدًا لتصبح منصة للاحتفاء بالإنجازات التي صنعت تاريخ الفن السابع.
المهرجان يكرّم أسماء مرموقة ارتبطت بالإبداع وحصدت أرفع الجوائز العالمية، ليقدّم للجمهور لحظات استثنائية تعكس معنى التميز الحقيقي في صناعة السينما.
البداية مع السير مايكل كين، الحائز على جائزتي أوسكار، والذي شكّل بموهبته الاستثنائية معيارًا للأداء السينمائي الراقي.
من أولى إطلالاته التي خطّها في فيلم Zulu إلى تثبيت مكانته خلال حقبة الستينيات، ثم عبوره إلى عصر جديد من العالمية مع ظهوره اللافت في سلسلة أفلام باتمان، جسّد كين معنى التطور الحقيقي في فن التمثيل.
وبخلاف معظم نجوم الشاشة، يُعد كين واحدًا من خمسة ممثلين فقط ترشّحوا لجوائز الأوسكار عبر خمسة عقود متتالية، محقّقًا بذلك مكانة استثنائية في سجل المكرمين.
واليوم، يحتفي المهرجان بمسيرة مايكل كين تقديرًا لعطائه الذي ألهم أجيالاً من الفنانين، وتكريمًا لمسيرة حافلة صنعت الفارق في عالم السينما.
لا يقتصر الاحتفاء في هذه الدورة على إرث كين وحده، بل يمتد ليشمل وجوهًا أخرى رسّخت قيم التميز في عالم الفن.
إذ يتألق المخرج رشيد بوشارب، صاحب الرؤية الإنسانية الجريئة التي أعادت صياغة العلاقة بين التاريخ والسياسة عبر السينما.
بأعماله التي تناولت الاستعمار والهجرة والهوية، رسّخ بوشارب أقدامه بوصفه أحد أبرز الأصوات العالمية، ليصبح اسمه مرادفًا للسينما التي تطرح الأسئلة الكبرى.
يأتي تكريم بوشارب ليبرز قدرته الاستثنائية على التنوع والإلهام، مؤكّدًا مكانته كأحد أبرز المخرجين في السينما العربية والعالمية.
يمتد التكريم في هذه الدورة ليشمل المخرج العالمي ستانلي تونغ، الذي شكّل برؤيته الإبداعية علامة فارقة في سينما الحركة.
بفضل تعاونه الطويل مع النجم جاكي شان في أفلام خالدة مثل Police Story 3: Super Cop وRumble in the Bronx، أكد تونغ حرفيّته المهنيّة كأحد أبرز صانعي السينما في آسيا والعالم.
ويعد تكريمه اليوم ليس احتفاءً بمسيرته فحسب، بل تقدير لعطائه الذي ألهم أجيالا من عشّاق السينما وأعاد تعريف حدود المغامرة على الشاشة الكبيرة.
بهذه التكريمات، يؤكد مهرجان البحر الأحمر السينمائي أن الجائزة هنا بمنزلة شهادة على إبداع غيّر ملامح السينما وصنع ذاكرة لا تُنسى لعشاق الفن السابع.
نجوم خلف الكواليس: لجان التحكيم بأسماء عالمية
في إطار التزامه بدعم الإبداع السينمائي وصناعة المواهب، كشف مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن تشكيل لجان التحكيم لاثنين من أبرز برامجه في الدورة الخامسة.
البداية مع تحدّي صناعة الأفلام خلال 48 ساعة، بحيث أعلنت مؤسسة البحر الأحمر السينمائي عن لجنة تحكيم تضم ثلاثة أسماء لامعة في عالم السينما والتلفزيون العربي والعالمي: الإعلامي والممثل السعودي ياسر السقّاف، والممثلة والمخرجة اللبنانية كارمن بصيبص، والمخرج والممثل المغربي-الفرنسي أيوب ليوسفي.
يجتمع هذا الثلاثي بخبرات متنوعة تمتد من التمثيل والإخراج إلى دعم المواهب الشابة، إذ يُعد السقّاف أحد أبرز الوجوه السعودية في تقديم البرامج وصناعة الأفلام، فيما رسّخت بصيبص حضورها كممثلة ومخرجة تحمل رؤية بصرية متجددة، ويضيف ليوسفي بعدًا عالميًا بأعماله السينمائية التي حصدت جوائز مرموقة.
وفي سياق آخر، يرحّب المهرجان بالمخرج الأمريكي الحائز على جائزة الأوسكار شون بيكر، رئيسًا للجنة تحكيم الأفلام الطويلة.
يأتي بيكر ليقود لجنة التحكيم في واحدة من أهم مسابقات المهرجان، مؤكّدًا مكانة الحدث بوصفه منصة عالمية تحتفي بالتنوع الفني وتكشف عن الأصوات الجديدة في السينما الدولية.
بهذا التشكيل، يقدّم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نموذجًا متكاملا للتحكيم يجمع بين الخبرة المحلية والعالمية، ليصنع بيئة تنافسية محفزة تتيح للمواهب الشابة والسينمائيين المخضرمين فرصة الالتقاء في مساحة واحدة، بحيث تتقاطع الرؤى وتولد الأفكار التي ترسم ملامح مستقبل الفن السابع.
